بعد أن تحدث المستبد في خطاباته أن مصر ستكون “أدّ الدنيا” انتقل في خطابه إلى أن مصر شبه دولة حتى يبرر هذا الوضع الذي يعيشه الوطن من عجز وفشل، ثم انتقل في خطابه الأخير ليتحدث عن تبريره للإبقاء على دولة الفشل، معتبرا أن الحفاظ على هذه الدولة وبهذه الشاكلة هو إنجاز له، يقول المنقلب إنه إذا حافظ على الدولة في مدة رئاسته الأولى فإن ذلك يعد إنجازا عظيما.
ماذا يريد المنقلب إذن، بمتوالية التعبير عن عجزه وفشله، ويبرر الأمر الواقع الذي وصل بالدولة إلى هذه الصورة التي نراها من واقع أليم تعضده مشاهد العجز والإفلاس؟
إنها دولة الفشل باعتبارها إنجازا، لم يحدثنا المنقلب الذي وعد الناس بوعود كاذبة وأوهام زائفة وأحلام خائبة، يتدهور الأمر إلى الحد الذي يجعل فيه الحفاظ على دولة الفشل إنجازاً، لم يسأل المنقلب نفسه من المسؤول عن هذا الفشل، وكيف أسهم بخطاباته وسياساته في تدشين ذلك الفشل وجعل الخطاب في النهاية أن المحافظة على شبه الدولة ودولة الفشل دولة “كأن” التي تمارس وظائف الضد وتمارس أدوارا عكس المقصود لمؤسساتها، فإذا بها تتحول إلى دولة بطش وترويع ومحاولة تعميم عقلية القطيع وتمارس كل ما من شأنه أن يكون قابلاً للتفريط وللمبيع، فبدت الدولة بعد ذلك تنتقل في متوالية الفشل من عجز وشلل إلى مزيد من الفشل.
كنت قد كتبت من قبل في إحدى المقالات عن أن مصر الوطن صارت على عتبة الفشل، والآن يقوم المنقلب المستبد بترويج إنجاز الفشل وفشل الإنجاز، ويعبر عن كل أمر ما من شأنه أن يحول خيبات النظام الانقلابي إلى إنجازات وهمية ويحاول البعض من سدنته وإعلام إفكه أن يسوغ ذلك في شكل إنجازات، فهذا يشير إلى أنه لا يمكرُ إنجازات السيسي إلا جاحد، وآخر يؤكد أنه “سيخزق عين كل من ينكر إنجازات المنقلب” وثالث يؤكد أن تلك “الانجازات الكبيرة تغيظ الأشرار”، ورابع يؤشر ويشير على الإخوان أنهم يحاولون إفشال مسارات الإنجاز ويتآمرون عليها، ومن المؤسف حقا أن يأتي المنقلب ليمُدّ هذا الخطاب بمادة الفشل الإنجازي ليؤكد أن الإبقاء على الفشل ودولة الفشل إنجاز.
هل يمكننا إذن أن نعدد مؤشرات الفشل الواضحة وانجازاته الفاضحة التي تعبر في حقيقة الأمر عن تسويق الأحلام وبيع الأوهام، ماذا عن الأمن والاستقرار الذي يبشر به ويشير إلى انجازه، إن العالم بأسره صار يتعرف وبدون مواربة على افتقاد مصر لأدنى درجات الأمن، أمن البشر وأمن المطارات وأمن العابرين من الوافدين وأمن السياح وأمن الجيش في سيناء كل ذلك يعبر عن حالة من عدم الاستقرار والفوضى الفادحة، يفتقد الناس جميعاً الأمن وهو وحده من يتحدث عن إنجاز الأمن، إنه من الآن فصاعدا سيبرر إنجاز الفشل وفشل الإنجاز.
أما عن حال الاقتصاد فحدث ولا حرج من تدهور إلى تدهور حتى وزيرة الاستثمار تشير بكلام قاطع على تأخر مصر إلى المرتبة 131 في سلم الدول وأن مصر على عتبة إفلاس، فهذا سعر الدولار يرتفع في السوق الموازية إلى القدر الذي لا يمكن التحكم فيه، وهذا غول الأسعار ينطلق إلى عِقال يرتفع ثمن الغذاء وتتضاعف أثمان الدواء، وعموم الناس يتلقون هذا الغلاء كصواعق وضربات فوق رؤوسهم لا يملكون لذلك دفعا ولا يمكنهم لذلك رفعا، وهذا أمر يتعلق برفع الدعم عن معدمين فقراء في الماء والكهرباء فإذا ما نطق الناس وقالوا أننا لم نعد نحتمل رد عليهم المنقلب أن هذا الرفع للأسعار لا يوازي التكلفة الفعلية، وأن القادم أسوأ، ثم يتحدث عن العشوائيات مدعياً أنه يهتم بشؤونهم وهو يقتلعهم من مكانهم بكل طريق من غير أن يوفر لهم البديل الكريم، إنه الانجاز الذي يباهى به في إفقار برِّ مصر يسميه إنجازاً حدث في سنتين مالم يحدث في عشر سنوات وربما في ستين عاماً مرة أخرى إنه يروج الإفقار كإنجاز للفشل وفشل الإنجاز.
أما ما يتعلق بالشباب فإنه يتحدث ليل نهار عن أنه يهتم بالشباب فأسفر هذا الاهتمام عن اعتقال الآلاف منهم وإيداعهم في السجون وصار الإنجاز الذي يمكن أن يباهي به عدد السجون التي أنشأها حتى تستوعب المزيد من الشباب، ويعبر عن فشل الإنجاز حينما يتحدث من أنه حاول من كل طريق أن يستوعبهم وحينما لم يستطع، اعتقلهم وقتلهم إنه عام الشباب على طريقة السيسي يعبّر فيه من كل طريق أن شباب مصر موضع اهتمامه، اهتمامه بالقتل والمطاردة والاعتقال ويسمي ذلك إنجازاً مرة أخرى إنجاز الفشل وفشل الانجاز، وها هو يبشر في عام قابل بعام للمرأة وهو إيذان بإهانتها كما فعل مع الشباب، هذا ما اعتدنا من المنقلب في كل إعلان وفي كل مرة يقول أنه لفي حالة اهتمام، ويبشر الناس بأن للشباب وللمرأة عام.
إن هذا كله دفع أحد الشباب أن يكتب مقالته البديعة عن “دولة الفشل الجميل”، لخمس مؤشرات لدولة الفشل الجميل، جمعها في هذا الشكل التوضيحي لرؤية نموذج عملي لهذا الدليل، إنه دليل الدولة الفاشلة:
– زمن المؤامرة الجميل، وزمن أحزاب الفشل الجميل، وزمن وزارات الفشل الجميل، وزمن برلمان الفشل الجميل، وزمن جامعات الفشل الجميل، إنه تسويق في زمن السيسي للفشل الجميل في كل شيء، هذه المؤشرات غيض من فيض.
حينما نرى كل ذلك فإن سياسات الفشل التي أعلن عنها السيسي والحفاظ على دولة الفشل هو جلّ همه الحفاظ على الدولة، إنه التصور الخطير من جانب مستبد غادر يحاول أن يسوغ بطشه وغصبه وعجزه وفشله ويجعل من ذلك سياسة وإنجازا، إن الدولة الفاشلة لم تعد على العتبات حلت على مصر بفعل مثل هذه الخطابات وكل تلك السياسات.. إنه فشل الإنجاز وإنجاز الفشل.