شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

رسالة إلى شباب الإخوان

رسالة إلى شباب الإخوان
تتطلب اللحظة الراهنة طاقة الشباب بكل تنوعها واندفاعها. ليس من المفيد للثورة أو الأمة أن يسير الشباب في هكذا لحظة بخطى وئيدة متمهلة كخطى تنظيم كبير ومعقد مثل جماعة الإخوان خاصة وهو يعاني من وضع أمني شديد القسوة

تتطلب اللحظة الراهنة طاقة الشباب بكل تنوعها واندفاعها. ليس من المفيد للثورة أو الأمة أن يسير الشباب في هكذا لحظة بخطى وئيدة متمهلة كخطى تنظيم كبير ومعقد مثل جماعة الإخوان خاصة وهو يعاني من وضع أمني شديد القسوة، كما يعاني من ارتباك في الأداء وإنقسام داخلي غير مسبوقين.

ليست هذه دعوة للعزوف عن التنظيم، أو تجاهل تناقضاته وأزمته الداخلية، بل يجب الانخراط الواعي فيها والعمل على إيجاد حلول لها، وضمان أن يفضي التدافع الحالي إلى طور جديد من عمر الجماعة يعاد فيه تعريف دورها بما تتطلبه لحظة المخاض الكبير التي تمر بها الأمة. 

لكن ليس من المفيد للشباب وليس من مصلحة الجماعة نفسها أن يستوعب هذا الخلاف والتدافع جل طاقاتها ومواردها. للشباب مهام أخرى ومسارات عمل لا يجب تعطيلها بسبب الانشغال بخلافات التنظيم، أو في انتظار حل هذه الخلافات.

كانوا شبابا 

لم تتوفر لـ«حسن البنا» من الموارد والفرص والخبرات أكثر مما هو متاح لكثير من شباب الجماعة اليوم. كذلك، لم يكن لدى جيل التأسيس الثاني من شباب الجامعات ما يجعل تكرار تجربتهم أمرا بعيد المنال. كلٌ أتيحت له فرصة، وتهيأت له لحظة أجاد فهمها والتعبير عن همومها والتصدي لمتطلباتها (لحظة سقوط الخلافة وتفتت الأمة في مواجهة الاستعمار الغربي وموجة التغريب في حالة حسن البنا – ولحظة صعود المد الإسلامي مدفوعا بعوامل اجتماعية وسياسية وروحية في السبيعنيات). 
تأثر «حسن البنا» بتجربته الشخصية مع أنماط العمل الإسلامي السائدة آنذاك، الطرق الصوفية الروحية وتجارب المصلحين الإسلاميين ذات الأبعاد السياسية: السيد «جمال الدين الأفغاني» والإمام «محمد عبده» والإمام «عبدالرحمن الكواكبي» والشيخ «محمد رشيد رضا» وأخيرا تجربة الجمعية الشرعية. لم يتقيد بأي من تلك التجارب، لكنه استوعبها وألهمته في بعض جوانبها بصورة ما. كذلك توفر لجيل السبيعنيات حصيلة تجربته الذاتية في العمل الطلابي، ثم تكامله مع نخبة من أبناء الحركة الإسلامية الذين حملوا خبرة التأسيس الأولى، نجاحها الباهر ثم محنتها الكبرى على حد سواء. لم يتنكر الشباب للشيوخ، كما لم يحاصر الشيوخ الشباب، وأطلقت طاقاتهم في مسارات السياسية والعمل العام جنبا إلى جنب مع مسار بناء التنظيم الجديد نفسه وإدارته على حد سواء. 

في حالة «البنا»، كما في حالة جيل السبعينيات لعبت الكاريزما والمواهب الشخصية الفريدة دورا مهما أيضا. وليس ثمة ما يمنع أن يفرز جيل الشباب الحالي حالات مماثلة.

يمتلك الشباب الآن نصيبهم الوافر شديد الثراء. حالة الثورة والتدافع الطاحن على مستوى الإقليم ليس لها عدل، وتمثل مناخا أكثر إلهاما وخصوبة وحيوية لم تشهده الأمة منذ عقود. كذلك، توجد التجربة الحركية والتنظيمية الإسلامية بما تمثله من مستودع هائل لخبرة لم تكن متاحة على الإطلاق لـ«حسن البنا» نفسه وجيله المؤسس، كما لم تكن بهذا القدر من الوضوح لدى جيل السبعينيات الذي لم يكن له حظا من تجربة الحركة الإسلامية إلا قصصا متناثرة هي كل ما نجا من فترة القمع الناصري. يمتلك الشباب الآن ثورة معلومات وثورة اتصالات، تراكم كبير في العلوم الاجتماعية والدراسات الفكرية والحركية التي انعكست أكثر على المزيد من الفهم لمسيرة الحركة الإسلامية وتطور الدول والمجتمعات العربية، وفوق كل ذلك حالة ثورية وروح جهادية تهيمنان على المنطقة عموما في انتظار من يتلقفها ويعبر عنها ويعمل على تحقيق متطلباتها.

من هذا المنظور، ليس من المقبول أن تستمر حالة الشتات الراهنة. ليس من المفيد العيش في ظلال «المذبحة» وبناء سردية كربلائية للثورة تقوم على البكائيات وتكريس حالة المحنة والاستضعاف. هذا وقت صناعة سرديات التحرر والجهاد والمقاومة، والإيمان الحق بها، وهي أمور تتطلب عملا جادا متواصلا، ومثابرة لا تعرف الكسل أو الإحباط، وترفعا عن المعارك الجانبية. ليست هذه مهمة الشباب وحدهم بطبيعة الحال، لكنّها مهام لن تتم بغيرهم. لذا آن الأوان كي يعيد شباب الإخوان حساباتهم وأن يقفوا وقفة مراجعة لأدائهم خلال السنوات القليلة التي مرت من عمر الثورة منذ لحظتها الأولى في يناير 2011.

المسؤولية الفردية

لا شك أن العمل الجماعي هو الصيغة البديهية لخوض الصراعات الكبرى. لكنه في كل الأحوال لا يسقط مسؤولية الفرد الشرعية والأخلاقية عن دوره في الحياة وفي مسيرة التدافع بين الخير والشر. تذخر أدبيات الإخوان التقليدية بالتأكيد على هذا المعنى/المبدأ، وتؤكد على مسؤولية الفرد أمام ربه يوم الحساب. لكنّ مركزية التنظيم الشديدة، ونمط أدائه المفرط في تهميش دور الفرد كفاعل مستقل ومبادر لحساب الفعل الجماعي الهرمي (لأسباب مركبة ليس هذا مجال تناولها)، أدى إلى حالة من الاتكال على التنظيم وانتظاره لخلق مسارات العمل وتفعيل الأعضاء فيها. لذلك، إذا توقف التنظيم أو أصاب مسارات عمله العطب – كما هو الحال لآن – ينصرف همّ كثيرين، وربما الغالبية، إلى لوم التنظيم وتحميله مسؤولية غياب الفعل الإيجابي، وربما فقد الكثيرون أي معنى لكونهم دعاة أو ثائرون أو ناشطون …الخ إذا لم يوفر لهم التنظيم ما يعبرون بها عن هذه الأدوار.

الحقيقة أن التنظيم يستحق اللوم لا لأن أدواته أو عقله أصابه العطب، ولكن لأنه أخفق – بنسبة ليست قليلة – في بناء شخصية تتمتع بالقدر الكافي من المبادرة والثقة والقدرة على الفعل الذاتي دون التعويل الحصري على توظيف التنظيم لأعضائه وتوجيههم في مسارات عمل كبيرة ومركزية.

في شهادته على العصر، ذكر المرحوم الدكتور «فريد عبد الخالق» خلاصة حوار دار بينه وبين الإمام «حسن البنا» عقب أحد الاجتماعات العاصفة لمكتب الإرشاد. أعرب «عبد الخالق» لـ«البنا» عن قلقه من حال الإخوان من بعده إذا كانوا الآن وهو بينهم يختلفون بهذه الطريقة. لكنّ «البنا» قال له ما خلاصته: «إذا كان حال الإخوان مع مرشدهم الميت (يقصد نفسه) أفضل من حالهم مع مرشدهم الحي (أي من سيأتي بعده) إذا فما ربيت أحدا». إخفاق القيادة والتنظيم من معالمه الرئيسية أن تعجز المناهج التربوية والثقافية والممارسة الإدارية والتنظيمية عن إنتاج الأفراد القادرين على العمل بصورة ذاتية مسؤولة، والذين سيعملون هم كقاطرة للتنظيم إذا أصابه الخلل، تعيد الروح في أوصاله، بدلا من البكاء إلى جواره على تردي الأداء وغياب الفعل.

مبادرات لا مركزية

ليس هذه محاولة لتحديد ما يجب فعله على مستوى الإجراءات، هي فقط مجرد أفكار لإطلاق نقاش من هذا النوع بين شباب الجماعة عموما، في الداخل والخارج، بحيث تتدارس مجموعات الشباب فيما بينها مسارات الفعل التي يجب أن تبادر إليها كي تملأ الفجوات الهائلة الراهنة وفق الإمكانات المتاحة لها. 

هذا وقت المبادرات الصغيرة، وربما مرحليا شديدة الصغر (مجموعات في المدن أو الأحياء أو حتى عبر شبكات التواصل) تعمل بصورة أفقية على مبادرات تحددها هي، ثم لاحقا قد تتطور إلى تكامل بين مثيلاتها في أماكن أخرى بحيث تتحول الجهود الصغيرة إلى أكبر، والمجموعات الأفقية المتناثرة إلى شبكات مرنة يمكنها تطوير أدائها. 

على سبيل المثال، فيما يخص رؤية الجماعة والمراجعات التي يجب أن تقوم بها. على عكس ما يفترض الكثيرون، ليست مهمة إجراء مراجعات شاملة لعمل الجماعة ودورها الدعوي والسياسي والاجتماعي – تفضي إلى صياغة رؤية مستقبلية – مهمة حصرية للجان متخصصة وقيادات تاريخية. بالتأكيد لا يمكن أن تتم المراجعات وعملية صياغة الرؤية بمنهجية علمية دون الاستعانة بلجان وخبرات من هذا النوع. لكن رؤية الجماعة لا يمكن أن تصاغ بمعزل عن شبابها. الرؤية في جزء رئيسي منها تحديد لخيارات المستقبل، والمستقبل بصورة رئيسية هو حلم شباب الجماعة وهم أولى بالتعبير عن طموحاتهم. كيف كانت الجماعة؟ وكيف يجب أن تكون؟ الإجابة على تساؤلات من هذا النوع يجب أن يشغل بال مجموعات من شباب الجماعة، ويجب أن يبذلوا الكثير من الأوقات في الإجابة عليها والنقاش حولها والكتابة كذلك. يجب أن يعمل الشباب على وضعها على أجندة النقاش الداخلي في الجماعة، داخل الأسر وفي الكتائب والندوات …الخ. 

ملفات كثيرة من هذا النوع، وغيرها، سواء اتخذت طابعا فكريا أو تنظيميا أو سياسيا أو إعلاميا …الخ يمكن لمجموعات شبابية محدودة أن تتبناه وتعمل عليه بالتعاون مع غيرها وصولا إلى تقديم ما يمكن البناء عليه في أطر أوسع. فقط الأمر يتطلب الخروج من حالة السخط أو الإحباط أو اللامبالاة أو انتظار معجزة ما.  طبعا ثمة مجموعات بالفعل تعمل بالفعل دون تراخي، وربما حققت حالات نجاح، لكنها ما زالت محدودة ولم تتحول إلى ظاهرة عامة يمكنها التكامل أو التنسيق فيما بينها.

ليست هذه محاولة إلى خلق كيانات جديدة. بالطبع هذا هو هاجس المرحلة ولعنتها! حساسية التنظيم تجاه أي فعل لا يتبع هيكل الجماعة التقليدي بلغت الآن ذروتها نتيجة للأزمة الداخلية. لكنّ لا يجب أن يمثل هذا سيفا مسلطا لتعطيل أو تقييد حاجة الشباب إلى إطلاق طاقاتهم واختبار قدراتهم على العمل والإبداع في مسارات لا تمثل بدائل تنظيمية ولا تهدف إلى تحدي التنظيم. على العكس، نجاح هذه التجارب وتطويرها سيكون هو الرافعة الأساسية لعمل الجماعة مستقبلا، وسيقدم عدة نماذج للجماعة يمكنها أن تتبنى منها بصورة مركزية ما يناسب أولوياتها وتوظف فيه المزيد من الطاقات المعطلة. كما أن مخرجات هذه المبادرات ستكون أصلا موجهة إلى الجماعة، قيادتها وعموم أعضائها على السواء.

كذلك، ليست هذه محاولة لتصوير الشباب كطائفة مختارة. وليست دعوة لهم كي يديروا ظهروهم لغيرهم داخل الجماعة. ليس من المنتظر أن يحقق الشباب الكثير دون التكامل مع خبرات غيرهم داخل الحركة، ولا يجب أن ينعزلوا عن عموم شرائح الجماعة التي ليست أقل منهم همة أو اهتماما. لكنّ الشباب دون غيره يجب أن يبادر ويسبق بخطوات وسيجد يقينا دعما وتوجيها من كثيرين داخل الجماعة وخارجها على حد سواء.

لم يعد التهديد الرئيسي لبقاء جماعة الإخوان كتنظيم متماسك هو حملة القمع الأمنية، ولكن غياب الرؤية والتناقضات الذاتية ومعضلة التغيير داخل الجماعة نفسها. بالتأكيد تأثرت قاعدة التنظيم الاجتماعية بصورة فادحة، وتأثر التنظيم نفسه بسبب القمع الأمني عقب الانقلاب، لكن تقييم الضرر الواقع عليه بعد نحو ثلاثة أعوام لا يوحي أن هذا التنظيم في طريقه إلى الزوال أو الانقراض، إلا إذا تفاقمت أزماته من الداخل ودخل في دوامة الانقسامات والصراعات الداخلية، وفقد دوره الرئيسي كمعبر عن تطلعات الأمة في التحرر من منظومة الاستبداد والاستعباد. 
اللحظة الراهنة بأبعادها الثورية في انتظار من يعبر عنها بوعي ومسؤولية، قيام الإخوان بهذا الدور رهن بأداء شباب الجماعة وقدرتهم على امتلاك زمام المبادرة.

 



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023