أثارت التكلفة الاقتصادية المرتفعة لمشروع الضبعة النووي، والذي وقعت مصر على أكبر قرض في تاريخها مع روسيا بقيمة 25 مليار جنيه، والذي يعادل نصف الدين الخارجي لمصر، لإنشاء هذا المشروع؛ العديد من التساؤلات حول أسباب هذه التكلفة الاقتصادية المرتفعة.
التفاصيل الفنية التي نشرت في الجريدة الرسمية المصرية، احتوت جدولا زمنيا لتسديد القرض الروسي على دفعات سنوية وفق حجم الإنشاءات، على أن تراجعه وزارتا المالية في البلدين، مع التأكيد أن القرض الروسي يشكل نسبة 85% من تكلفة المشروع الذي ستموّل القاهرة نسبة 15% منه، وستدفعها للشركات الروسية المصنعة للمفاعل، بالدولار الأميركي أو بالجنيه المصري، وهو ما يرفع تكلفة التنفيذ إلى أكثر من 28 مليار دولار.
اتفاقية 2008
أثارت هذه التكلفة الاقتصادية المرتفعة التساؤلات حول التكلفة المعلنة للمشروع في المرات السابقة؛ حيث كانت البداية مع الرئيس المخلوع حسني مبارك، عام 2008، وحينها أعلنت القاهرة مشاركة روسيا مصر فى بناء أول محطة نووية لها بتكلفة 1,5 مليار دولار من أربع محطات وضعتها الحكومة المصرية فى خطتها للدخول إلى عصر الطاقة النووية، وذلك وفق منشور بتاريخ 25 مارس 2008.
واتفق مبارك وبوتين في 26 مارس 2008، أن تقوم شركة “روس اتوم”، الحكومية للطاقة الذرية، وهي نفس الشركة التي وقع معها “السيسي”.
زيادة التكلفة في 2010
قال الدكتور أكثم أبو العلا، وكيل وزارة الكهرباء والطاقة المصرية، في ذلك الوقت، إن تكلفة إنشاء أول محطة نووية في مصر، والمقرر إقامتها بمنطقة الضبعة (شمال غرب القاهرة على ساحل البحر المتوسط)، تقدر بنحو 4 مليارات دولار.
وأضاف أن إنشاء المحطة قدر له أربع مراحل، هي: مرحلة ما قبل اتخاذ القرار، ثم مرحلة اتخاذ القرار، ثم مرحلة البناء، وأخيرا مرحلة التشغيل.
وأشار أبو العلا إلى أن عملية تمويل إنشاء المحطة سيكون عن طريق الحصول على قروض من البنوك وليس عن طريق تمويلها من قبل الموازنة العامة للحكومة، ولم يشر أبو العلا إلى تلك البنوك، مضيفا أن عملية بناء المحطة النووية قد تستغرق عامين.
10 مليارات جنيه 2015
وفي عام 2015 زار عبد الفتاح السيسي موسكو وناقش إنشاء مفاعل الضبعة ذات الــ4800 ميجاوات بتكلفة 6 مليارات دولار أميركي.
ووقع عبد الفتاح السيسي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في فبراير 2015 اتفاقًا لانشاء أول محطة نووية في مصر، على هامش زيارة بوتين لمصر، ورغم التوقيع فإن وزير الكهرباء محمد شاكر أعلن في يناير 2015 عن إبداء 6 شركات من الصين وفرنسا واليابان والولايات المتحدة الأمريكية وكوريا الجنوبية وروسيا، اهتمامها بتنفيذ المشروع، وأنه سيتم طرح مناقصة عالمية أمام هذه الشركات لتقديم عروضها، وذلك بقرار من رئيس الجمهورية.
وبعد سقوط الطائرة الروسية في مصر نهاية أكتوبر 2015.. تم الإعلان عن موافقة المجلس العسكري برئاسة السيسي التوقيع على عقد الضبعة بتكاليف تعادل 10 مليارات دولار أميركي.
وفوجئ الجميع بأن مذكرة التفاهم تم توقيعها مع الجانب الروسي، دون مناقصات، وتضمنت إسناد المشروع لشركة روساتوم الروسية، والذي يشمل إقامة محطتين في المرحلة الأولى، تصل تكلفتهما إلى 10 مليارات دولار، وبقدرة إنتاجية 1400 ميجا وات لكل محطة.
وأكدت مصادر حكومية برئاسة الوزراء لـ”الشروق” في أغسطس 2015، إلى أن “انشاء المحطة النووية الواحدة في الضبعة ما يقرب من 4 و5 مليارات دولار بإجمالي من 8 إلى 10 مليارات دولار للمحطتين”.
20 مليار دولار
وبعد يوم واحد من اجتماع المجلس العسكري تم توقيع إتفاقية الضبعة مرة أخرى بتكالفة 20 مليار دولار وليس 10 مليارات مثلما أعلن المجلس العسكري، وتدخل النائب العام في وقتها وقرر حظر النشر على أخبار اتفاقية الضبعة ومنع النشر عن تفاصيلها.
وافق السيسي على قرض الضبعة بتكاليف 25 مليار دولار أميركي لتمويل المشروع وبنفس المواصفات التي وقع عليها حسني مبارك عام 2008 بسعر 1.5 مليار دولار.
التكلفة الحقيقية لإنتاج 4800 ميجا وات
وفقا لشركة سيمنز فإن تكاليف إنتاج 4800 ميجاوات لا تزيد عن 2 مليار يورو؛ أي قرابة 2.5 مليار دولار أميركي؛ حيث تساءل الناشط أحمد عبده عمرو: لماذا يدفع السيسي 25 مليار في محطة نووية روسية تنتج 4800 ميجاوات في وقت هو نفسه قد وقع مع شركة سيمنز لشراء محطة كهرباء غازية حديثة تنتج 4800 ميجاوات وبتكلفة لاتزيد عن 2.5 مليار دولار، متسائلاً: ما الفرق بين تلك الــ(4800 ميجاوات من سيمنز) وتلك الــ(4800 ميجاوات الروسية).
مشروع الضبعة يدمر الاقتصاد
وانتقد وزير التجارة والصناعة الأسبق، مصطفى الرفاعي، لجوء الحكومة المصرية إلى اقتراض 25 مليار دولار من روسيا لإنشاء محطة نووية لإنتاج الكهرباء في محافظة مرسى مطروح على البحر المتوسط.
وأكد أن سياسة الاقتراض تدمر الاقتصاد القومي؛ لأن سداد الديون يستنزف احتياطي البلاد من النقد الأجنبي.
وأشار إلى أن عجز الموازنة العامة للدولة مستمر بسبب “الاقتراض” وارتفاع الدين الذي يسبب أزمة كبيرة داخل الحكومة المصرية، والتي لامها على اتباع سياسة الاقتراض وتجاهل العمل على زيادة الإنتاج.
وشدد الرفاعي -في تصريح صحفي- على أن “سياسة الاقتراض من الخارج تعد احتلالا لمصر، حتى وإن كانت ميسرة”، معتبرًا أن “القرض الروسي يأتي ضمن سياسات الدولة التي تسمح بالتمويل الخارجي، بعد أن كانت هناك تحفظات على الاقتراض من الخارج”.
ونبه إلى أن “الاقتراض الخارجي دائمًا ما يحمل مخاطر، وإذا لم تتم الاستفادة من القرض سيزيد ذلك من عجز الموازنة المتفاقم، خاصةً أن دولا كبرى تعثرت عن السداد في وقائع سابقة”، مؤكدًا أن “المشروعات التي تقيمها الدولة هي مشروعات في البنية التحتية والخدمات ولا تؤتي أي عوائد، وبالتالي الاقتراض لتنفيذها، ما يزيد من أعباء الاقتصاد”.
وأوضح أن “ضعف الإنتاج وتباطؤ معدلات النمو الاقتصادي سيضعفان قدرة مصر على مواجهة أعباء القروض والديون الداخلية والخارجية، وأنه كان من الأجدر تنمية الوضع الاقتصادي أولاً في مصر من أجل القيام بمشروعات اقتصادية كبرى من خلال موارد الدولة وليس بالقروض”.
وطالب الرفاعي الحكومة المصرية بـ”إنقاذ ما يمكن إنقاذه من خلال تشجيع الاستثمار، والحث على العمل لزيادة الإنتاج”، داعيًا إلى “القضاء على الفساد والبيروقراطية، وتحسين الوضع الأمني لتشجيع السياحة، لضمان توفير العملات الصعبة”.
وأضاف: “كان من الأجدر تغيير المكان إلى منطقة صحراوية، وليس على ساحل البحر المتوسط، لأن السائح، خاصة المصري لا يمتلك ثقافة التعايش مع محطة نووية، ما يعني أنه سيهرب إلى وجهات أخرى يراها أكثر أمنًا”.