كان واضحا وضوح الشمس منذ أيامه الأولى، ولم نكن نحتاج لكل هذه السنوات لكي نحكم عليه
يتساءلون كثيرًا عن رؤيته، ويعاتبونه على أنه لم يعلن بعد عن خططه واستراتيجياته الرئيسية والكبرى، أو عن توجهاته الفكرية والسياسية، وانحيازاته الاجتماعية والطبقية.
رغم أن كل ذلك واضح وضوح الشمس لمن يريد أن يرى!
· فهو مع ثورة يناير فيما يخص ازاحة حسنى مبارك فقط، وافشال مشروع التوريث، فلولاها لما أصبح وزيرًا للدفاع و رئيسًا.
· ولكنه فيما عدا ذلك مباركيًا أصيلًا، يدافع عن النظام الذي ينتمي إليه، والذي خدم في مؤسساته وتقلد فيه كل مناصبه، ولذا يستميت لإعادة إحياءه واسترداد هيبته وسيطرته على كل أجهزة الدولة ومؤسساتها من شرطة وقضاء وإعلام، والانتصار والثأر لتحالفته وانحيازاته الرئيسية، مع الحرص الكامل على تصفية كل مكتسبات ثورة يناير وأحلامها في الحرية والكرامة والعدالة، التي يعتبرها كوارث.
· لقد تربى في مدرسة أن الرئيس هو الدولة هو مصر، لا مكان فيها لمن يعارضه، واليوم أصبح هو ناظر هذه المدرسة.
· تستطيع أن تعتبره نظام مبارك الفتاة، مبارك موديل 2015، أو “بن على” تونس 1987.
· وهو ساداتيًا حتى النخاع في توجهاته الاقتصادية وانحيازاته الاجتماعية والطبقية، رأسمالي التوجه شديد الالتزام بتعليمات صندوق النقد الدولي وكتالوج النيوليبرالية، يؤمن بالاقتصاد الحر وريادة القطاع الخاص، وفتح الأسواق للرأسمال الأجنبي، وتشجيعه بكل التسهيلات والإعفاءات أو التخفيضات الضرائبية. ورفع يد الدولة عن الاقتصاد، وإلغاء الدعم وإفقار الناس وتجاهل مطالبهم واحتياجاتهم، وتعويم الجنيه والخصخصة وتحصين صفقاتها. وهو يؤمن بأن القطاع العام ودعم الفقراء خرب البلد. وينتقد طول الوقت العمالة المصرية التي لا تنتج بقدر أجورها، ولكنها تنشط في الإضرابات والمطالب الفئوية التي تعطل الإنتاج وتضرب الاقتصاد.
· ولكنه قد يستدعي الخطاب الاشتراكي وقت اللزوم مع خصومه من رجال الأعمال، حين لا يتبرعون له ولصناديقه بما فيه الكفاية، أو حين تستضيف إحدى قنواتهم الإعلامية معارضًا أو ناقدا لسياساته، حينئذ يتهمهم بالسرقة وتهريب الأموال، والفساد والرشوة، والتهرب من الضرائب، ويطلق صبيانه لابتزازهم، ملوحين بالتأميم والمصادرة.
· وهو “ساداتيًا أرثوذكسيا” أيضا في تحالفه مع إسرائيل وتنسيقه معها وفي إخلاصه الوجداني غير المحدود للسلام معها. بل أنه يعتمد عليها في حلحلة الموقف الأمريكي والدولي تجاهه، وهو ما نجح فيه بجدارة، فلأول مرة في التاريخ، تضغط إسرائيل على الإدارة الأمريكية لاستئناف المساعدات العسكرية لمصر.
· ولكنه يستدعي الخمسينات والستينات حين يتعلق الموضوع بقضايا الحريات السياسية، أو الدفاع عن تغول الأجهزة الأمنية وتجاوزاتها، أو باعتقال وإعدام الخصوم السياسيين، أو حين يريد نقد الأحزاب وتشويهها وتهميشها، أو تمرير تزوير الانتخابات أو الترويج لخطورة الحرية والديمقراطية على الأمن القومي.
· وهو يستدعي هذه المرحلة أيضًا في مواجهة المطالبين بدولة مدنية، ويؤكد دومًا على تفوق العسكريين في الحكم والإدارة، ويستخف بالمدنيين ويحتقرهم ويتهمم بالفشل والعجز الذي كاد أن يضيع البلد بعد “كارثة” الثورة. ويؤكد في كل مناسبة على أن الجيش هو الحل الوحيد، ولذا يركز رجاله دائما على أن عبد الناصر بكل زعامته ووطنيته كان عسكريًا.
· يرسم له إعلامه ورجاله أمام الكاميرات، صورة الرجل الوطني المعادي للأمريكان، ولكنه في الحقيقة وفي الكواليس هو حليفًا مخلصًا وأمينًا لهم. قالها صراحة في حديثه لصحيفة وول ستريت (( بأن علاقته الاستراتيجية بأمريكا أهم لديه من أى شيء آخر، وأنه لن يدير ظهره لها أبدًا، حتى لو أدارت له ظهرها.)) وهو يعمل على صيانة ودعم وتجديد التحالف العسكري معها، ويحرص على مواصلة تقديم كل التسهيلات والتشهيلات لقواتها في قناة السويس والمجال الجوي وفي كل حملاتها العسكرية في المنطقة. كما أنه على غرار أسلافه، يقبل ويبارك استمرار وجود قواتهم في سيناء ضمن الـMFO.
· صحيح أنه حريص على تنويع علاقاته الخارجية مع الدول الكبرى، ولكن بالقدر الذي يثير الإدارة الأمريكية ويدفعها إلى الرضا عنه والاعتراف بشرعيته، وتجديدها لدور مصر الحليفة والتابعة تحت قيادته.
· وهو أسد على شعبه وخصومه ومعارضيه، وحمامة أمام الأمريكان والأوربيين وإسرائيل ومجتمعهم الدولي.
· ومشكلته مع هذا المجتمع الدولى، ليس هي قضية الاستقلال والتحرر من التبعية التى كنا نحلم بها دائما، وإنما هدفه الرئيسي هو الاعتراف الدولي بشرعيته، بأى ثمن.
· وهو تاجر شاطر، يجيد عقد المقايضات الدولية، اشترى رضا واعتراف فرنسا، بـ 5.2 مليار دولار قيمة صفقة الـ 24 طائرة الرافال، ورضا واعتراف ألمانيا بـ 8 مليار يورو قيمة صفقة محطات الكهرباء مع شركة سيمنز.
· وهو قومي عربي حين يتعلق الأمر بأموال السعودية والخليج، ولكنه شديد العداء للعروبة في كل ما يتعلق بفلسطين والصراع العربي الصهيونى، أو بالمشروع الأمريكي في المنطقة وحروبه بالوكالة.
· هو يصرح على الدوام، مثله مثل باقي الحكام العرب، على أهمية القضية الفلسطينية ومركزيتها، ولكنه يحاصر الفلسطينيين في غزة ويغلق معبر رفح رغم هدمه الأنفاق التي رفض مبارك هدمها. وينحاز إلى إسرائيل في عدوانها الأخير على غزة، ويشيطن الفلسطينيين، ويتفهم مخاوف إسرائيل النووية حسب تصريحه الشهير مع الواشنطن بوست.
· وهو علمانيًا مع العلمانيين ضد خصومه من الإسلاميين، يهاجم توظيفهم للدين سياسيًا، ويتهمهم بالتخلف والانتماء للعصور الوسطى، ويستشهد بتقدم الغرب بعد نجاحه في فصل الدين عن الدولة. ويستخدم هذه الورقة كثيرا في مغازلة الغرب، الذى يطلق عليه بعض إعلاميوه لفظ “المصلح المنتظر للإسلام”!
· ولكنه يغير موقفه 180 درجة، ويتراجع تمامًا عن فصل الدين عن السياسة، حين يقوم بتوجيه وتوظيف المؤسسات والقيادات الدينية، للترويج له ولسياساته.
· وهو مع الأحزاب فقط حين تطالب بإقصاء الإسلاميين، ولكنه ضدها حين تريد القيام بأى دور سياسي حقيقي ومستقل، فحينئذ يعمل على تشويهها وعزلها وإضعافها وتهميشها.
· هو يؤكد دومًا على قرب إجراء الانتخابات البرلمانية، ولكنه لا يريدها إلا بعد أن يضمن أنها ستسفر عن برلمان أليف وتابع وخاضع، ولذا تتآمر أجهزته طول الوقت لتعويق أو إجهاض أي احتمال لوجود برلمانًا مستقلًا أو معارضة حقيقية.
· هو مع حرية الإعلام حين يدعمه ويدافع عنه ويروج له ويأتمر بأوامره ويحرض ضد خصومه ومعارضيه.
· ولكنه ضده حين يعارضه أو ينتقده، لا تأخذه في ذلك رحمة بأى صحيفة أو قناة أو كاتب أو إعلامى، فيطلق عليهم أجهزته وصبيانه للإغلاق أو للتشهير والتخوين.
· وبصفته ضابط مخابرات سابق، فإنه يجيد توظيف ما لديه من ملفات ومعلومات وأسرار عن فرقاء السياسة والإعلام والفن والثقافة، في الضغط والترويض والتجنيد والمساومة والإغواء والاحتواء، ليشكل منهم ظهيرًا سياسيًا نخبويًا، يضفى عليه شرعية شعبية زائفة.
· يدافع كثيرًا عن خريطة الطريق والديمقراطية والانتخابات النزيهة في اللقاءات الدولية، ويعصف بها في الممارسة الحقيقية.
· يكره الحريات السياسية وحقوق الإنسان حتى النخاع، ويعاديها ويتهمها دومًا بأنها تهدد الأمن القومي.
· يدافع بشراسة عن استقلال القضاء المصري في المنابر الدولية، ويقسم أنه لا يتدخل في شؤونه وليس له سلطة عليه. أما على أرض الواقع، فهو من أهم أدواته التنفيذية للعصف بمعارضيه.
· يهاجم صناديق الانتخابات حين تأتي برئيس من خارج الجيش ويدافع عنها حين تأتي به. ويعاقب كل من تجرأ على التفكير في المنافسة أو المشاركة في حكم مصر، بالتصفية قضائيًا أو سياسيًا أو “معنويًا”. تمامًا على غرار ما حدث مع نعمان جمعة و أيمن نور بعد الانتخابات الرئاسية في 2005.
· يدافع عن 30 يونيو و 3 يوليو، فيما أعطته من غطاء سياسي للاستيلاء على السلطة، ولكنه بعد ذلك يهاجم كل شركائه فيها، ممن صدقوا خريطة الطريق ويطالبوا بتفعيل الدستور وتداول للسلطة وبديمقراطية حقيقية.
· يكافح الارهاب في مصر مرة، ويتاجر به مرات، ولكنه يمارس إرهاب الدولة ضد معارضيه ألف مرة.
· فهم يحكمون الشعب المصري اليوم بسلاح الخوف، يختلقون أخطارًا وهمية، أو يضخمون الأخطار القائمة، لإثارة الرعب بين الناس؛ الرعب من الإرهابيين والإسلاميين، ومن شباب الثورة أو من أي صوت معارض، ومن مصير سوريا والعراق، ومن المؤامرات الخارجية والطابور الخامس والجيل الرابع والفوضى وانهيار الدولة…إلخ، ثم بعد ذلك يعصفون بحقوقنا وحرياتنا بذريعة حمايتنا من الأخطار التي اختلقوها.
· وسيكتب عنه التاريخ أنه صنع بيديه أخطر بيئة حاضنة لتفريغ الإرهاب والإرهابيين، دفعت آلاف من الشباب إلى الكفر بجدوى السلمية.
· أليس هو صاحب التحذيرات القديمة الشهيرة، بخطورة تهجير اهالي سيناء، وإخلاء الحدود، واستخدام القوة في مواجهة السكان، لما يمكن أن تؤدى إليه من غضب شعبي وتفشي الإرهاب وحرب أهلية طويلة. قبل أن يصدر قراراته الأخيرة، بتهجير الأهالي وهدم المنازل لإقامة المنطقة العازلة التي لطالما طالبت بها إسرائيل.
· يقدم خطابا هادئًا مهذبًا ودودًا معتدلًا في لغته ومفرداته، ولكنه يطلق إعلامييه على المعارضين، ليتولوا بدلًا منه مهام السب والقذف والتشويه، التي لم نراها من قبل في أسوأ عصور الاستبداد.
· لقد خلق أجواء مسمومة، خانقة الجميع، تزخر بالابتذال والنفاق والمنافقين والحصار والحظر والتهديد والترهيب والتحريض والكراهية والانقسام، مع إغلاق كل المنافذ للتعبير أو التنفيس أو الدفاع عن النفس في مواجهة حملات الظلم والتشهير والتخوين.
· فى أحاديثه، يعطيك انطباعًا بأنه لا يستطيع أن يؤذى بعوضة، ولكن ملف حكمه حافل بجرائم القتل والتعذيب والاعتقالات والإعدام بالجملة والعصف بالحقوق والحريات.
· يتحدث كثيرًا عن وعوده المستقبلية وانجازاته الداخلية ومشروعاته القومية ومؤتمراته الاقتصادية ومقاومته للفساد…الخ، ولكن مع شيوع القهر والقمع والاستبداد، وفي ظل إعلام مؤمم وموالي ومنافق، وفي ظل تعتيم وانعدام كامل للشفافية، ومع غياب للبرلمان ولأى رقابة شعبية، وقتل للسياسة وتضييق ومطاردة للمعارضين، وهيمنة كاملة على السلطة القضائية… الخ، في ظل كل ذلك، من يستطيع أن يميز الحقائق من الأكاذيب؟ ومن يستطيع أن يناقش ويفند وينتقد ويكشف؟
· وهو صاحب شخصية نرجسية، تفشل فلاتره كثيرا في إخفائها، وتفضحها بعض تصريحاته “المرتجلة”، وآخرها كان تصريحه الغريب “الطريف” غير المسبوق مصريًا أو عالميًا من أي رئيس أو مسؤول، في لقاءه بالجالية المصرية في ألمانيا، حين قال أن الله منحه هبة أن يكون كالطبيب القادر على الفهم والتشخيص. وأن ساسة العالم وفلاسفته ومخابراته وإعلامه أصبحوا يتسابقون اليوم للاستماع إليه والتعلم منه.