شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

المصريون وفتنة الرئاسة

المصريون وفتنة الرئاسة
  المناصب الرئاسية في أي مكان لها بريق عظيم.. فلاشك أن أي إنسان في منصب رئاسي يشعر بسعادة كبرى عندما يقدم نفسه...

 

المناصب الرئاسية في أي مكان لها بريق عظيم.. فلاشك أن أي إنسان في منصب رئاسي يشعر بسعادة كبرى عندما يقدم نفسه للآخرين قائلا: أنا رئيس مصلحة كذا.. أو رئيس إدارة كذا.. فما بالنا برئاسة الدولة.. فلا عجب أن نرى الكثيرين يتهافتون على الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية.. فحلم الرئاسة يراودهم وبريقها يجذب أنظارهم.. فالكثير منهم لا يرى من هذا المنصب إلا الوجاهة والمكانة المرقومة والمنزلة الرفيعة العالية.. وإني أظن لو جلس كل من تسول له نفسه بالترشح لرئاسة الجمهورية مع نفسه جلسة صدق ومصارحة وفكر في تبعات هذا المنصب ومسئولياته لأحجم عن التفكير فيه من الأساس..

إن المشهد الراهن الذي تعيشه مصر يحتاج إلى رئيس من طراز فريد.. تحتاج إلى شخص يكون قادرا على جمع أشتات المجتمع الذي فرقته أيدي السابقين من المفسدين.. تحتاج إلى من يكون قادرا على التعامل مع كل أطياف المجتمع بدرجة واحدة من العدل والشفافية والمصداقية.. وإلى من يكون قادرا على التعامل مع القوى الخارجية أصدقاء كانوا أم أعداء.. لابد أن يكون شخصا قويا في كل شيء فعنأبي ذر رضي الله عنه أنهقال:قلت يا رسول الله ألا تستعملني؟ قال:فضرب بيده على منكبي، ثم قال: "ياأبا ذرإنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلامن أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها".

فهل كل من تصدى لهذا الأمر ورشح نفسه في الانتخابات الرئاسية يرى في نفسه توافر عناصر القوة الكاملة اللازمة لهذا المنصب؟ والله إن كانت الإجابة بنعم فيحق لنا أن نسعد بهذا الكم الهائل من المرشحين ونطمئن على مستقبل مصر فمن فاته أن يكون رئيسا استفدنا به في مواقع أخرى ينفع بها وطنه وأمته.. وساعتئذ يُسأل الصادقون عن صدقهم فمن كان همه عند ترشحه مصلحة الوطن.. فالوطن يناديه دائما.. ومجال العمل مفتوح.. ومن كان همه غير ذلك فسيختفي إلى أن تأتي انتخابات جديدة ليطل علينا من جديد متحدثا عن عبقريته وأحقيته بهذا المنصب.

أقول: من حق كل إنسان أن يفكر في أن يصبح رئيسا.. ولكن ينبغي أن يفطن إلى ما هو قادم عليه من المسئولية، فقد روى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مَا مِنْ أَمِيرٍ يَلِي أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ لَا يَجْهَدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ لَهُمْ إِلَّا لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمُ الْجَنَّةَ.

إن فتنة الرئاسة فتنة عظيمة، وابتلاء كبير، وكثير من الناس يعيش حياة التواضع، فإذا صعد على منبر الحكم تغير، وتبدل، وتكبر، وانظر إلى الحسن البصري يقول في كلمة عظيمة له:آخر ما يُنزع من قلوب الصالحين، حب الرئاسة.

إن عمر بن عبد العزيز الإمام العادل الذي لقب بخامس الخلفاء الراشدين قرأ ذات يوم في صلاته قول الله تعالى: (وقفوهم إنهم مسئولون) فظل يرددها وهو يبكى حتى أغشي عليه؛ لأنه كان يعلم أن الله سبحانه سيسأله عن الأمة هل أحسن أم ضيع..رأته زوجته بعد أن تولى الخلافة يبكي بكاء شديدا فقالت له: ما يبكيك يا أمير المؤمنين قال: فكرت في أمة محمد صلى الله عليه وسلم فكرت في الجائع والعار والمحتاج وعلمت أن الله سيسألني عما استرعاني يوم القيامة فرحمت  نفسي فبكيت..

كما أذكر هنا موقفا عجيبا لأبي بكر الصديق رضي الله عنه وقد كان يقيم بالسنح وهي منطقة على مقربة من المدينة، وكان رضي الله عنه قد تعود أن يحلب للضعفاء أغنامهم كرمًا منه وتواضعا، وذلك أيام الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما تولى الخلافة سمع جارية تقول بعد مبايعته بالخلافة: اليوم لا تحلب لنا منائح دارنا. فقال الصديق: بلى، لعمري لأحلبنها لكم.

فكان يحلبها، وربما سأل صاحبتها:يا جارية أتجدين أن أرغي لك أو أصرح؟

أي يجعل اللبن برغوة، أم بدون رغوة، فربما قالت: أرغ. وربما قالت: صرّح. فأي ذلك قالته فعل.

ولأبي بكر رضي الله عنه موقف آخر أغرب وأعجب في هذا المجال، فقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتعهد عجوزًا كبيرة عمياء في بعض نواحي المدينة من الليل، فيسقي لها، ويقوم بأمرها، فكان إذا جاءها وجد غيره قد سبقه إليها، فأصلح لها ما أرادت، فجاءها غير مرة كيلا يسبق إليها، فيجد من قضى للمرأة حاجتها.. فرصد عمر بيت المرأة ليرى من يسبقه إلى هذا الخير، فإذا هو بأبي بكر الذي يأتيها، وهو يومئذ خليفة فقال عمر:أنت هو لعمري.

لقد كان من الممكن أن يكلف أبو بكر رجلا للقيام بذلك، ولكنه الصديق، يشعر بالمسئولية تجاه كل فرد من أفراد الأمة، كما أنه رضي الله عنه قد آثر أن يخدمها بنفسه، يربي نفسه على التواضع لله عز وجل، ويربي نفسه على ألا يتكبر حتى على العجوز الكبيرة العمياء.

نعم إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع.. فهل كل من يتقدم للترشح للرئاسة يفكر في هذا أم أنها شهوة المنصب وستعقبها ألف حسرة..

قال لي صديق: كثير ممن يرشحون أنفسهم لهذا المنصب كل ما يشغلهم أن يكتب كل واحد منهم فيما بعد في سيرته الذاتية: مرشح سابق لرئاسة الجمهورية.. أو يطبع كروتا جديدة يكتب عليها فلان الفلاني المرشح لرئاسة الجمهورية.. فقلت: أهذه هي غاية المنى بالنسبة إليه.. يا حسرة على المرشحين!!

ماذا سيفعل المواطن المسكين أمام هذا الكم الهائل من المرشحين.. ومن أين ستأتي لجان الانتخاب برموز انتخابية تكفي هؤلاء.. إن هذا العدد الهائل من المرشحين سيجعل الرموز لا تفي بالغرض وربما لجأنا إلي استخدام رموز كريهة ولكن ما باليد حيلة: فقد تلجأ اللجنة إلى استخدام رموز مثل: الكلب والحمار والثعلب والغراب والعقرب والثعبان…الخ.. وسيدخل كل مواطن إلى لجنة الانتخابات ومعه دفتر كبير يظل وقتا طويلا يقلب في صفحاته حتى يحصل على مرشحه ورمزه.. وربما فشل في الحصول عليه فيختار أقرب من يقع قلمه على اسمه أو رمزه..

هل مصر تستحق منا كل هذا؟.. هل المشكلة في بلادنا هي من يحكم أم كيف يحكم؟ وهل من سينجح يستطيع أن ينال ثقة الناس ومحبتهم؟.. وهل الرئاسة وجاهة أم مسئولية؟..

بعض من تقدموا للترشيح لمنصب رئاسة الجمهورية عجزوا عن أن ينالوا ثقة مواطنيهم في دوائرهم في انتخابات مجلس الشعب فكيف تسول لهم أنفسهم أن يعرضوا أنفسهم على اختبار صعب كهذا وهم يعرفون أنهم لن يحصلوا على أصوات تؤهلهم للنجاح.. هل ما يبحثون عنه هو شرف المحاولة كما يقول بعضهم أو إثراء العملية الديمقراطية كما يقول آخرون منهم.. لك الله يا مصر كثر اليوم خطابك لينالوا شرف رئاستك فمن يستحقك منهم؟ ومن ستختارين؟ وهل هذا القادم سيلقى به فيما بعد في مزبلة التاريخ أم سجل العظماء الخالدين.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023