قال الدكتور محمد سيف الدولة، الباحث في الشؤون القومية والعربية، إن “قول رئيس مصر مخاطبًا دولة أجنبية، إنكم بلاد متحضرة، ولكننا دولة وليدة، لا تصلح معاييركم عندنا، هو إهانة كبيرة لمصر وللمصريين، وإنه يدافع عن نفسه وسياساته واستبداده بإهانة مصر، التي وجدت منذ ٥٠٠٠ سنة، في حين أن فرنسا بدأت تتشكل بعد انهيار الإمبراطورية الرومانية في بدايات القرن الخامس الميلادي”.
جاء ذلك تعقيبا على ما قاله عبدالفتاح السيسي اليوم في المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الذي يزور مصر حاليا.
وأضاف “سيف الدولة” في تصريح خاص لـ”رصد”: “حتى اذا تحدثنا عن مصر العربية فعمرها ١٤٠٠ عام، تنتمي إلى أمة عريقة، أنارت حضارتها كل ربوع العالم، في وقت كانت تعيش فيه أوروبا ظلام العصور الوسطى”.
وتابع قائلا: “وإذا تحدثنا عن مصر الحديثة في القرنين الماضيين، فهي واحدة من مئات البلدان التي عانت وتخلفت بحكم وطأة الاستعمار الأوروبي الإجرامي الذي قادته فرنسا مع بريطانيا قبل أن تنتقل القيادة للولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية”.
وبين أنه إذا تكلمنا عن مصر بعد الحرب العالمية الثانية، فإنها تعاني مع باقي أمتها العربية من الجريمة الغربية الكبرى في اغتصاب فلسطين وزراعة هذا الكيان الغريب العدواني العنصري المسمى بإسرائيل الذي لم يكن من الممكن أن يبقى لولا دعم فرنسا مع أخ أنها من الدول الغربية الكبرى.
واستطرد قائلا إنه إذا تكلمنا عن الاقتصاد، فإن كل مشكلاتنا الاقتصادية فى مصر وبلدان العالم الثالث هي نتيجة للاستغلال الاقتصادي لثرواتنا وأسواقنا وتدمير صناعتنا الوطنية لصالح جماعة نادي باريس من الدائنين الذين يمثلهم البنك وصندوق النقد الدوليين، والذي بسبب تعليماته وروشتاته غرقت بلادنا بالإكراه في الديون والقروض.
وأكد “سيف الدولة” أن الأمثلة كثيرة، وكلها تؤدي إلى معنى واحد؛ أن في تصريح السيسي إهانة كبيرة لمصر والمصريين، كما أنه يكشف ضحالة الثقافة والرؤية الوطنية والتاريخية، بالإضافة إلى الخلل المزمن في تصريحاته المرتجلة، من حيث فقر والمفردات واضطراب المعاني وسوء التعبير.
وأوضح “سيف الدولة”: أما عن الذرائع التي يكررها السيسي دائما، بأن حقوق الإنسان ليست أولوية، أمام احتياجات الناس الاقتصادية والاجتماعية، ففيها تضليل ونفاق؛ لأنه هو نفسه من يقوم اليوم بإفقار الناس والعدوان عليهم في معايشها، بكل سياساته التي ينفذ فيها تعليمات صندوق النقد والبنك الدوليين، برفع الدعم وتسريح الموظفين وتعويم الجنيه وفتح بطن البلد للاستثمارات الأجنبية وتوزيع الأرض عليهم بالمجان وتحصين صفقات الخصخصة وبيع القطاع العام ضد الطعن القضائي والانحياز بشكل عام في سياساته وقراراته وتشريعاته إلى رؤوس الأموال الجنبية ووكلائها من رجال الأعمال المصريين.
وقال: “إنها سياسة الاقتصاد الحر أو اقتصاد السوق أو الانفتاح الاقتصادي السداح مداح أو النظام الرأسمالي، سمها كما شئت التي أفقرت مصر على امتداد أربعة عقود، يعيد إنتاجها اليوم ولكن بشكل أكثر تطرفا وتبعية، ولذا فهو يستمر في التضليل، فلا حقوق إنسان ولا حقوق اقتصادية واجتماعية”.
وأشار “سيف الدولة” إلى أن نظرية مبارك وعمر سليمان التي يكررها السيسي كثيرًا، من أن مصر ليست جاهزة للحرية والديمقراطية، فهي “تضليل كبير، حيث يستخف بِنَا وبالشعب الذي قام بثورة هزت العالم في يناير ٢٠١١، والتي وقف السيسي نفسه مع مجلسه العسكري وكل عناصر دولته العميقة، يطأطئون رؤوسهم أمامها ويلقون أمامها التحية العسكرية، ويتسابقون للاعتراف بها والتقرب منها، قبل أن ينقضوا عليها ويتآمرون عليها”، بحسب قوله.
وأكد “سيف الدولة” أن الحرية هي الطريق الوحيد الممكن لسد احتياجات الناس وحل مشاكلهم الأساسية، لسبب بسيط، هو أن الناس فقط هي صاحبة الحق والقدرة على تحديد ماذا تريد، وفي غياب الحرية، يغتصب المستبدون منها هذا الحق، ويضعون أنفسهم مكان الشعب، يفكرون بدلا منه ويقررون نيابة عنه، ويحتكرون الحقيقة وحدها ويعصفون بكل من يخالفهم، فيفشلون ويقودون البلاد من فشل إلى آخر، وها هم يبيعون أرض الوطن باسم الشعب.
وشدد “سيف الدولة” على “أننا لا ننتظر ولا نريد من الرئيس الفرنسي أو غيره ان يدافعوا عن حقنا في الحرية فنحن لا نثق بهم، وهم السبب في كل مصائبنا، ولقد علمتنا تجاربنا التاريخية معهم أنهم على استعداد بالتضحية بشعوب بأكملها وليس لحرياتها فقط، من أجل مصالحهم الاستعمارية”.
ولفت “سيف الدولة” في نهاية حديثه مع شبكة “رصد”، إلى أنه كان في المناظرة الثنائية بين السيسي وأولاند اهانة مضاعفة ومزدوجة، ففي تقمص أولاند دور المدافع عن حقوقنا، جرح لكبريائنا الوطني، يظهرنا بمظهر الضعف والعجز كمصريين عّن الدفاع عن أنفسنا، ولجوئنا للاستقواء بالخواجات للدفاع عنا والتوسط بيننا وبين مستبدينا، وهو مظهر مخالف تماما للحقيقة المتمثّلة فى اننا لم نتوقف لحظة منذ ثورة يناير وما قبلها عن النضال دفاعا عن حريتنا وحقوقنا، والأعداد الهائلة للشهداء والمعتقلين خير دليل على ذلك، وفي رد السيسي ما سبق وأوضحناه من معان مركبة من الإهانة لمصر والمصريين.