قال الكاتب والأديب أحمد خالد توفيق إنه في مجتمع الفضيلة في مصر انتظر الآلاف من أولياء أمور طلاب الثانوية العامة تسريب الامتحان حتى يحصل عليه أبناؤهم قبل دخول الامتحان، ويمكن القول بلا مبالغة إن نصف مليون شخص دخلوا ذلك الموقع في الثامنة والنصف صباح الثلاثاء، بينما أولادهم بالثياب الكاملة على باب الشقة يتأهبون للذهاب للجان.
وأضاف في مقال له بموقع “اليوم الجديد” إنه مع الوقت تزدهر ثقافة الغش، ومن يخدع الدولة أو يأخذ فوق ما يحق له شخص بارع، ولم يعد وغدًا كما كان منذ أعوام، فكثيرون يفخرون بالحصول على أسئلة امتحان أو التلاعب بعداد الكهرباء أو خداع الرادار.
وأكد أن كل شخص قابل للإفساد .. حتى لو كان قد ظل قائمًا يصلي طيلة الليل. رأيت أمهات متدينات ينصحن أبناءهن بالغش: “وما تبقاش أهبل وغبي”..
وأشار توفيق إلى أن هناك هشاشة شديدة في الدولة، التي تهددها صفحة إنترنت، ومن الواضح أن الداخلية التي تعتقل من يشكو لنفسه همسًا أو يلبس تي شيرت عليه أغنية، غير قادرة على غلق صفحة فيس بوك والقبض على صاحبها، بل أنه ينفذ تهديداته حتى صار الأمر (الدولة ضد ياومنج).
وقال توفيق :”كنت أنوي ألا أكتب عن امتحانات الثانوية العامة لأسباب خاصة، ولكن ما حدث بعد تسرب امتحان الدين وتداول امتحان اللغة العربية، والضجة التي أثيرت حول تسرب امتحان الإنجليزية، كل هذا كان أقوى مني”.
وسرد توفيق قصة للساخر الأمريكي مارك توين، قام بترجمتها منذ أعوام، واسمها (الرجل الذي أفسد هادلبرج).
وتتحدث القصة عن بلدة عرفت بالفضيلة والشرف اسمها هادلبرج، وقد مر بها رجل غريب فتعرض للإيذاء والإهانة مما جعله يصمم على الانتقام. بعد أعوام يظهر رجل غريب في البلدة يتجه لبيت زوجين مسنين ليترك حقيبة ثقيلة ورسالة ويرحل.
الرسالة يقول صاحبها إنه كان معدمًا جائعًا منذ أعوام وجاء لهادلبرج، فرقّ قلب رجل كريم له ومنحه عشرين دولارًا يبدأ بها حياته من جديد، وقدم له نصيحة.
اليوم هو قد صار ثريًا ويريد تقديم هذه الحقيبة المليئة بالذهب (70 كيلوجرامًا) للرجل الذي أكرمه، والذي لا يعرف اسمه ولا شكله لأن الليلة كانت مظلمة.
الطريقة الوحيدة لمعرفة الرجل هي البحث عمن يعرف الكلمات التي قالها في تلك الليلة للغريب. من يعرف يأخذ الحقيبة بما فيها. هناك مظروف مغلق مع الحقيبة فيه الكلمات.. وهو يطلب فض هذا المظروف في المحكمة أمام سكان البلدة. بالطبع أشعلت رسالته هذه الجحيم في نفوس كثيرين .. راح الزوجان يفكران في أخذ المال أو فتح المظروف لمعرفة العبارة المطلوبة. على كل حال تم نشر الخبر في الجريدة، فجاءت صحافة أمريكا كلها لبلدة هادلبرج رمز الأمانة لترى هذا الحدث المذهل.
في هذه الفترة تلقى 19 من أعيان البلدة رسالة لكل منهم من رجل مجهول يقول إنه مدين له بخدمة، وإنه كان في الزقاق المظلم تلك الليلة ويعرف العبارة التي قيلت .. لقد قال المحسن للغريب: “أنت لم تنحدر إلى مرتبة الأشرار .. اذهب واصلح نفسك”.
هكذا يوقن كل واحد من التسعة عشر أنه وجد كنزًا. يأتي اليوم المهم .. ويقف عمدة المدينة في محكمة البلدة المزدحمة، والمظروف في جيبه، فتصل له تسع عشرة ورقة من أعيان البلدة، كل واحد يزعم أنه هو من أعطى الغريب عشرين دولارًا.
يفتح العمدة المظروف ويقرأ العبارة: ” أنت لم تنحدر إلى مرتبة الأشرار .. اذهب واصلح نفسك”. ثم يفتح أول إجابة من الأعيان فيجدها مطابقة .. يهنئ الفائز النبيل وهنا يكتشف أن نفس الإجابة مكتوبة في كل الأوراق. تتضح الحقيقة وهي أن اعيان البلدة الشريفة يكذبون جميعًا وقد تلاعب بهم شخص ما.
لم يقابل أي واحد منهم الغريب ولم يعطه مالاً. وهكذا يهلل الناس ساخرين ويفضحونهم .. ويفتحون الحقيبة فيجدونها مليئة بكتل الرصاص. لم ينج من الفضيحة سوى الزوجين المسنين لأن ورقة إجابتهما ضاعت. ولهذا يعتبرهما المواطنون رمزًا للشرف، ويجرون مزادًا علنيًا على محتويات الحقيبة، ثم يقدمون المبلغ الذي جمعوه للزوجين !! نعرف فيما بعد أن الزوجين جنا من فرط تأنيب الضمير والخوف من الفضيحة، وفي النهاية ماتا .. أما هادلبرج التي افتضحت في الولايات المتحدة كلها فقد غيرت اسمها !.
وأوضح توفيق ان خلاصة القصة أن الشرفاء ليسوا بهذا الشموخ الذي نحسبه. الحياة اختبار دائم ومن السهل أن تركل كل مبادئك إذا كان الإغراء قويًا.
وأشار إلى أن هذه القصة تكررت هذا الأسبوع في مصر… حيث نجح شاب في أن يفسد عددًا هائلاً من أولياء الأمور المصريين، الذين راحوا يتصيدون أخبار تسرب ورقة امتحان الإنجليزي في شغف، ويتبادلون المكالمات الهاتفية والأخبار، ويتمنى كل منهم أن ييسر الله له أمر الغش .. وفي يوم الاثنين 6 يونيو تم تداول أكثر من 60 امتحان لغة إنجليزية كل واحد قيل إنه الصحيح.
وأضاف انه تمادى الشاب في لعب دور (روبن هود) أو (جاي فوكس) الذي تراه في قناع فنديتا والذي تحدى الحكومة البريطانية، فأعلن أنه سينشر الامتحان الكامل يوم الثلاثاء على صفحته في فيس بوك في تمام الثامنة والنصف حتى لا تجد الوزارة وقتًا للتبديل. أعتقد انه رأى فيلم (شباب على الهوا) للمخرج عادل عوض كذلك.
وقال توفيق إن اسم الصفحة التي يعرفها الجميع اليوم هي (شاو منج) وهو نطق خاطئ لاسم (ياو ومنج) لاعب السلة الصيني الذي اشتهر بصورة وجهه الضاحك على الانترنت، ويمكن القول بلا مبالغة إن نصف مليون شخص دخلوا ذلك الموقع في الثامنة والنصف صباح الثلاثاء، بينما أولادهم بالثياب الكاملة على باب الشقة يتأهبون للذهاب للجان.
وأضاف انه جاء الامتحان مختلفًا عما نشره الفتى، وقال العالمون ببواطن الأمور الذين لا يمكن نفي كلامهم أو إثباته إن الامتحان الحالي امتحان بديل لذلك الذي تسرب. لا أعرف .. هذه قضية منطق (بوبرية) جديدة: لو جاء الامتحان مخالفًا لتوقعات الصفحة فلأن الحكومة عرفت وغيرته .. إذن متى يمكن قول إن الفتى فشل ولم يحصل على الامتحان ؟.
وتابع :” لكن الفتى حصل على الأسئلة على الفور بعد بدء اللجنة ونشرها، ليحدث الضباب التقليدي الشهير: “بالعكس .. لقد حصل على الأسئلة فعلاً.. لقد صدق في تهديده”، في مصر مع الشائعات والشكوك وهواية الحكومة للإنكار يستحيل أن تجد الحقيقة أبدًا”.
وأوضح حتوفيق انه تكررت قصة (هادلبرج) بالحرف، وانتصرت قيم الغش والتحايل. الصائمون الذين قضوا الليل يصلون التراويح ويقرءون القرآن، وجدوا من الطبيعي جدًا أن يحصلوا على أسئلة امتحان مسروقة ويجيبوا عنها. أي أننا لم نكف عن اعتبار الدين عبادات فقط، أما المعاملات فشيء آخر.
وقال توفيق :”أنا لم أهتم بالأمر، ليس عن أخلاق شامخة ومُثَل، ولكن لأن طبيعتي المتشككة جعلتني أعتقد أن الأمر كله لعبة أعصاب، وكففت عن متابعة أي شيء يُقال. برغم هذا أعتقد أن الأهل مظلومون: يعلّم المرء أولاده أن يكونوا أمناء وأن يعتمدوا على أنفسهم، ثم يُفاجَأ هؤلاء الأبناء بتسرب الأسئلة، وأن أي حمار يمكنه أن يجيب إجابة نموذجية تتفوق على إجاباتهم بكثير. الظلم خير تربة تنبت فيها الأخلاق المتعفنة. من يشعر بالغبن يبرر لنفسه أي شيء. إذا مت ظمآن فلا نزل القطر”.
وخلص توفيق إلى الدروس المستفادة من هذا النص، وهي:
1- الثانوية العامة منظومة فاسدة متداعية ويجب نسفها
هذه المنظومة يمكن لفتى يملك صفحة فيس بوك أن يزلزلها بسهولة ، ويستطيع اي عامل مطبعة مرتش أن يهزها. للمرة الألف أكرر أننا عاجزون عن تقديم سياسة تعليمية سليمة، ولابد من استقدام خبراء أجانب نكلفهم بكل شيء، بدلاً من كل هذا الغرور. ما لم تكن الدولة راغبة فعلاً في القضاء على التعليم؛ لأن الأمة الجاهلة أسهل في حكمها.
2- لابد من الاعتماد على متوسطات ثلاثة أعوام وأعمال السنة
ويرى أن هذا أقرب للعدل كما أنه يقضي على الدروس الخصوصية التي دمرت البيت المصري، ويعيد الطالب إلى المدرسة.
3- هناك هشاشة شديدة في الدولة، التي تهددها صفحة إنترنت، ومن الواضح أن الداخلية التي تعتقل من يشكو لنفسه همسًا أو يلبس تي شيرت عليه أغنية، غير قادرة على غلق صفحة فيس بوك والقبض على صاحبها، بل أنه ينفذ تهديداته حتى صار الأمر (الدولة ضد ياومنج).
4- مع الوقت تزدهر ثقافة الغش
من يخدع الدولة أو يأخذ فوق ما يحق له شخص بارع، ولم يعد وغدًا كما كان منذ أعوام. كثيرون يفخرون بالحصول على أسئلة امتحان أو التلاعب بعداد الكهرباء أو خداع الرادار.
5- كل شخص قابل للإفساد
حتى لو كان قد ظل قائمًا يصلي طيلة الليل. رأيت أمهات متدينات ينصحن أبناءهن بالغش: “وما تبقاش أهبل وغبي”..
6- من الصعب أن ينجح شيء هذه الأيام
حتى تسريب الامتحانات يفشل .. هذا مطمئن. جميل أن نفشل في الفشل .. هكذا نحن نسير نحو النجاح قدمًا .. فإلى العلياء والسؤدد.