“إنه الفاروق دائما”، “عبد الناصر زعيم الأمة”، “السادات بطل”، “أرى أن مبارك يحكم 3 سنوات أخرى”، “الله يكون في عون السيسي” عبارات من مديح الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل لحكام مصر، وارتبط اسمه دوما بمؤسسة الرئاسة، يكتب ويحلل ويوثق، ويكشف عن أسرار الحكام والمفاوضات السرية غير المعلنة، أطلق عليه البعض “كاتم الأسرار” وآخرون قالوا عنه “الصندوق الأسود”.
هكيل عاش طوال عمره كاتبا للحكام مبتعدا عن انتقادهم أو الوقوف في صف الشعب حتى جاءت ثورة يناير والتي قرر فيها أن يختفي.
ونستعرض لكم في هذا التقرير مراحل علاقة هيكل بالأنظمة المصرية:
هيكل وفاروق
كتب هيكل عن الملك فاروق في مجلة روز اليوسف في العدد 818 في 17 من فبراير سنة 1944 السنة التاسعة عشرة تحت عنوان (إنه الفاروق… الملك في الصعيد.. الملك يزور مناطق المرض بنفسه ليشرف على ما يجري وليواسي شعبه… هذا هو النبأ العظيم الذي لم يدهش له أحد ولم يعجب له أحد ولكن الناس جميعا أضاءت عيونهم بنور الأمل والثقة وتقابلت أنظارهم فتبسموا ابتسامة حب وحنان إنه الفاروق… إنه الفاروق دائما… فاروق الأمس.. وفاروق اليوم… وفاروق الغد بالأمس عندما اشتدت أزمات التموين ذهب الملك بنفسه ليرأس مجلس الوزراء ليبحث معه مشاكل الشعب وقالوا له: فليجمع مجلس الوزراء في القصر.
الولاء لجمال عبد الناصر
هيكل بالطبع كان أبرز المقربين لجمال عبد الناصر وكان كارهًا للإخوان والإسلاميين، كما كان هيكل صاحب أشهر كلمة عن هزيمة 76 التي لحقت بالمصريين عند حربهم مع الكيان الصهيوني حيث أطلق على هزيمة 1976 بـ”النكسة المصرية”.
وكتب هيكل خطاب التنحي لجمال عبد الناصر بعد النكسة، والذي حمل معه مشاعر كسب الاستعطاف.
هيكل والسادات
مارس هيكل دوره في التقرب إلى الحكام فوقف هيكل مع السادات بعد عبد الناصر، ضد مجموعة 15 مايو الذين انقلب عليهم السادات تحت مزاعم ثورة التصحيح بمساعدة هيكل الذي حاول أن يتقرب أكثر وأكثر من السادات وأن يأخذ وضعه كما كان في السابق ولكن السادات فضحه على الملأ وانتهى الأمر به في السجن ذلك المكان المظلم الذي كان هيكل سببا في دفع كثيرين إليه,
وكتب هيكل مادحا السادات بعد انتصار أكتوبر 1973 في صحيفة الأهرام في يومي 12، 26 أكتوبر: حققنا القرار بقبول التحدي والقرار هنا مرادف دقيق لمعنى الإرادة، كانت حالة اللا سلم واللا حرب قد طالت بأكثر مما هو لازم لأي شعب يريد أن يحتفظ بحيويته الفضالية ولكن القرار لم يكن سهلاً خصوصا أن الملابسات المحيطة بالعمل الوطني في مصر وربما في غيرها من بلاد العالم النامي كله تضع مسؤولية القرار على كتفي رجل واحد؛ أي أنه بالنسبة لأنور السادات فإن القرار كان مصيريا وفي الوقت نفسه فقد كان عليه أن يتخذه وحده وربما كان من حقه وواجبه أن يسمع وأن يناقش لكنه في النهاية كان مطالبا بأن يكون وحده عقلاً وقلبا وضميرا، ثم يصل إلى القرار ويتحمل تاريخيا المسؤولية”.
هيكل ومبارك
فى عهد مبارك اختلف الأمر قليلا فبدأت العلاقة بينهما ودية بعد أن أفرج الأول عن كل المعتقلين في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، ومن بينهم “هيكل” الذي رأى في تصرفه هذا بداية جديدة مبشرة.
وأعلن هيكل عن تأييده الشخصي لمبارك في البداية، ودعا كل المواطنين لمساندته لينجح في أداء مهمته في كتابه “مبارك.. من المنصة إلى الميدان”.
التشنيع على حكم مرسي
كان هيكل يظهر في حلقات أسبوعية بعنوان “مصر أين؟ وإلى أين؟” قبل الانقلاب العسكري بعدة أشهر، وذلك من خلال فضائية الـ”سي بي سي”، المملوكة لمحمد الأمين، سخّر “هيكل” حلقاته الأسبوعية للتشنيع على حكم محمد مرسي” وجماعة الإخوان المسلمين؛ حيث بدا الرجل ناقمًا على الرئيس “مرسي” وجماعة الإخوان المسلمين.
في حلقة له قبل أحداث 30 يونيو بأيام وتحديدًا يوم 27/6 انتقد هيكل استشهاد الدكتور مرسي بآيات القرآن الكريم في خطبه، وقال هيكل: “لا أحب الاستشهاد بآيات قرآنية في خطب سياسية وأوروبا وصلت إلى الصندوق بعد أن فصلت الكنيسة عن الدولة”.
هيكل وثورة يناير
اختفى حسنين هيكل أثناء ثورة 25 يناير ثم عاد بعدها بأشهر قليلة على الساحة الإعلامية بتصريحاته وحلقاته المتتابعة على فضائية السي بي سي.
التمهيد للانقلاب
في حلقة 14 من مارس 2013 خرج هيكل ليهيئ الرأي العام للانقلاب، فقال: “الجيش المصري يضع لديه كل الاحتمالات، ومش عايز الجيش يقفز، ولا ينبغي أن يتخذ الجيش خطوة تبدو كانقلاب عسكري”، وكانت هذه أول دعوة صريحة من هيكل بالانقلاب العسكري.
وفي حلقة 4 من أبريل 2013 دافع هيكل عن “باسم يوسف” والإعلاميين، قائلًا: “وبالتالي فإذا لم تحسن الجماعة التعامل مع الإعلام فسوف تجد نفسها في صدام كبير مع المجتمع ككل، وأعتقد أن هذا جزء من الأزمة؛ فهم لم يتعودوا نهائيًا على النقد الساخر، وهذا ما يخص قضية باسم يوسف والسخرية من أدوات الحرب، وهي بمثابة حرب أعصاب مؤلمة”.
في اليوم التالي للانقلاب، ظهر هيكل مع لميس الحديدي ليقول إن 30 يونيه ليست انقلابًا؛ إذ قال: “ما حدث ليس انقلابًا عسكريًا؛ لأن الانقلاب هو الاستيلاء على السلطة، والجيش يحمي العملية الديمقراطية دون التدخل فيها”.
هيكل وتمرد
ذكرت عدة صحف أن هيكل قال لأعضاء الحركة: إن معركة “تمرد” والقوى السياسية ليست إسقاط الإخوان، ولكنها معركة إنقاذ مصر، مشيرًا إلى أنه من الضروري أن يتولى الشباب هذه المرحلة وعدم السماح لأي من الكبار بالظهور على قمة الموجة الثالثة من الثورة التي فجرها الشباب.
وفي يوم 27/6 خرج هيكل ليقول في برنامجه: “رهاني على الشباب، وألتقي تمرد، لأن المستقبل مرهون بهم، وهدف 30 يونيه هو تحرير طاقة البلد، الذي لا يصح أن يكون رهينًا للماضي ولا لتصفية الحسابات.. طلبت من تمرد مزيدًا من الحرص على سلمية المظاهرات، وأن يهتفوا لتقدم مصر”.
وأضاف هيكل في الحلقة ذاتها: “أطالب بتحقيق كامل في مسألة هروب الرئيس من السجن، وفي تعاونه مع جهات أجنبية”.
هيكل وعدلي منصور
يوم الأحد 7 من يوليو وقبل مجزرة الحرس الجمهوري بيوم التقى هيكل بعدلي منصور الرئيس الذي عينه السيسي، وقال هيكل في اللقاء: “إنني أتصور أن المهمة الأساسية الآن هي أن يواجه البلد مستقبله بكل الوسائل المتاحة، موحدًا، على الأقل بالفكرة، والفكرة التي أقصدها هي إنقاذ الوطن، فالبلاد لا تتحمل أية حماقات، ولا بد أن يدرك الجميع أنهم أمام مهمة إنقاذ”.
وسافر هيكل إلى دبي واختفى تمامًا عن المشاهد الذي ارتكبت عقب الانقلاب العسكري ليعود من جديد يوم الخميس 12/9/2013 ليبرر جميع الجرائم ويدافع عن جريمة فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة بزعم أن مصر كانت ستُقسّم لو استمر الاعتصام.
هيكل والسيسي
ظهرت علاقة حسنين هيكل مع عبد الفتاح السيسي، في مارس ٢٠١٠ عندما تولى السيسي رئاسة المخابرات الحربية، تحدث عنه هيكل في جلسة جمعت بعض مريديه، أثنى عليه وأشاد بشخصيته وكفاءته وقدراته، قال يومها إن المعلومات التي وصلته عنه مبشرة، وينتظره مستقبل كبير.
بعد ثورة ٢٥ يناير حرص المجلس العسكري على أن يعقد لقاءات موسعة مع عدد من الكتاب الصحفيين، وتم تكليف اللواء السيسى وقتها بالجلوس معهم ليشرح لهم تفاصيل دور الجيش في الثورة، وما جرى على الأرض بالتفصيل.
في واحدة من هذه الجلسات أبدى السيسى إعجابه الشديد بهيكل، وقال لمن حضروا إنه قرأ كل ما كتب هيكل، نقل أحد الموجودين (كاتب مقرب من هيكل) ما قاله السيسى عن الكاتب الكبير، وتم ترتيب لقاء بينهما، استمر لما يقرب من ٣ ساعات، كان هيكل فيها هو المستمع، فقد أراد أن يعرف ما جرى في الكواليس من رجل لديه المعلومات، ويمتلك قدرة كبيرة على التحليل وتربيط الأمور بعضها ببعض.
واحتفل السيسى بعيد ميلاد هيكل التاسع والثمانين في مكتبه وهذه القصة رواها عادل حمودة وحده في كتابه “خريف هيكل”، والتي لم ينفها ولم يؤكدها أحد غيره، وفقا لما ذكره عادل حمودة.
وفي أحد حواراته التليفزيونية قال هيكل نصا: وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسى ألغى دعوته للحوار “الدعوة التي تبناها السيسى للحوار بين القوى السياسية في نهايات نوفمبر ٢٠١٢” بعد أن استشعر أن بعض القوى السياسية قلقة من عودة الجيش للعملية السياسية، وأعتقد أن القيادة العسكرية أخذت المبادرة ثم اتصلت بالرئاسة وخشيت لأن التجربة قريبة زمنيا من هتاف رفض الحكم العسكري ولهذا ألغيت الفكرة.
وقال هيكل: “اتصلت هاتفيا بالفريق أول عبدالفتاح السيسى وأبلغته: إنني أستطيع أن أفهم دوافعك لدعوة القوى السياسية رغم عدم موافقتي على هذا القرار خاصة في ظل المناخ السائد، وكذلك التوقيت وأشياء كثيرة من بينها تخوفي من استعادة تجربة الهتافات الرافضة للحكم العسكري”.
سيف الدولة: هيكل كاتب يعمل في كنف السلطة
وقال محمد سيف الدولة الباحث السياسي، إن محمد حسنين هيكل، صحفي من الوزن الثقيل، قدم للمكتبة العربية عددا من المؤلفات المتميزة التى استطاع أن يصنع اسمه من خلالها، وخاصة مجموعة حرب الثلاثين عاما بين مصر وإسرائيل التي بدأت بملفات السويس وانتهت بحديث المبادرة، لكنه أيضا تربى داخل مؤسسات الدولة، واختار منذ نعومة أظافره أن يكون قريبا منها ومدافعا عن كثير من سياساتها، ما أسهم في فتح الأبواب والقنوات على مصراعيها، بينه وبين السلطاة فى مختلف العصور، فيما عدا خلافه مع السادات بعد 1974 وبعض اختلافاته من مبارك”.
وأضاف سيف الدولة في تصريح لـ”رصد”: “وهو في اقترابه من السلطة يختلف عن عديد من المفكرين والكتاب المستقلين ذوي الوزن الثقيل، الذين تفوقوا عليه في مشروعاتهم الفكرية ولكنهم عارضوا الحكام والأنظمة، ودفعوا أثمان ذلك، من حريتهم أو من تجاهلهم وعزلهم من قبل كل مؤسسات الدولة الإعلامية والسياسية والثقافية”.
وأشار إلى أن هيكل هو نموذج واضح لهذا النوع من المثقفين الذين اختاروا منذ اللحظة الأولى أن يعملوا فى كنف السلطة أن يقدموا لها خدماتهم، ولكن هيكل يتميز عن هؤلاء بأنه صنايعي شاطر، يمتلك القدرة بمهارته على تقديم خدمات خمس نجوم لا يستطيع أن ينافسه فيها كثيرون.
وأوضح أن دور هيكل المشهور في دعم السادات في الإطاحة بالحرس القديم في 1971، لا يزال يعتبر مثلا صارخا على ذلك، وهو نجم لامع في عالم الصحافة المصرية والعربية والعالمية، ولذلك هو لا يتحمل أن يظل خارج الأضواء، فيبحث له دائما عن دور، يبقيه محط الانظار.
ولفت سيف الدولة إلى أن الدولة من ناحيتها، تدرك مكانته الصحفية، وتعمل على توظيفه لصالحها، على غرار ما تفعل مع الجميع، وهو لا يمانع في ذلك، بل يرحب به، ولكنه يقوم به بحرفنة، وليس بابتذال كما يفعل غالبية صبية النظام من الإعلاميين والساسة.
واختتم: “لأنه صحفي شاطر، ولأن الصحافة تجري في دمائه، فهو يحرص في كل ظهور إعلامي له، أن يعبر عن آرائه بجمل وصياغات، تصلح لكي تكون مانشتات في صحف اليوم التالي، هو معلم في ذلك، رغم أن كثيرا مما يقوله قد لا يكون جديدا أو قد لا يكون صحيحا”.