يطل علينا كل يوم مقترح جديد، مبادرة كانت أو نعيق يناشدنا أن نرحم من في السجون وأن نفاوض ظالم مستبد، وأن نوقف ثورتنا، ويوصف رفضنا بالسذاجة، سذاجة لأننا نرفض الإستسلام، سذاجة لأننا نرفع شعار الثورة، ثورة من دونها نحيا أو نموت.
ونعجب لحال هؤلاء الذين يصفوننا بالسذاجة وإنعدام الخبرة السياسية، وعدم قدرتنا على تفهم أصولها، وكأننا نمتهن السياسة ونحترفها، وما نحن بذلك، ما نحن إلا ثائرون، والثائر لا يقامر ولا يغامر، الثائر يقف خلف شعار ثورته ويذود عنها، ولا يحترفها بل يعيشها بكل وجدانه، ونحن كذلك.
الأمر عجب! ولذا دعونا نبدأ من البداية، من الأبجديات، حتى لا يتوهوننا ولا ييئسوننا في خضم المبادرات التي لن تنتهي فهي حرفة، ونحن لا نحترفها.
المباردة أي إن كانت هي مشروع للتفاوض أو لتحريك المياه الراكدة، ولا يطلق المبادرات أصحاب المبادئ، أحيانا يطلقها صاحب السطوة وغالبا يطلقها طرف ثالث، حيث تطرح أولا على صاحب السطوة على الأرض (الانقلاب) ثم يعرض على الطرف الآخر (رافضو الانقلاب).
ويكون قبول المبادرة إشارة بدء للمفاوضات وصولا لحل قد يحقق للرافضين الحد الأدنى ويقلل من خسائر الانقلاب، ولم نرى حتى الآن أي من ذلك، لم نر إلا تهليل بأفكار تعيدنا سنوات للوراء ولا تحقق أي حد من الحدود العادلة ولا توقع أي خسائر بصاحب السطوة العسكرية، لذا فكل ما يطرح هومشروعات تنازل واستسلام بلا مقابل.
وعندما تفشل المبادرت تحل بنا نداءات الاستجداء، لنرحم الشعب المسكين ونستسلم، وكأننا نحن من ظلم الشعب، وكأن بأستسلامنا سينعم الشعب بالرخاء، وستجري مياه النيل تروي الأرض، وسترد الاموال المنهوبة، وتتحقق العدالة بكل جوانبها، وسيخرج كل من في السجون، وسترد للمغتصبات كرامتهن، وسينعم الشهداء ويحاسب كل من اخطأ.
يحاولون إقناعنا بهذا الوهم، وهو حقا “وهم” لأن:
– المغتصب مازال يصر على أنه هو الحق وهو العدل وهو المانح، وأنه لن يرحم إلا من شاء، فما الذي ستأخذه منه أيها العالم بأمور السياسة والمواءمات المتزنة!
– ولأن هؤلاء محترفي السياسة كما يدعون، يدعون أن الثورة قد ماتت وأننا والثوار لا قيمة لنا على الأرض أو كصوت للثورة في الخارج. يا أصحاب المبادرات: لو الحال كذلك فلما تطالبونا بالتوقف عن ثورتنا، ولما تناشدونا الرحمة بالضعفاء، فنحن وفق تقديركم لا حول لنا ولا قوة، فدعونا نعبث وتوافقوا أنتم وحققوا العدل المنشود.
إن كل ما يحدث هو نعيق، يسعى لإسكات الثورة وإشاعة اليأس، فيقبل الشعب فتات الموائد راضيا مهللا، وعندما تتحقق أحد السيناريوهات التي يرضى عنها ولي نعمة الانقلاب، يظنون ذلك انتصارا.
فولي نعمة الانقلاب يعلم أنه في مأزق، ويسعى أن يجد المخرج الذي يناسبه ولا يحقق للثورة والشعب أي شيئ، ونعتقد أن أحد السيناريوهات التالية سيسعى لتمريرها كمخرج من أزمة الانقلاب:
– إنقلاب ناعم من داخل الانقلاب يريح المنتفعين من السيسي الذي أصبح يمثل عبئا ثقيل.
– اصطناع ثورة كـ 30 يونيو، وانتخابات صورية مبكرة، تأتي بأيدي تبدو نظيفة تردنا لـ 1980، ونبدأ عصر مبارك من جديد، وكلهم أمل أنه سيسمح لهم بثورة بعد 30 عام و”موت يا حمار”.
– توافق بين العسكر وممولي الانقلاب والغرب على واجهة ذات لون يبدو إسلامي ويضمن للغرب ومنتفعي الانقلاب في الداخل والخارج بقاء زمام الأمور في أيدي العسكر والدولة العميقة.
– تغلغل النتظيمات المتطرفة، والتي تستقطب الشباب اليائس من الثورة السلمية، فتكون الحرب الأهلية.
هذه السيناريوهات المحتملة لا يمكن أن تمر إلا بإطفاء شعلة الثورة والتيئيس من جدواها، وهذا هو المبرر الوحيد للحرب على القوى الثورية، رغم إدعائهم أن لا قيمة لها، يحاربونها ليل نهار، وعلى رأسها الثوار الصامدين على الأرض وفي الخارج المجلس الثوري المصري.
إن كل ما يطرح هومشروعات تنازل واستسلام بلا مقابل، وإراقة ثانية لدماء الشهداء، وذبح للمعتقلين، واجلال لهاتك العرض، ورجم الضحية بحجة رحمة الشعب المسكين.
أيها السادة، نحن لا نعارض بل نثور، ونحن لا نساوم ولا نتنازل، نحن ثورة والثورة عمل مشروع، وطريق طويل يخلد ذكر ضحاياها، ويلعن كل من تخاذل وخذلها، ولكم الخيار.