أكد البروفيسور جون اسبوزيتو أن الملامح الرئيسية للاختلاف بين حالة الدولة المصرية والتونسية، بعد الثورة في البلدين، مرتبطة بالنخبة السياسية، ففي تونس، الشعب متعلم بشكل كبير، وضغط المجتمع المدني بقوة على النخبة السياسية، أما مصر فاقتصادها متداع والسكان أقل تعليمًا، وهو ما أدى لنجاح الإسلاميين في تونس وفشلهم في مصر.
وأشار اسبوزيتو -في حوار خاص لشبكة “رصد”- إلى الضعف الذي أصاب “جماعة الإخوان المسلمين”، بسبب الانقسامات الداخلية، بالإضافة إلى رغبة القوى الإقليمية في الحد من نفوذ الجماعات الإسلامية أو القضاء عليها، على حد قوله، كما تحدث عن “تنظيم الدولة” ودوره في الإساءة لصورة الإسلام في الغرب، وكيفية القضاء عليه؛ وإلى نص الحوار:
خلط الأمور
1- نرى دائما ثناء المراكز اليمينية المتطرفة -والتي دائمًا ما تهاجمكم- مثل معهد “جيت ستون انستيتوت، ميدل إيست فورم”، على عبدالفتاح السيسي، فما الذي يدفعهم لذلك؟
– هذه المؤسسات والعديد من الأفراد المرتبطين بها ينتمون إلى المحافظين الجدد المتطرفين أو من المروجين للإسلاموفوبيا أو من الصهاينة المتشددين، “المؤيدين بشكل مطلق لإسرائيل وجدار فصلها العنصري”، والسياسات العسكرية ضد الفلسطينيين، كما أن أناسًا أمثال “دانيل بايبز”، وزملائه “جون بولتون”، و”ألن درشويتس”، والبعض أمثال “روبرت سبنسر” جزء من شبكة منظمة من الكتاب المروجين للإسلاموفوبيا مكونة من كتاب ومدونين يتلقون تمويلًا ضخمًا، وغالبًا ما تتعاون في نشر رسائلها في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، ويميل العديد إلى رؤية الإسلام كدين متطرف ومعتقد للمسلحين، وهؤلاء لا يفرقون بين تيار الحركة الإسلامية الرئيسي، وبين المتطرفين المرتبطين بأعمال العنف، والمنظمات الإرهابية.
هزيمة تنظيم الدولة
2- كيف أثر صعود “تنظيم الدولة” ومشاهد الذبح في صورة الإسلام في الغرب؟ وكيف يمكن هزيمة التنظيم أيديولوجيًا؟
– تأثرتْ صورة الإسلام بشكل واضح بمشاهد الأفعال البربرية لـ”تنظيم الدولة”، كقتل وقطع رؤوس المدنيين الأبرياء، بما في ذلك الأطفال والنساء والمسلمون السنة المختلفون معهم، والشيعة، والمسيحيون، والأيزيديون، وأيضًا هجماتها الإرهابية الأخيرة في أوروبا، والادعاء بالاحتكام إلى الإسلام لتبرير شرعية أفعالهم، وتجنيد المناصرين.
وفي حال الرغبة في هزيمة “تنظيم الدولة”، فلا بد أن يكون ذلك عسكريًا في المقام الأول، ويجب أن يقود ذلك تحالف من المنطقة، وربما يتضمن ذلك بالطبع دعمًا من الدول الغربية، وعلى الصعيد الفكري فإن إصدار قادة العالم الإسلامي وخاصة علماء الدين، والمنظمات الدينية البيانات والفتاوى التي تدين أيديولوجية “تنظيم الدولة” وتبرئة الإسلام منها -مثلما فعل الكثير منهم- لن يهزم “تنظيم الدولة” وحده.
ومع ذلك فإن هزيمة “تنظيم الدولة” عسكريًا لن يمنع ظهور مجموعات إرهابية، ومتطرفة أخرى توجه إرهابها إلى العالم، سيتطلب الأمر احتواء ومواجهة هذه التطرف العنيف، والإصلاح الهيكلي والجذري في بيئة الأنظمة الاستبدادية، وتغير في سياسة الغرب الخارجية والتي غالبًا ما دعمت بشكل مطلق -وما زالت مستمرة- حلفاءها الاستبداديين في العالم العربي والإسلامي.
لقد فشلت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في إدانة نظام السيسي بقوة، واستأنفت المساعدات لنظام السيسي قائد الانقلاب العسكري في مصر الذي ارتكب المذابح، والاعتقالات والمحاكمات الجماعية، وكذلك سعيه للقضاء على جماعة الإخوان المسلمين، ومحاولة قمع أو احتواء المجموعات الإسلامية الأخرى التي شاركت في الحياة السياسية والاجتماعية وذلك بمساعدة داعميه الخليجيين .
بين مصر وتونس
3- ما العوامل التي أدت إلى نجاح الإسلامييين في تونس وفشلهم في مصر؟
الملامح الرئيسية للاختلاف بين الحالة المصرية والتونسية مرتبطة بالنخبة السياسية:
– في تونس، الشعب متعلم بشكل كبير، والمجتمع المدني ضغط بقوة على النخبة السياسية، ومارست الاتحادات المستقلة بما في ذلك الاتحاد العام للشغل ضغوط على الحكومة بشكل مستمر جنبًا إلى جنب مع أطراف أخرى مثل اتحاد نقابات العمال، والاتحاد الوطني للمحامين في تونس، ومنظمات حقوق الإنسان، وعملت هذه الكيانات كوسيط مهم بين الأطراف السياسية، أما في مصر فالاتحادات ليست قوية ولا مستقلة.
كما أن الاقتصاد المصري متداع بشكل كبير، والسكان أقل تعليمًا، والمجتمع المدني مقيد بشكل أكبر، والجيش، والنظام القضائي مسيسان، وكل هذه العوامل تجعل الفاعلين السياسيين في فترة ما بعد الثورة يتعاملون بمبدأ الفائز يحصل على كل شيء، والتنافس هنا هو الحاكم بدلا من عملية التفاوض والتسوية.
وعلى النقيض من حركة النهضة في تونس، فبمجرد أن أتت حكومة مرسي إلى السلطة قامت بتنصيب الإسلاميين “الإخوان والسلفيين” في مراكز السلطة الرئيسية، وفي الغالب لم تقم بالتمثيل الأدنى للآخرين أمثال حركة السادس من أبريل، والعلمانيين، والأقباط، بالإضافة إلى اتهام النقاد لدستور 2012 بأنه يميل إلى القوى السياسية للإخوان المسلمين.
وفي سياق مماثل -والكلام لا يزال لاسبوزيتو- سعى الجيش بعد 2013 إلى سحق الإخوان المسلمين، وبالتزامن مع ذلك سعى إلى تشكيل المؤسسات، والوثائق بما يتناسب مع مصلحته.
– على النقيض بمجرد قدومها إلى السلطة أخذت حركة النهضة العبر والدورس من الحرب الأهلية التي استمرت لعقود في الجزائر، وتجنبت مواقف الاستقطاب.
– أظهرت النهضة تأكيد الوحدة الوطنية، ووعدت قبل الانتخابات أنها في حال فوزها فستعمل على تقديم مواطن لا ينتمي إليها في الانتخابات الرئاسية، والتواصل مع أحزاب المعارضة لتشكيل حكومة تحالف.
– تراجعت النهضة عن الدفع بالشريعة الإسلامية في الدستور، وبعد عامين في السلطة، والدخول في حوار مع المعارضة اختارت التنحى لصالح حكومة تقنوقراط للحفاظ على الوحدة الوطنية.
– ظل الجيش التونسي في الثكنات، وظل بعيدًا عن التدخل المباشر في السياسة، وهو ما مكن الجهات السياسية الفاعلة على التفاوض على نظام جديد.
– تمرير الدستور التونسي في يناير 2014 والانتخابات البرلمانية في أكتوبر 2014 شكل خطوة كبيرة للأمام لبناء الإجماع الوطني وسط كافة الأطياف في تونس المتنوعة، وعلى الجانب الآخر أنتج السيسي قمعًا أشد قسوة من نظام مبارك قبل الثورة.
4 – هل ستدفع مشاهد الذبح والقتل في مصر الولايات المتحدة في وقت معين إلى الابتعاد جانبًا عن النظام المصري؟
– للأسف، بالرغم من إدانة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أحيانًا لبعض الأحداث في مصر؛ فإنهم لم ينأوا بأنفسهم أو يدينوا استعادة النظام القمعي لحكومة السيسي، وأنا قلق أكثر من الإدارة الأميركية القادمة استنادًا إلى من سينتخب رئيسًا، ونفس القدر من الأهمية يتجه إلى الأغلبية في الكونجرس، والتي تؤيد بشكل مطلق حكومة السيسي، وتميل إلى الخوف من الإخوان المسلمين، والحركة الإسلامية بشكل عام، وتتأثر بسلوك وسياسات “إسرائيل” وجماعات الضغط الإسرائيلية في الولايات المتحدة .
نفوذ الإخوان
5 – هل أثرت الإطاحة بالإخوان المسلمين في مصر على نفوذهم في المنطقة، وما مستقبلهم في ظل معارضة دول إقليمية كبرى لهم، وتمويلهم لأي حركة مناهضة لهم داخل البلدان المتواجدين بها؟
– إطاحة وقمع حكومة السيسي للإخوان المسلمين عن طريق الدعم القوي الإقليمي والدولي المقدم من الإمارات والسعودية، وأيضًا الانقسام الداخلي داخل الجماعة نفسها أضعف نفوذها، سيتوقف نفوذها المستقبلي بشكل واضح على إعادة بناء نفسها، ومعالجة الانقسام، وقدرتها أن تكون أكثر احتواء للتنوع داخلها، وخاصة دور الجيل الأصغر سنًا، يضاف إلى ذلك رغبة هذه القوى الإقليمية في الحد من نفوذ الجماعات الإسلامية أو القضاء عليها، وأيضًا على الأحزاب التي لها نفوذ سياسي في بلدانهم.
جسور الثقة
6 – انسحبت بعض القوى المدنية في مصر من التحالف الداعم للسيسي.. كيف يمكن بناء جسور الثقة بينها وبين الإسلاميين مرة أخرى لمواجهة الاستبداد والقمع الحاليين؟
– إقامة جسور الثقة بين هذه المجموعات والتوجهات المختلفة سوف يتطلب:
– صياغة الإجماع والهوية الوطنية القادرة على ربط الكيانات والأفراد المختلفين أيديولوجيًا، والقادرة على إنجاز مصالحة وطنية، والتغلب على أحزان الماضي، والتأكيد على القيم المشتركة، والمصالح الاقتصادية والسياسية مثل الحكم الرشيد، والحكومة الممثلة للشعب، والبناء المؤسسي، وبالأخص المجتمع المدني القوي.
– بناء الدولة ذات الثفافة العربية والإسلامية الحاضنة والممثلة للتنوع الثقافي والسياسي، والديني، والتي تقدم مساحة للخلاف والتنوع السياسي، والثقافي والديني.
– التأكيد ليس فقط على الانتخابات بل أيضًا القيم الثقافية والعمليات الديمقراطية.
– التغيير يجب أن يكون فقط عن طريق العملية الانتخابية وليس عن طريق التدخل العسكري.
جدير بالذكر أن البروفيسور جون اسبوزيتو، يعمل أستاذًا جامعيًا في الشؤون الدوليّة والدراسات الإسلامية، والمدير المؤسس لمركز الأمير الوليد بن طلال للتفاهم المسلم المسيحي بجامعة جورجتاون في واشنطن، وأحد كبار علماء مركز “جالوب” الذي يقوم بتحليل البيانات السائدة في دول العالم الإسلامي من خلال استطلاعات الرأي التي يجريها المركز.