شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

رغم المعاناة.. بطولات نسائية لبناء دولة ميانمار

رغم المعاناة.. بطولات نسائية لبناء دولة ميانمار
تعمل نساء يعتمرن قبعات من الخيزران ببناء أساسات الطرق في قرية كالاو الجبلية بميانمار، يستيقظن فجرا، ويتاولن فطورهن

تعمل نساء يعتمرن قبعات من الخيزران ببناء أساسات الطرق في قرية كالاو الجبلية بميانمار، يستيقظن فجرا، ويتاولن فطورهن وهو عبارة عن حساء سمك الموهينجا، ثم يلتحقن بالنساء الأخريات للعمل تحت الشمس الحارقة.

وهناك أيضا على جانب الطريق وسط التربة الحمراء والحصى، يجلس رضيع عمره خمسة أشهر وهو ابن تشو مي كو، وهي عاملة تبلغ من العمر ٢١ عاما، وينام الطفل تحت مأوى مؤقت حيث تستطيع أمه أن تبقي عينيها عليه بينما تعمل. 

مشهد النساء يبنين الطرق هو مشهد معتاد في ميانمار، بدءا من المناطق الريفية في ولاية راكين حتى باجان السياحية، فالأسفلت الساخن وأكوام الحطام غالبا ما يتم التعامل معها من قبل النساء اللاتي يضعن طبقة إضافية من مستخرج نبات التناكا الأصفر التقليدي ليحميهن من أشعة الشمس. 

وجعلت العادات والتقاليد وعقود من الحكم العسكري أصوات النساء خافتة، إلا أن التناقضات تظهر عندما يتعلق الأمر بالمساواة بين الجنسين في ميانمار، وقطاع الإنشاءات هو خير مثال على هذا، فقد صاحبت التحول السياسي إلى الديمقراطية نهضة عمرانية، مع شبكة طرق جديدة امتدت إلى الريف ومبان كثيرة ظهرت في المدن الكبرى، وتمثل النساء نسبة كبيرة من القوة العاملة، وهو موقف يدعمهن إلا أنه يعرضهن لمخاطر بيئية جمة. 

وحتى يانجون، وهي المدينة الأكبر في البلاد حيث يسكنها حوالي 51.5 مليون نسمة، يوجد موقع بناء به مظاهر غير متوقعة للحياة، فأنت تجد هناك بعض الأواني وتليفزيونا وسط أجولة وأكوام الخرسانة، في الطابق الثالث لمبنى سكني قيد الإنشاء، في حي سانشونج، تقول تشاو سو كاينج ذات الاثنين والأربعين عاما، “أنا أعمل في النجارة هنا”.

أما ما آيي ثان فهي وحيدة لسبب آخر، تقول ثان ذات الثلاثة والأربعين عاما، “أنا مطلقة”، بينما تخفض صوتها وتسير مبتعدة بشكل مفاجئ، وهي تحمل مواد لبناء الرصيف على رأسها. 

في ميانمار المحافظة، يعتبر الطلاق وصمة عار للمرأة، أما عندما يتعلق الأمر بتربية أبنائها، فإن هذا يحملها أعباء إضافية، وبخاصة في المدن الكبيرة، تجد صفوف العاملين ببناء الطرق تعج بالنساء غير المتزوجات والمطلقات اللواتي يسكن الأحياء الفقيرة، تعيش تشاو سو في مجموعة من الخيم البلاستيكية بجانب طريق مزدحم ليس بعيدا عن فندق خمس نجوم  في شمال يانجون، المدينة ذات الخمسة ملايين نسمة، لا توجد دورات مياه، ولا مياه جارية، ولا مراتب، هناك فئران وصراصير بدلا منها، وتقول متحدثة عن عملها: “أنا أحمل الخرسانة”.

وما يجعل النساء أكثر ملاءمة لهذه المهنة هو سبب بسيط ومباشر: وهو أن النساء عمالة رخيصة، تقول مار مار أوو “يتم استغلال النساء”، “فإذا كان الرجال يحصلون على ٢٥٠٠ كيات (1.35 جنيه إسترليني) يوميا، فإن النساء يحصلن على ٢٠٠٠ فقط”، أما في موقع البناء الذي تعيش فيه تشاو سو كاينج مع زوجها فهي تتقاضى ٤٥٠٠ كيات يوميا، أما زوجها فيحصل على ٥٠٠٠ لأنه يعتبر عاملا ذا خبرة. 

وتضيف “ليس هناك وظائف متاحة الآن ومن الصعب زراعة الأرض”، لكنها محظوظة حيث إن زوجها يعمل معها في نفس الموقع. 

ووفقا لتعداد ٢٠١٤، فإن ربع الأسر في ميانمار ليس بها رجال، فكثير منهم سافروا للعمل في بلدان أكثر ثراء مثل ماليزيا أو تايلاند، بينما البعض الآخر قد يكون جزءا من الجماعات المسلحة المتورطة في صراعات عرقية، وبخاصة في المناطق الريفية الحدودية، وتعمل النساء لتعيل أسرهن في غياب أزواجهن بالعمل تارة في حقول الأرز وتارة أخرى في العمل الإنشائي. 

كما أن البعض يرى أن النساء تسهل السيطرة عليهن، وحتى عندما تكون كل القوة العاملة من النساء فإن من يرأسهن دائما رجل، وفي نوفمبر من عام ٢٠١٥، أجرت ميانمار أول انتخابات لها منذ خمسة وعشرين عاما، بعد عقود من الحكم العسكري، ومؤخرا حكومة إصلاحية يدعمها الجيش، ونتيجة لهذا تم تعيين امرأة تدعى أونغ سان سو كي لإدارة البلاد، مدعومة بقوة بالتصويت الشعبي.

ولكن سيكون على ابنة بطل الاستقلال أونج سان -الذي استمدت شهرتها منه في المقام الأول- أن تتنازل، فالجيش سوف يستعيد السيطرة من خلال ثلاثة وزراء في وزارات هامة وربع مقاعد البرلمان، ومن المأمول أن يكون بمقدورها تحسين أوضاع المرأة في البلاد، بالرغم من أن توقعات النشطاء في ما يخص هذا الأمر يمكن القول بأنها فاترة في أحسن الأحوال. 

وفي مؤتمر صحفي عقدته قبل الانتخابات، اعترفت سو كي أن نسبة الـ١٥٪ المرشحات من النساء في حزبها يعكس صعوبة العثور على نساء مؤهلات ومستعدات للقيام بهذا الأمر، فالثقافة الاجتماعية في ميانمار تعتبر المرأة تابعة للرجل.

وفي ظل العديد من القضايا الأساسية -مثل نقص الغذاء وأزمات الصحة- لا يبدو أن الحديث عن المساواة بين الجنسين سوف يشكل أولوية بالنسبة للحكومة القادمة، بغض النظر عن جنس قائدها.

وبالرغم من ذلك تقول ماي سابي فيو – مديرة شبكة المساواة بين الجنسين: “عندما نتحدث عن الغذاء والمسكن والاقتصاد فإننا لا نتحدث عن قضايا مختلفة، ووجود القليل من النساء في مستويات صنع القرار هو المشكلة الأساسية، فهذا يعني أنه لن يكون هناك نية لسن قوانين تحمي العمال وتوفر الخدمات التي تحتاجها المرأة، ولا أرى أن سو كي ترغب في تغيير هذا الفهم، فهي لا تعتقد أنه يجب اتخاذ إجراءات خاصة، ولكنها تتجاهل العقبات التي تواجهها لنساء على جميع المستويات، خاصة النساء اللواتي تأتين من مناطق فقيرة”.

وتتحكم الحواجز الثقافية في حياة النساء في ميانمار مثل الصحة وتحديد النسل والطلاق، فقصص النساء اللواتي لم تقبل بهن عائلاتهن بعد طلاقهن ليست أمرا غريبا، وهذا يجعل من السهل إيجادهن في مواقع بناء الطرق. 

لكن ميانمار بلد معقد، ودور المراة يكون متناقضا أحيانا، فوفقا لنيلاجانا سينجوبتا – مؤلفة كتاب “صوت النساء في ميانمار” – فإن المساواة موجودة تاريخيا في بعض الجوانب الحياتية في ميانمار، مثل القانون المتعلق بحقوق الميراث وحتى الزواج والطلاق، على سبيل المثال ولكن “أي شئ متساهل أو آت من الغرب يعتبر أمر مقلق”، تقول الكاتبة، ونتيجة لهذا: “فالمرأة البورمية لا تضع الرقع لكن – بشكل مجازي – فإن هذا ما تفعلنه”.

وغالبا ما يفاقم المشكلات هو قلة الوعي، تضيف الكاتبة أن عدم المساواة أمر متجذر في مجتمع لدرجة أن النساء لا يعلمن حتى أنه يتم التمييز ضدهن، وهذا أمر صحيح بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بالنضال من أجل حقوق العمل وسط تحول ديموقراطي غير مكتمل، وحتى في قطاع الإنشاءات بسبب طبيعة المهنة تكون العقود قصيرة الأمد أو بصورة يومية، ولا يتثنى التحكم فيها حيث إنه ليس من الصهل دخول هذه المواقع كمصانع الملابس على سبيل المثال. 

قبل بدء الإصلاحات في عام ٢٠١١، كانت ميانمار دولة منبوذة تخضع للعقوبات الدولية، لم تكن الاتحادات مسموح بها وبالتالي فإن حقوق العمال لا تزال أمرا جديدا نسبيا  وغير مألوف، وحتى قبل أن تبدأ الاتحادات في ترتيب نفسها بشكل جيد، حاولت النساء في مواقع البناء تنظيم احتجاجات لكنها لم تكن ناجحة.

وفي عام ٢٠٠٣، عارضت مجموعة من النساء العاملات في موقع بناء في حي انسين في يانجون أمرا بحمل قضبان الحديد ثقيلة الوزن، ونتيجة لهذا، قام صاحب العمل بفصل ثلاث نساء حوامل.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023