"تمر عليك الأيام رتيبة.. ويصبح الأمس هو الغد.. وتتحول إلى مجرد رقم داخل زنزانتك الموحشة… لتجد النسيان والظلم رفاق وحدتك"، محمود محمد أمين شاب مصري أصيب في أول الأيام التي تلمس فيها المصريون طريق الحرية.. في الـ25 من يناير العام المنصرم، وهو الشخص نفسه الذي ألقت قوات الجيش القبض عليه في أحداث العباسية الأخيرة.. أجرينا في موقع رصد الإخباري حوارا سابقا مع خطيبته واليوم وبعد إطلاق سراحه أجرينا معه هذا الحوار.
بدأ محمود حديثه بالإشارة إلى مشاركته في أحداث الثورة: "إنني من أوائل مصابي الثورة، أصبت في 25 من يناير بشظيه استقرت في العصب الأيمن، الأمر الذي تسبب في فقداني لحاسة البصر في العين اليمنى".
وتابع محمود سرده لشهادته عن أحداث العباسية قائلا: "كنت محتجزا بمعهد ناصر الطبي القريب من العباسية, وذلك قبل بدأ الأحداث هناك؛ حيث كان من المنتظر أن أجري عملية في المخ, ولكن عندما وصلني خبر استشهاد صديقي أحمد رمزي قررت المشاركة على الرغم من رفض إدراة المستشفى السماح لي بالخروج بسبب الآلام التي كنت أعاني منها, وبالفعل نزلت ميدان العباسية لأجد تراشقا بالحجارة بين قوات الجيش وأشخاصا مجهولين"، مشيرا إلى أن هؤلاء الأشخاص لم يتم القبض عليهم, ولم يكونوا من الثوار, وتساءل: "لماذا لم يقم الجيش بالقبض عليهم".
وأضاف: "الإعلام أظهر أحد الأشخاص وهو يقوم بضرب الناس بالحجارة من فوق السور وآخر ألقى بيان باسم شباب الثورة يستفز فيه الجيش، والاثنان لم نجدهم من بين المقبوض عليهم".
وذكر أنه توجه إلى مسجد النور الموجود بميدان العباسية؛ حيث رأى «قوات الجيش تكتسح الثوار»، وعقب ساخرا: "حيث كانت لديهم القدرة على التفرقة بين أهالي العباسية وغيرهم".
وأشار إلى أنه حاول الهروب بالركض اتجاه الكائدرائية أمام مسجد النور، قائلا: "شاهدت أمام عيني البلطجية تذبح الناس في الشوارع؛ حيث كانوا يقومون بسحب الثوار من داخل بيوت الأهالي".
ونوه محمود إلى أنه كان برفقة صديق له أصيب في تلك الأحداث حاولا استعطاف صاحب محطة وقود؛ للسماح لهما بالاختباء قليلا، وأكد على أنه سمح لهما بالبقاء لمدة ساعتين ثم طلب منهما المغادرة «خوفا من أن يتهم بالتواطئ معنا».
وما إن غادر المحطة حتى تعرض للهجوم من قبل بلطجية، مشيرا إلى أنهم تعدوا عليه بالسحل والضرب بالحديد والجنازير في كافة أنحاء جسده،كما أصيب بطعنة بآلة حادة في جانبه الأيمن, وإصابات متفرقة في كافة أنحاء جسدي.
ضابط القوات المسلحة سلمني للبلطجية
وذكر محمود أنه استطاع الهرب منهم؛ حيث ركض باتجاه السوق القريب من الميدان، وقال: "وجدت ضابطا من الجيش وبدأت أمسك فيه, وقولت له: أنا سلمت نفسي ليك أنا بتقطع جوه, ولكنه لم يلتفت لي, وبدأ يضربني برجلي وسلمني لبلطجية, وسمعت شخصا يقول له عايزه يا باشا ولا ناخده."
واستطرد: "حاولت بكل قوة التبشبث بالضابط, ولكنه قام بتعذيبى بالصاعق الكهربي إلى أن أدخلنا أتوبيسا خاصا بالقوات المسلحة, كنا نحو ما يقرب من 16 شخصا وأربع بنات, كانت البلطجية على مرأى ومسمع من الجيش تشتمنا بأقذع السباب وتبصق علينا".
وأضاف: "أول مرة في حياتي أرى الجيش يتعامل بهذه الطريقة كأنه كان يتعامل مع صهاينة, فقد لاحظت حالة كره وعداون واحتقان لم أكن أتخيلها".
وتابع سرد شهادته: "ما لبث أن تم ترحيلنا إلى الإدراة المركزية؛ حيث وجدنا أبشع أنواع التعذيب, وصلت إلى استخدام ولاعات السخان لصهر الأحزمة التي قيدونا بها, وبقينا لمدة يوم كامل ونحن ننزف من أثر الإصابات التي وقعت علينا"، معقبا: "كان هدفهم كسر عينا وذلنا".
عندما تحول الإضراب إلى فكرة
وقال محمود: "أنا دعيت للإضراب؛ لأنهم منعوا عنا الزيارات لمدة 11 يوما، حالتنا النفسية انهارت, والطعام الذي يقدم لنا غير آدمي".
وأضاف: "بدأ الإضراب بـ15 شخصا عندما أقنعتهم إدارة السجن بإنهاء الإضراب, وصلنا إلى 3 أفراد, وبعد أن فشلوا في إقناعي بوقف الإضراب قاموا بنقلي إلى زنزانة تسمى «دواعي أمنية»، حتى لا أحرض الآخرين على الإضراب مرة أخرى, وتم منع جميع العنابر بالاقتراب من العنبر, الذي أسجن فيه, وظللت ما يقرب من حوالي 7 أيام في سجن إنفرادي لا تدخله أشعة الشمس"، وذكر معقبا: "أضربت عن الطعام لمدة تقرب من 21 يوما حتى حدث هبوط مفاجئ في سكر الدم, وأصبت بالتهاب في العصب البصري، تم نقلي إلى المستشفى لتركيب محاليل حاولت الأطباء إقناعي بالعدول عن الإضراب إلا إنني رفضت؛لأنني كنت على وشك الاحتضار يومها خاصة, وقد ظهرت المشاكل في الكلى".
وفي نفس السياق أشار إلى أنه وصل إلى علمه حديث خطيبته عبر وسائل الإعلام بأنه يحتضر، معقبا: "لقد أتت لزيارتي في إحدى المرات, وأخبرتني أن والدي يحتضر".
وذكر أنه تقدم ببلاغ للنيابة العامة اتهم فيه المشير محمد حسين طنطاوي واللواء حمدي بدين بتحمل مسئولية القبض العشوائي على المتظاهرين في أحداث العباسية.
واختتم حديثه قائلا: "أنتظر من الرئيس محمد مرسي الإفراج عن المعتقلين؛ لأنهم لم يرتكبوا ذنبا سوى أنهم أرادوا الحياة الكريمة، أقول له: إنك صعدت على أكتاف هؤلاء الذين تناستهم كل وسائل الإعلام فلا تنساهم".