كشفت صحيفة هآرتس العبرية عن مفاوضات سرية جرت بين حكومة الاحتلال والسلطة قبل أكثر من شهر، لاستعادة سيطرة السلطة الأمنية على مدن في الضفة الغربية.
وحسب مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى ومطلعين على الاتصالات فقد اقترحت “إسرائيل” أن يتوقف الجيش الإسرائيلي عن الأعمال في مناطق “أ” باستثناء حالات وجود “قنبلة موقوتة”، كما اقترحت في المحادثات أن تكون رام الله وأريحا أولى المدن التي يخرج منها الجيش الإسرائيلي، وإذا نجحت هذه الخطوة فتوسع إلى مدن أخرى في الضفة، بحسب ما جاء في الصحيفة.
وقالت الصحيفة إنه بحسب شخصيات رفيعة المستوى في إسرائيل، فإن المفاوضات علقت بسبب الشروط وضعتها القيادتان السياسيتان في الطرفين، لكنهم أضافوا أن الفرصة لم تفوت بعد.
وتشكل مناطق ” أ ” التي تشمل المدن الفلسطينية الكبرى والقرى المحيطة بها خُمس أراضي الضفة الغربية.
وحسب اتفاقات أوسلو فإن المسؤولية المدنية والأمنية على هذه المناطق في يد السلطة الفلسطينية، ولكن منذ عملية “السور الواقي” في 2002 توقفت “إسرائيل” عن احترام الجزء الخاص بمناطق أ في الاتفاق؛ حيث يعمل جيش الاحتلال في هذه المناطق بشكل يومي وبدون قيود.
وتهدف هذه الخطوة من وجهة النظر الإسرائيلية منع إلحاق الضرر بالتنسيق الأمني بين جيش الاحتلال وبين أجهزة أمن السلطة وإيجاد استقرار في الميدان وتقليص الاحتكاك بين الجيش الإسرائيلي والسكان الفلسطينيين، كما قال تقرير الصحيفة.
وكشف التقرير أن المحادثات شارك فيها من الطرف الفلسطيني وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ، ورئيس المخابرات العامة ماجد فرج، ورئيس الأمن الوقائي زياد هب الريح، كما شارك فيها المنسق الأمني الأميركي الجنرال “فريد رودشهايم” لكنه لم يكن وسيطا بين الطرفين اللذين أجريا المحادثات المباشرة، ومع ذلك قام الطرفان في وضعه في صورة الوضع حيث كان يقدم الأفكار والاقتراحات الخاصة به.
وأشار مسؤولون في السلطة إلى أن الفلسطينيين أكدوا لنظرائهم الإسرائيليين أنه إذا رفضت “إسرائيل” إعادة المناطق “أ” و”ب” إلى الوضع الذي كان سائدا قبل الانتفاضة الثانية ووقف أعمال الجيش الاسرائيلي في المناطق أ فإن السلطة ستقوم بتجميد التنسيق الأمني بين الطرفين.
وتشكل مناطق “ب” خُمس أراضي الضفة أيضا، لكن المسؤولية المدنية فيها بيد السلطة أما “إسرائيل” فهي المسؤولة أمنيا عنها. وتقوم إسرائيل اليوم بتقييد النشاط المدني للسلطة الفلسطينية فيها، وتقول هآرتس إن تجميد التنسيق الأمني قد يؤثر بدرجة كبيرة على الوضع الأمني في الضفة.
وفي 20 يناير الماضي، قال رئيس مخابرات السلطة ماجد فرج، في مقابلة نادرة مع موقع “ديفينس نيوز”: إن إجهزة الأمن في السلطة أحبطت في الأشهر الأخيرة 200 عملية ضد الإسرائيليين في الضفة الغربية.
وحسب مسؤولين إسرائيليين، فإن الاقتراح الإسرائيلي شمل القضايا التالية:
الوقف الكامل تقريبا لدخول الجيش الإسرائيلي إلى مناطق أ باستثناء حالات الطوارئ؛ حيث أوضحت “اسرائيل” أنها ستحتفظ بحق العمل في مناطق أ في حال وجود “قنبلة موقوتة”، لكنها سترفع بشكل ملحوظ مستوى المصادقة على عملية كهذه، وإذا كان الآن مطلوب مصادقة قائد الكتيبة على دخول القوات الاسرائيلية إلى مناطق أ، فإنه حسب الاقتراح الإسرائيلي سيكون مطلوبا مصادقة قائد المنطقة أو مستوى أعلى منه.
واقترحت “إسرائيل” بأن يكون تقليص عمليات الجيش الاسرائيلي في رام الله وأريحا بمثابة تجربة أولى.
وإذا كانت النتيجة ايجابية واستقر الوضع الأمني فسيتم تقليص نشاط الجيش الإسرائيلي في مدن أخرى في الضفة الغربية، بالتنسيق مع الفلسطينيين.
وتبنى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع موشيه يعلون هذا الاقتراح، لكنهما أضافا مطالب أخرى من الفلسطينيين مثل العمل ضد التحريض، فيما كان الطلب الأساسي لنتنياهو كان تفاهمات سياسية مع السلطة تشمل اعتراف السلطة بحق “اسرائيل” في العمل في مناطق أ.
وأشارت شخصيات اسرائيلية رفيعة المستوى إلى أن الاقتراح أثار الخلافات في الجانب الفلسطيني، فرؤساء الأجهزة الأمنية أيدوا الخطوة على اعتبار أنها ستساهم في تهدئة الأوضاع. وهذه فرصة لعرض هذا الانجاز على الجمهور الفلسطيني، أما الرئيس عباس وأعضاء آخرين في القيادة السياسية تحفظوا من هذا الاقتراح لأنهم لم يوافقوا على الاعتراف رسميا بحق “إسرائيل” في العمل في مناطق أ، حيث اعتبروه خلافا لما جاء في اتفاقات اوسلو.
وقالت شخصيات اسرائيلية رفيع المستوى إلى أن المفاوضات تجد صعوبات بسبب الاعتبارات السياسية في الطرفين، فنتنياهو لم يوافق على دعم الخطوة بدون الحصول على مقابل من الفلسطينيين حتى يستطيع اجازتها في الكابنيت، ومن جهة أخرى فإن المقابل الذي طلبه “نتنياهو” أدخل “عباس” إلى وضع صعب حيث طلب منه الموافقة رسميا على عمل قوات الجيش الاسرائيلي في المناطق الفلسطينية، الأمر الذي يعني التنازل عن السيادة. وأضافت هذه الشخصيات أنه رغم الصعوبات في المفاوضات فإن المبادرة ما زالت على الطاولة، “لكن هذا لن ينفذ إذا لم نحصل على المقابل من الفلسطينيين”.