“حماة الديار” .. حركة جديدة بدأت تنتشر على الساحة اللبنانية لتضاف إلى الحركات والمليشيات المسلحة التي تشهدها لبنان، إلا أن هذه الحركة كما يصفها المراقبون “غامضة الأهداف”، والمقصود بها هو تشكيل مجموعات شبابية في كل المناطق اللبنانية ومن كل أطياف المجتمع لتساند الجيش في معركته ضد الإرهاب، وهو الهدف المعلن من الحركة ذاتها إلا أن الأهداف الحقيقية لم يتم الإفصاح عنها.
مؤيدة للجيش
يطرح اسم “حماة الديار”، وهو نفس عنوان النشيد الوطني السوري، العديد من التساؤلات حول أهدافها وظروف نشأتها، كما يثير المخاوف من أن تتحوّل هذه الحركة “المدنية” إلى مليشيا تُشبه “الحشد الشعبي” العراقي.
لكن النسخة اللبنانية من “حماة الديار”، تُعرّف عن نفسها كـ”حركة مدنية تدعم الجيش والقوى الأمنيّة ضد السرقة والفساد والمخدرات” كما يقول رئيسها رالف الشمالي.
على صفحة الحركة على”فيس بوك” مقاطع فيديو مؤيدة للجيش، وبطاقات دعوات لأنشطة برعاية قائد الجيش العماد جان قهوجي، وأناشيد تفيد بأخذ الثأر من الإرهابي، “ناخذ بثأر الارهاب، قوي الصوت وصراخ بوج القناص، وخلي الدني تشتي قواص”، في حماسة جلية لفتح المعارك والمشاركة فيها ربما منفردين أو إلى جانب الجيش، ولرفع مستوى التشجيع والتحفيز.
انطلاقة من الشمال
ومن الشمال، حيث الأغلبية من السنة والمسيحيين وأقلية علوية في جبل محسن بطرابلس، ولدت هذه الحركة، لتشكل، بأغلب أفرادها العلويين وقياداتها المسيحية، خلية نائمة لحزب الله تنتظر ساعة الصفر للكشف عن حقيقة إطلاقها.
جمعية مرخصة
“لا أهداف عسكرية لنا”، هكذا يقول رئيس الحركة رالف الشمالي :”نحن جمعية مرخصة من وزارة الداخلية، وهدفنا دعم الجيش والمؤسسات الأمنية، نريد دولة قانون ومؤسسات لا أكثر”.
الانتشار في المدارس
وبحسب الشمالي، حركة “حماة الديار” اللبنانيّة ليست مليشيا وليست أمنًا ذاتيًا هي حركة مدنية داعمة للجيش، يجول أعضاؤها على المدارس والجامعات لتقريب الطلاب إلى المؤسسة العسكرية.
ويقول الشمالي:”نحن نجري تدريبات على اللياقة البدنية في الثكنات، بعد طلب إذن قيادة الجيش، ويُشارك معنا طلاب”، يضيف الشمالي، قبل أن يؤكد أنها تدريبات بدنية وليست عسكرية.
وعن السبب وراء ذلك، يتابع “نريد أن نكون جاهزين للدفاع عن أنفسنا إذا وصل الإرهاب إلى بلدنا لن نتفرج على الإرهاب يدخل البلد ويغتصب نساءنا”.
يُفترض بحركة كهذه أن تكون على ثقة بقدرة الجيش على حماية البلد من الإرهاب. هي تسوّق لقدرات الجيش و يردّ الشمالي على هذا الافتراض بالقول إن “هناك مليوني سوري في البلد، نصفهم دخلوا بطريقة غير شرعية، وهناك مخيمات اللاجئين الفلسطينيين. أليسوا إرهاباً؟” جوابه هذا، ترجمة فعليّة لخطاب عدد من القوى السياسيّة اللبنانيّة، الذي يرتكز على خلق “فزاعة” اسمها اللاجئون.
تشكيل الحركة
الحركة لا تزال في طورها التشكيلي الأول، رغم قيامها بنشاطات عدة منها التخييم والتدريب ونشاطات عامة ورسمية أخرى، لكن ما استفز كثيرين من أهالي الشمال خصوصًا، ومن أهالي المناطق السنية الأخرى، ثلاث إشارات: الأولى تمثل باسم الحركة “حماة الديار”، وهي العبارة التي يبدأ بها النشيد الوطني السوري الذي بالفطرة يحدث توجسًا وحذرًا في نفوس من ذاق من النظام الويل، ويجعله يرفض كل ما هو شبيه له بالاسم أو الشكل أو المضمون.
والثانية ظهور عناصر الحركة وهم يتنقلون بالباصات الخاصة بالجيش اللبناني ودخولهم الثكنات وإقامة تدريبات عسكرية لهم مع إطلاق رصاص داخل الثكنات، وهو ما اعتبره الشمالي بـ”الامر العادي” ويحصل في كل دول العالم، حيث تحصل على “إذن مسبق من قيادة الجيش لفعل ذلك”.
أما الإشارة الثالثة التي زادت منسوب الرفض الكلي للحركة أيًا تكن أهدافها، فتسجيل صوتي عبر الواتسآب يتهدد به المسجل بالوعيد من كل من يرفض الحركة أو “يغبر على صباطها”، في عودة جديدة إلى لغة “الصبابيط” التي تخطاها الزمن في لبنان، لكن الشمالي يبرر ذلك بأنه جاء ردًا على فيديو لتنظيم “داعش” يهدد الحركة والجيش اللبناني و”هو جاء من أحد الأشخاص وليس ردًا رسميًا”.
وكانت الحركة قد شهدت في اليومين الماضيين انشقاقات عنها في مناطق باب الرمل والميناء والمنية بسبب “خروج قيادة الحركة عن الأهداف التي أسست من أجلها”، كما قالت بيانات المنشقين. وعلمت “المدن” أن اتصالات جرت بين مسؤولين في الحركة في الشمال وبين رئيسها رالف الشمالي قيّمت فيها ما اعتبرته “مضايقات يتعرض لها عناصرها في طرابلس”، وطرحت امكانية تقديم استقالات جماعية حرصاً على عدم إحداث خلل أمني أو اشتباك مع أي طرف. لكن حصول العناصر على ضمانات، أهمها الحماية، حالت دون ذلك.
تابعة لحزب الله
ويقول مراقبون إن “حماة الديار”، التي يتركز وجودها في شمال لبنان ويترأسها رالف الشمالي، تزعم أنها حركة مدنية، إلا أنها ليست إلا ميليشيا تدعمها جهات لها غاياتها في بلد يشهد استقطابا مذهبيا وغيابا للدولة.
ويعتبر بعض المراقبين أن هذه “الميليشيا الجديدة” فصيل “شقيق” لسرايا المقاومة التابعة لحزب الله المصنف جماعة إرهابية، لاسيما أن علامات الاستفهام تكثر حول ظهورها المفاجئ وعلاقتها بالجيش اللبناني.
وترفع الحركة شعار دعم الجيش في العلن، إلا أن مصادر تؤكد أنها تتلقى دعما وتدريبا من أحزاب سعت في السنوات الأخيرة إلى ضرب الجيش، خاصة حزب الله الذي بات يسيطر على معظم مؤسسات الدولة.
تحذيرات رسمية
تأتي هذه الحركة وقت حذر وزير الداخلية والبلديات اللبناني نهاد المشنوق، من انتشار المليشيات المسلحة في بلاده بما يهدد سلامة النظام اللبناني.
وأعلن المشنوق، أنه جار تحضير ملف أمني وقانوني لتقديمه لمجلس الوزراء لإلغاء الترخيص المعطى لحركة حماة الديار في لبنان، مشددًا على أن “الديار لا تحمى بمزيد من المليشيات، ولا بمزيد من القوى المسلحة غير الشرعية، بل بالتفاهم والحوار والتنازلات المتبادلة، وبالمزيد من السعي لتثبيت أركان نظامنا السياسي بملء فراغاته”، مؤكدًا على ضرورة الحوار بين الفرقاء، وإرساء تسوية داخلية في ظل الفراغ الرئاسي في بلاده.