يقول الدكتور عمرو حمزاوي، أستاذ العلوم السياسة، إن من صفات المستبدين وحكام النظم السلطوية أنهم يصنعون من أنفسهم الأبطال المخلصين والمنقذين، الواجب على “جموع الشعب” طاعتهم والامتثال لإرادتهم، ويصنعون من مؤسسات وأجهزة قمعهم الأدوات الوحيدة لحماية الأمن القومى، ومن الجرائم ضد الإنسانية والمظالم والانتهاكات عنوانًا للحرب على الإرهاب.
وأضاف “حمزاوي”، في مقال بصحيفة “الشروق”، “يصنعون من رافضي الصمت على غياب العدل وتراكم المظالم والانتهاكات صنوفًا من المتآمرين والخونة والعملاء والخارجين على القانون، يبرر أن ينزل بهم “العقاب الجماعي” لكي تطهر البلاد من شرورهم المزعومة، يصنعون من المواطن شيئًا خاويًا، يعطل ضميره ويلغي عقله لكي يسحق في “جموع الشعب” المختزلة إلى قطيع واجبه الوحيد طاعة المنقذ وتأييده، بل الشعور الإجباري نحوه بالحب والامتنان والعرفان، هنا أيضًا مسار إجباري إلى خارج التاريخ، وجوهر إضافي للرواية الأحادية المتهافتة”.
وأكد “حمزاوي” أن ما تمارسه النظم الاستبدادية والسلطوية في بلادنا، وفي البلاد التي تتشابه مآسيها مع مآسينا، من توظيف عنيف لإستراتيجيات تزييف الوعي الجمعي هذه ومن تورط في مسارات إجبارية إلى خارج التاريخ يعجز في التحليل الأخير عن فرض روايتها الأحادية كحقيقة مطلقة لا تقبل المنازعة، من جهة؛ لأن التكنولوجيات الحديثة، وكما تمكن مؤسسات وأجهزة الأخ الكبير من المراقبة الدائمة للمواطن والتنصت المستمر عليه، تمكن أيضًا من تداول الحقائق والمعلومات وتسمح للمواطن إن رغب بتحدي القيود الكثيرة التي يفرضها المستبدون وحكام النظم السلطوية في هذا الصدد”.
وتابع: “من جهة ثانية، لأن الفضاء العام لم يعد يقبل الاختزال إلى وسائل الإعلام التقليدية ومساحات النقاش العلنية المسيطر عليها حكوميًا، وأصبح يتسع لوسائط الاتصال الاجتماعي ولساحات للنقاش إما تغيب عنها ثنائيات القوة/ السلطة التقليدية أو تحضر بها حقائق القوة والسلطة بتنوع في وجهاتها ومضامينها يبقى على درجة متميزة من حرية الفكر، وحرية التعبير عن الرأي، ومن ممارسة التعددية”.
وأشار إلى أن الكثير من المجموعات المدافعة عن الحقوق والحريات والديمقراطية، وعلى الرغم من حصار الإلغاء والتخوين والتشويه الذي تواجهه، تستثمر بوعي بعضًا من طاقاتها المعرفية وإمكانياتها البشرية وقدراتها التنظيمية في تدوين تفاصيل حكم المستبدين، وهي بذلك تسعي لنزع طبقات الزيف المتراكمة بعيدًا عن المظالم والانتهاكات التي تتورط بها مؤسسات وأجهزة الأخ الكبير، وتمكن من ثم قطاعات تتسع باطراد من الناس من رؤيتها على حقيقتها وإدراك كونها ممارسات قمعية يستحيل الدفاع عنها أو تبريرها أو تجاهل الهاوية التي تسقط بها المواطن والمجتمع والدولة”.
واختتم مقاله: “تتشكل تدريجيًا روايات بديلة تسمى جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم القمع والمظالم والانتهاكات بمسمياتها، دون تحايل أو مساومة، تتساوى في هذا براميل ديكتاتور سوريا المتفجرة والقتل الجماعي منخفض التكلفة الذي تنفذه عصاباته مع جرائم عصابات “تنظيم الدولة” واعتياشها على الدماء والوحشية، وتتشابه هنا جرائم القتل خارج القانون وجرائم التعذيب في مصر مع جرائم اليد القمعية لمؤسسات وأجهزة الأخ الكبير في العديد من دول الخليج”.