صورة معلقة على جدران المترو فيها صورتان لحلوى مغطاة وأخرى مفتوحة قد تجمع الذباب عليها وأكل بعضها، فوقها جملة “من خلقك أدرى بمصلحتك”!
إعلان بسيط عن الحجاب قد يتحدث البعض عن روعة الفكرة وجمال الرمزية ومهارة التصميم وبساطة الأسلوب الدعوي وحداثته، لكن دعني أخبرك إلى الدرجة التي وصلنا إليها من الإسلام التجاري الرخيص الذي يتدينه ذلك العجوز، يصلي قيام الليل، ويصوم الإثنين والخميس، وينزل في حر الشمس ليفوض السيسي لقتل إخوانه المسلمين مطمئن القلب منتظرًا أذان المغرب ليفطر.
دعني أخبرك عن الإسلام المعلب في أشكال الحجاب وألوانه ومئات القصص على الفيسبوك لشاب وفتاة يمضيان وقتهما في انتظار الحلال الأجمل.
دعنا لا نستغرب من الإسلام الذي يريده جنرال يتوضأ بدم “الأشرار” ليصلي الظهر حاضرًا على سجادته بجوار المكتب وقرآن الإذاعة في الخلفية كما سمعه الجميع في التسريبات.
لماذا نستغرب من الحالة التي يعيشها دعاة الإسلام الجديد في عالمهم الوردي، بينما تغرق حلب في الدماء؟ نحن من صنعناهم وصنعنا إسلامهم! نحن من خلقنا رسالة إعلامية تجارية بعيدة كل البعد عن روح الإسلام.
دائمًا ما نعيب على الغرب ما فعله بالمرأة من تحويلها لسلعة تجارية، بينما لا نحاسب أنفسنا على تشبيه المرأة بحلوى تؤكل وسلعة رخيصة في متناول الجميع.
نحن من احتفينا بالعاهرة حين لبست حجابًا بعدما عفا عليها الزمن وأنزلناها منازل الصالحين ورضينا ببضعة قروش تنفقها على يتامى وقصرنا الإسلام على أعمال خير دون فهم لحقيقته.
نحن من صنعنا صنم النجومية؛ حيث يظهر الداعية في لوحة إعلانية ضخمة مضيئة على الطريق الدائري وقد وضع الميك أب وعالج الفوتوشوب بعض الشيب الذي لم يغطه الصبغ الأسود وإكسير الشباب.
اقتصرنا على قشور الإسلام وروجنا لها بطابع تجاري رخيص لا يتناغم مع الروح الحقيقية للدين، اعتمدنا المعيار الإعلاني للترويج لمفاهيمنا، خاطبنا العاطفة دون العقل، فتغيرت النفوس بعواطفها تابعة لمن يملك الآلة الإعلامية الأقوى، وكان تغييرها سهلًا لتغييب العقل الذي أهملناه.
عندما تتوجه المضامين الإعلامية لنشر الوعي ومخاطبة العقل فإنها تبني قاعدة قوية لمجتمعات واعية تقبل من الإعلام وترفض وفقًا لمعاييرها، لكن حين يستهدف الإعلام التأثير اللحظي للعاطفة، فستكون المعركة في صالح آلة إعلامية قوية توجه المجتمع وتؤدلجه.
لسنوات عديدة اقتصرت رسائل الإعلام على مجموعة من الأشكال تعالج التدين الظاهر القشري، سهل الكسر خالي المضمون، لم توجه الرسالة الإعلامية المجتمع لحل مشكلاته الجذرية، الفقر والتعليم والصحة والبطالة والأمية، بل كأنها ظلت تحاول أن تبقي هذه المشكلات راكدة، تتماهى لسنوات مع توجهات الإرادة السياسية التي رضيت عن الوجوه المرمزة في نقل تلك الرسالة.
لم نروج للإسلام الذي يهتم بالفرد وبنائه وعقله الذي امتلأ القرآن بمئات الآيات داعيًا إياه للتفكر وإدراك الحقيقة بوعيه.
لم نروج للإسلام الذي يدعو للحرية، للحق في الحياة الكريمة، للعدالة الاجتماعية، للجسد الواحد للأمة، لحرمة الدم الأعظم من حرمة الكعبة، هذا الإسلام لا يمكن ترويجه وبيعه كسلعة؛ لأنه إذا انتشر فلا يمكن استبداله أو استرجاعه، وهو ما يشكل خطرًا على المعلن.. وعلى الوضع السياسي بشكل أوسع.