شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

الثلاثي المفاخر بالتطبيع!

الثلاثي المفاخر بالتطبيع!
يقول: «وأنا وطني، ولا أرى أن إسرائيل تخطط لتدمير مصر أو التآمر عليها». يتبادر إلى ذهنك بعفوية لماذا هذه الجملة الاعتراضية التي من المفترض أنها طبيعية -وأنا وطني- قبل التفوه بالجريمة التطبيعية التي يرتكبها!

«إسرائيل لم تعد عدوة لمصر ولا أعتقد أنها تخطط للتآمر عليها أو تدميرها»، هذا ليس تصريحًا من الناطق باسم الخارجية الصهيونية أو سفيرها في القاهرة أو حتى الناطق السمج باسم جيش الاحتلال! بل هو تصريح أتى على لسان رئيس هيئة العمليات السابق في الجيش المصري «وهو منصب -كانت- له أهميته»، ومحافظ جنوب سيناء سابقًا «وهي محافظة اعتادت على أن يرأسها لواء جيش لأهميتها الأمنية والإستراتيجية».

تصريح اللواء سالف الذكر كان بمناسبة الذكرى الـ43 لحرب العاشر من رمضان– 6 أكتوبر 1973. وقد أعجبتني صراحته بقدر ما أساءتني وقاحته!

يقول: «وأنا وطني، ولا أرى أن إسرائيل تخطط لتدمير مصر أو التآمر عليها». يتبادر إلى ذهنك بعفوية لماذا هذه الجملة الاعتراضية التي من المفترض أنها طبيعية -وأنا وطني- قبل التفوه بالجريمة التطبيعية التي يرتكبها!

هذه الجملة أهم ما في التصريح، فهي تحمل اتهامًا أكثر مما تحمل تبريئًا! وهل يقول الوطني عن نفسه أنه وطني؟ إن هذا أشبه بالمرأة التي تقسم لزوجها يوميًا أنها شريفة، أو الفتاة التي تقسم لخطيبها حين تقابله كل مرة أنها عفيفة، أو تجري سيدة ما حوارًا صحفيًا لتعلن فيه أنها صاخ سليم!

إنها إدانة واضحة، وإحساس بأن هذا الكلام لا يصدقه عاقل، ولا يتفوه به وطني قط، إلى الدرجة التي تدعوه للتأكيد على قضية من المفترض أنها بديهية فيقول: «وأنا وطني»!

***

قد يتبادر إلى ذهنك سؤال: هل تغيرت العقيدة القتالية للجيش المصري إذن؟ لا يدعك قيادات هذا الجيش لكتاب المقالات والمحللين السياسيين ذوي النوايا السيئة أمثالي، فيخرج عليك وزير الدفاع بنفسه، وليس لواء جيش عادي أو سابق، ليعلن لك -بفخر أيضًا- منذ أسبوع أن العقيدة القتالية للجيش قد تغيرت بالفعل.

لِمَ؟ ولِمَ الآن بالذات؟ اختيار توقيت العاشر من رمضان للتصريح بمثل هذه التصريحات هو رسالة شديدة الأهمية للخارج، ليس فقط لإظهار التغيرات الدراماتيكية التي حدثت للجيش على يد الثلاثي «السيسي وصبحي وحجازي» وقادتهم من خلفهم في الجيش، ولكن للتفاخر بأن يكون هذا هو خطاب الجيش العلني، بعد أن ظل عقودًا يختبئ خلف شرعية أكتوبر، وأفلام الحرب التي حفظها كل بيت في العالم العربي!

الجيش المصري تحت قيادة الثلاثي المفاخر بالتطبيع يعلن أن قاطرة قطار التطبيع العلني في المنطقة، وأنه يؤسس لمرحلة جديدة يصبح التطبيع فيها هو الأساس والقاعدة، وهو ليس تطبيعًا اقتصاديًا أو سياسيًا فقط كما كان أيام مبارك، لكنه تطبيع عسكري وأمني على يد هذا الثلاثي.

***

منذ وقت مبكر أعلن رئيس الأركان الأمريكي مارتن ديمبسي في جلسة شهيرة أمام الكونجرس نقلتها مترجمة صفحة «كلنا خالد سعيد نسخة كل المصريين» أن الجيش المصري أصبح شريكـًا للجيش الصهيوني في محاربة الإرهاب!

كان الثلاثي وقتها يتجاهل كل التساؤلات حول هذه الاتهامات الخطيرة التي تمس سمعة الجيش وشرفه! ثم ها هم الآن يذهبون أبعد كثيرًا مما ذهب إليه القائد الأمريكي، الذي اتضح أنه كان متحفظـًا في كشف علاقة محرمة لم يتردد العسكر في البوح عنها، والمفاخرة بها، وهذه العلاقة أنجبت انقلابًا عسكريًا لقيطـًا مشوهًا يتبرأ منه الجميع، متمسحين بورقة عرفية كتبت ليلة الثلاثين من يونيو.

***

وحتى تعلم حجم التغير الذي قام به الثلاثي المفاخر بالتطبيع، فلك أن تتخيل أن الجيش المصري ظل حتى أيام مبارك «كنز إسرائيل» يتدرب كما لو كانت إسرائيل هي العدو، حسبما أفادت وثائق ويكيليكس، وهذا يعني أنه رغم الفساد والترهل الذي أصاب الجيش، إلا أنه لم يفقد عقيدته القتالية بعد، وهذا ما قام به السيسي!

الآن لم يعد التصويت لصالح الصهاينة في الأمم المتحدة حادثة، أو استثناء، أو فخًّا استدرجت مصر إليه كما برر البعض في المرة الأولى. هذه المرة تبع مصر دول عربية أخرى، مؤسسين بجمعهم الملعون مرحلة جديدة من «التفاخر بالتطبيع»، أو التطبيع الطبيعي!

وكما تساءل الأستاذ وائل قنديل في مقاله الرائع «عرب السيسي.. عرب إسرائيل»، ماذا تكون الخيانة إذا لم تكن هذه خيانة، أتساءل أيضًا: وهل كانت إسرائيل عدوًا فقط لأنها احتلت سيناء يوم 5 يونيو؟ أم لأن هذا عقيدة يؤمن بها كل مسلم وعربي، ولأن تحرير القدس الشريف والمسجد الأقصى أمر لا يخضع لحسابات السياسة والاقتصاد ومزاج قائد الجيش ورئيس الحكومة؟ أليست القدس وقفًا إسلاميًا، لا يجوز التفريط فيه مهما حدث مثل مكة والمدينة لا نفرط فيهما ولو فرط فيها آل سعود!

وإذا فرط الجيش في أرضه التي يمتلكها بالفعل، ودفع ثمن تحريرها غاليًا من جنود شجعان، رووا هذه الأرض بدمائهم، فما بالك بالأرض التي ضيعها الجيش وليست تحت أيديه أصلاً «فلسطين»؟

يخرج علينا ياسر رزق، الصحفي المقرب من السيسي، بتفسير عجيب، حيث قال إن تضحية جنود بدمائهم لتحرير تيران وصنافير ليس دليلًا على أنهما مصريتان! سبحان الله، هل الجيش وطني فلا يدافع إلا عن أرض مصر، أم قومي ملزم بمسافة السكة؟ أم إسلامي يؤمن بالجهاد وتحرير فلسطين؟

في جميع الحالات هو مدان، والظاهر أنه لم يصبح شيئًا من هؤلاء، بل أصبح مجرد جنود تأتمر بأمر إسرائيل، إذا أمرته بالتنازل تنازل، وإذا أمرت بتهجير أهل سيناء لم يقم بذلك لواء جولاني أو جفعاتي الصهيونيين بل الجيش الثاني الميداني، يا له من كابوس!



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023