أمر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، جيشه، أمس الإثنين، ببدء سحب الجزء الرئيسي من القوة الروسية في سوريا، في قرار فاجأ الأوساط السياسية في العالم العربي والعالمي.
قرار الانسحاب كان محور اتصال هاتفي بين “بوتين” ونظيره الأميركي، باراك أوباما، وحظي باهتمام مختلف العواصم الأوروبية والعربية؛ لكونه يمثل خطوة مهمة نحو جهود الحل.
وتمهلت المعارضة السورية قبل التعامل مع القرار وكأنه واقع، مؤكدة أنها تنتظر الانسحاب الفعلي على الأرض، مرحبة بالخطوة.
وتوالت التكهنات والاعتقادات حول الأسباب الحقيقية وراء هذا الانسحاب المفاجئ، من قبل المراقبين والمحللين السياسيين.
6 أسباب لانسحاب بوتين من سوريا
1- أوقف بوتين حملته لأن الوجود الروسي في سوريا يزيد حدة التوترات في المنطقة، فيمكن القول إن موسكو نجحت أخيرًا في تمتين تحالفها مع إيران، بعدما جمعتهما الحرب إلى جانب “بشار الأسد” في سوريا.
2- أصبح التدخل العسكري مكلفًا للاقتصاد الروسي الذي لا يزال يعاني أزمة كبيرة منذ العام 2009، في وقت وصل فيه سعر برميل النفط إلى أدنى مستويات له، ما أفقد الخزينة الروسية مداخيل مهمة.
3- اعتبر الرئيس الروسي أن تدخله أدى الغرض العسكري منه، فمنع سقوط نظام بشار الأسد عسكريًا على الأقل، وساعد هذا النظام على استعادة زمام المبادرة ووقف تقدم معارضيه المسلحين، ما سمح للوفد الحكومي بالتوجه إلى جنيف ويجلس إلى طاولة التفاوض من موقع قوي.
4- تزامن الإعلان عن بدء الانسحاب مع بدء مفاوضات جنيف، وروسيا التي عملت بجهد لعقد هذه المفاوضات تعرف أن استمرار العمليات قد يعطل مسار مؤتمر جنيف.
5- حدد بوتين، منذ بداية التدخل، مدة العمليات بأربعة أشهر.
6- حقق بوتين من تدخله بسوريا، أحد أهم أهدافه، وهو كبح جماح المملكة العربية السعودية التي اضطرت لسحب ما قيمته 73 مليار دولار من أصولها الخارجية لدعم اقتصادها، الذي يئن تحت ثقل تمويل حملتها العسكرية في اليمن والمساعدات للمعارضة السورية.
ويقول الدكتور لؤي الصافي، القيادي في الائتلاف السوري المعارض، إنه رغم عدم إعلان بوتين عن الأسباب الحقيقية وراء الانسحاب، إلا أنه من الممكن التكهن بأن روسيا وجدت أن التدخل العسكري لن يؤتي ثماره المرجوة في سوريا، وقررت تفضيل الحل السياسي.
وأضاف “الصافي” -في تصريحات خاصة لـ”رصد”- “ربما يكون بوتين قرر أن يضع حدًا لعملية عسكرية، وجد أنها لن تؤدي لجديد، في ظل وجود نظام بشار الأسد، الذي خذل بوتين، ولم يجد منه ما كان يتوقعه من مساندة، ومرونة في الحوار”، مشيرًا إلى احتمال وقوع خلاف بين روسيا وإيران حول التوصل لحل سياسي ورحيل الأسد وهو ما ترفضه إيران.
وتابع: “وربما أيضًا يكون الانسحاب قد أتى، نتيجة لاتفاق تم التوصل إليه بمفاوضات جنيف، ولم يعلن عنه حتى الآن”.
واختتم “الصافي”: “كل الأسباب المطروحة تظل مجرد تكهنات، في ظل عدم إعلان بوتين عن الأسباب الحقيقية لهذا الانسحاب المفاجئ”.
ردود أفعال
توالت ردود الأفعال العربية والدولية، حول قرار الانسحاب الروسي المفاجئ من سوريا؛ فاعتبر وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، اليوم الثلاثاء، أنه ينبغي النظر إلى خطوة روسيا ببدء الانسحاب من سوريا كإشارة إيجابية لوقف إطلاق النار.
وأكد “ظريف” على موقف إيران حول ضرورة وقف إطلاق النار والتوصل إلى حل سياسي في سوريا، وقال إن “حقيقة صمود شبه هدنة في سوريا موضع ترحيب، هذا شيء كنا نطالب به منذ ما لا يقل عن عامين ونصف العام أو ثلاثة أعوام”.
وأضاف وزير الخارجية الإيراني، أن “حقيقة أن روسيا أعلنت بدء سحب جزء من قواتها يشير إلى أنهم لا يرون حاجة وشيكة للجوء إلى القوة في الحفاظ على وقف إطلاق النار”، وهذا في حد ذاته يجب أن يكون إشارة إيجابية، الآن علينا أن ننتظر ونرى”.
وأعلن سالم المسلط، المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات الممثلة للمعارضة السورية، أن المعارضة تريد التحقق من تنفيذ القرار الروسي “على الأرض” بعد إعلان موسكو نيتها سحب الجزء الأكبر من قواتها من سوريا.
وقال “المسلط”، للصحفيين في جنيف: “لا بد من أن نتحقق من طبيعة هذا القرار وما المقصود به”، مضيفًا “إذا كان هناك قرار بسحب القوات الروسية فهذا قرار إيجابي ولا بد أن نرى ذلك على الأرض”.
ووصف مجلس الأمن، القرار الروسي بالإيجابي، واعتبر أنه يعكس نجاحًا للتعاون بين موسكو وواشنطن في الملف السوري.
وأعلن البيت الأبيض، أن الرئيس الأميركي، باراك أوباما، ناقش مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، هاتفيًا، إعلان موسكو انسحاب جزئي لقواتها من سوريا، وأنه رحب بما اعتبره خفضًا لمستوى العنف هناك، فيما أكد خبراء أن روسيا بهذا القرار تمكنت من الإفلات من الفخ السوري الذي ربما كانت عواقبه على البلاد نظريًا أسوأ من حرب افغانستان.