شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

طفولة العدالة

طفولة العدالة
أحمد منصور قرني شرارة طفل يبلغ من العمر أربع سنوات، تم الحكم عليه مؤخرا من قبل محكمة عسكرية بالمؤبد نظرا لاشتراكه منذ عامين -عندما كان عمره سنة ونصف- بمسيرة في الفيوم

أحمد منصور قرني شرارة طفل يبلغ من العمر أربع سنوات، تم الحكم عليه مؤخرا من قبل محكمة عسكرية بالمؤبد نظرا لاشتراكه منذ عامين -عندما كان عمره سنة ونصف- بمسيرة في الفيوم. ما سبق ليس نكتة أو أضحوكة بل واقع تعيشه مصر الآن، فبدلا من أن ينشأ الأبناء في عدالة الطفوالة، اصطدموا بطفولة العدالة، وأصبحت الطفولة تعاني من الظلم والتنكيل مثل بقية الفئات الأخرى من الشباب والشيوخ والنساء والبنات.

بدأت القصة كما ذكرها المتحدث العسكري في بيان رسمي -تعقيبا على حكم قضائي- في 3 يناير 2014 تجمع عدد كبير من جماعة الإخوان للتظاهر أمام عدد من المساجد بمدينة الفيوم، وفي اليوم التالي للواقعة تم تحرير محضر تحريات بمعرفة الأمن الوطني ورد به اشتراك المدعو أحمد منصور قرني شرارة 16 سنة طالب ومقيم بقحافة شارع عرابي بندر الفيوم، وأصدرت نيابة الفيوم العامة قرارا بضبط وإحضار المذكور، وتبين هروبه لمكان غير معلوم.

وانتقلت أوراق القضية لنيابة غرب القاهرة العسكرية من النيابة العامة للاختصاص، وأحيل المذكور لمحكمة الجنايات العسكرية، وأسند له الاتهامات الواردة بقرار الاتهام وحكم عليه بالمؤبد غيابيا، فالحكم الصادر بالمؤبد لا يخص الطفل البالغ من العمر 4 سنوات، وإنما يخص شابا يبلغ من العمر 16 عاما وبنفس الاسم.

تناسى المتحدث العسكري بأن قانون الطفل نص في مادته الثانية على “يقصد بالطفل في مجال الرعاية المنصوص عليها في هذا القانون كل من لم يتجاوز سـنه الثامنـة عشـرة سنة ميلادية كاملة” فاستنادا إلى هذا النص نحن أمام محاكمة طفل وليس شابا، كما أن المتحدث العسكري ذكر عنوان المتهم وهذا العنوان لا يوجد به سوى طفل يبلغ من العمر 4 سنوات، مما يؤكد أن الحكم صادر على الطفل الصغير، كما أن الداخلية أدلت بدلوها، فقد ذكر مساعد وزير الداخلية لشؤون الإعلام بأن المتهم الحقيقي هو عم الطفل وليس الطفل، ولكن المدهش بأن عم الطفل لا يبلغ من العمر 16 عاما لكنه تجاوز 53 عاما، فضلا عن عدم تشابه اسمه مع اسم الطفل.

ما حدث فيه مخالفة صريحة للدستور والقانون، فقد نص الدستور في المادة 80 على “تلتزم الدولة بإنشاء نظام قضائي خاص بالأطفال المجني عليهم، والشهود. ولا يجوز مساءلة الطفل جنائيا أو احتجازه إلا وفقا للقانون وللمدة المحددة فيه. وتوفر له المساعدة القانونية، ويكون احتجازه في أماكن مناسبة ومنفصلة عن أماكن احتجاز البالغين. وتعمل الدولة على تحقيق المصلحة الفضلى للطفل في كل الإجراءات التي تتخذ حياله”، كما نص قانون الطفل في المادة 94 على “إذا كان الطفل قد جاوزت سنه السابعة ولم تجاوز الثانية عشرة سنة ميلادية كاملة وصدرت منه واقعة تشكل جناية أو جنحة، تتولى محكمة الطفل، دون غيرها، الاختصاص بالنظر في أمره، ويكون لهـا أن تحكم بأحد التدابير المنصوص عليها “فما تم مع الطفل البالغ أربع سنوات أوالبالغ ستة عشر عاما هو أمر مخالف للدستور وللقانون”.

نحن إذن أمام خطأ كارثي قام به الأمن الوطني في تحرياته، ولم تنتبه له النيابة العامة في تحقيقاتها، ولم تتأكد من صحته النيابة العسكرية في إعادة التحقيقات ولا القضاء العسكري في محاكمته، بل المدهش هو أن محامي الطفل ذكر في تصريحات له “قدمت للمحكمة شهادة ميلاد الطفل، ويبدو أن القاضي لم يلتفت لتلك الشهادة، ولم يقرأ أوراق القضية”.

ويبدو أن الكوارث لا تنتهي فقد سبقت تلك القضية قضايا عدة كان من ضمن المتهمين فيها أطفال وصدرت بحقهم عقوبات تصل إلى الإعدام كما حدث في قضية المنيا عام 2014 عندما صدر حكم بالإعدام على أطفال لم يتجاوز عمرهم 15 عاما، وكأن النظام الحالي يسعى بكل ما يملك لدخول موسوعة جينيس للأرقام القياسية من حيث عدد المخالفات الدستورية والقانونية التي يرتكبها.

هناك مجالس قومية في مصر تُدعى بالمجلس القومي للأمومة والطفولة والمجلس القومي لحقوق الإنسان، لا نسمع لهم صوتا ولا نرى لهم رد فعل إزاء ما يحدث بأطفال مصر، ويبدو أن أعضاء هذه المجالس يخشون على مناصبهم ويخافون على أنفسهم من غضب من عيَنهم، وبالتالي فهم يفضلون الركون للمناصب بدلا من الانتصار للمبادئ، ولا يختلف الأمر كثيرا أيضا بالنسبة لمجلس النواب فلم يكن هناك أي رد فعل تجاه تلك المخالفات الدستورية والقانونية والانتهاكات بحق الآلاف من المصريين وكأن هذا المجلس لا علاقة له بالشعب.

إن استمرار الوضع على ذلك من تبرير للأخطاء وعدم السعي لتصحيحها، بل عدم الاعتراف بها أصلا، سيقود تلك البلد إلى حافة الهاوية، فالعدالة ينبغي لها أن تصدر أحكامها بناء على القرائن والأدلة وليس على تحريات لا تمت للحقيقة بصلة، وإلا ستكون تلك العدالة تعيش مرحلة الطفولة.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023