تحل اليوم 16 سبتمبر، الذكرى الـ 85 لوفاة شيخ الشهداء أو أسد الصحراء “عمر المختار”، القائد العربي المسلم، أحد شهداء الحرية، الذي ضرب المثل الأعلى في صموده وثباته ومقاومته حتى آخر أيام حياته، حيث حارب الغزاة الإيطاليين أكثر من عشرين عامًا بلا مهادنة في أكثر من ألف معركة منذ دخولهم أرض ليبيا إلى يوم اعتقاله.
ولد عمر المختار يوم 20 أغسطس عام 1861م، في قرية جنزور الشرقية منطقة بنر الأشهب شرق طبرق في بادية البطنان في الجهات الشرقية من برقه التي تقع شرقي ليبيا، تربى يتيمًا لذلك كان كفله حسين الغرياني، عم الشارف الغرياني، حيث وافت المنية والد المختار بن عمر وهو في طريقه إلى مكة المكرمة وكانت بصحبته زوجته عائشة.
وتلقى تعليمه الأول في زاوية جنزور على يد إمام الزاوية الشيخ العلامة عبدالقادر بوديه العكرمي، أحد مشايخ الحركة السنوسية، ثم سافر إلى الجنوب ليمكث فيها ثمانية أعوام للدراسة والتحصيل على كبار علماء ومشايخ السنوسية في مقدمتهم الإمام السيد المهدى السنوسى قطب الحركة السنوسية، فدرس علوم اللغة العربية والعلوم الشرعية وحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب، ولكنه لم يكمل تعليمه كما تمنى.
جهاد عمر المختار
عندما أعلنت إيطاليا الحرب على الدولة العثمانية في 29 سبتمبر 1911م، وبدأت البارجات الحربية بصب قذائفها على مدن الساحل الليبي، درنة وطرابلس ثم طبرق وبنغازي والخمس، كان عمر في تلك الأثناء مقيمًا في جالو بعد عودته من الكفرة، حيث قابل السيد أحمد الشريف، وعندما علم بالغزو الإيطالي فيما عرف بالحرب العثمانية الإيطالية، سارع إلى مراكز تجمع المجاهدين، حيث ساهم في تأسيس دور بنينه وتنظيم حركة الجهاد والمقاومة إلى أن وصل الشريف قادمًا من الكفرة.
وقد شهدت الفترة التي أعقبت انسحاب العثمانيين من ليبيا سنة 1912م، وتوقيعهم “معاهدة لوزان” التي بموجبها حصلت إيطاليا على ليبيا، كانت أعظم المعارك في تاريخ الجهاد الليبي، معركة (يوم الجمعة) عند درنة في 16 مايو 1913م، حيث قتل فيها للإيطاليين عشرة ضباط وستين جنديًا وأربعمائة فرد بين جريح ومفقود، إلى جانب انسحاب الإيطاليين بلا نظام تاركين أسلحتهم ومؤنهم وذخائرهم، ومعركة بو شمال عن عين ماره في 6 أكتوبر 1913م، وعشرات المعارك الأخرى.
شهدت صحراء ليبيا المعارك التي خاضها عمر المختار وسطر عليها بدماء الشهداء أروع آيات العزة والجهاد، وكبد المجاهدون المحتلين خسائر لا تحصى في الأرواح والعتاد، وثبتوا أمام عدوهم مع أنهم لا يمتلكون سلاحًا كما يملك عدوهم من السلاح، لم يتسنى لأسد الصحراء أن يتخرج من كلية حربية أوعسكرية، ولم يتلق مهارته الحربية من جيش، إنما تربى عمر المختار في ساحات المعارك والجهاد، فحارب عمر المختار الطائرة بسيفه حتى امتلك الخوف قلوبهم بمجرد سماع اسم عمر المختار.
في عام 1931م، تمكنت القوات الإيطالية من خلال وحداتها الاستطلاعية، من القبض على عمر المختار، أثناء توجَّهه بصحبة عدد صغير من رفاقه، لزيارة ضريح الصحابي رويفع بن ثابت بمدينة البيضاء، ولم يصدق جراتسياني الذي كان متوجهًا إلى باريس الخبر في البداية، وقرر أن ينزل من قطاره ليعود مسرعًا إلى بنغازي.
محاكمة المختار
عُقدت للمختار محكمة صورية في مركز إدارة الحزب الفاشستي ببنغازي، مساء يوم الثلاثاء، عند الساعة الخامسة والربع في 15 سبتمبر 1931م، وبعد ساعة تحديدًا صدر منطوق الحكم بالإعدام شنقًا حتى الموت، عندما ترجم له الحكم، قال الشيخ: “إن الحكم إلا لله، لا حكمكم المزيف، إنا لله وإنا إليه راجعون”.
في صباح اليوم التالي للمحاكمة الأربعاء، 16 سبتمبر 1931 الأول من شهر جمادى الأول من عام 1350هـ، اتخذت جميع التدابير اللازمة بمركز سلوق لتنفيذ الحكم بإحضار جميع أقسام الجيش والميليشيا والطيران، وأحضر 20 ألف من الأهالي وجميع المعتقلين السياسيين خصيصًا من أماكن مختلفة لمشاهدة تنفيذ الحكم في قائدهم.
وأحضر الشيخ عمر المختار مكبل الأيدي، وعلى وجهه ابتسامة الرضا بالقضاء والقدر، وبدأت الطائرات تحلق في الفضاء فوق المعتقلين بأزيز مجلجل حتى لا يتمكن عمر المختار من مخاطبتهم، في تمام الساعة التاسعة صباحًا سلم الشيخ إلى الجلاد، وكان وجهه يتهلل استبشارًا بالشهادة وكله ثبات وهدوء، فوضع حبل المشنقة في عنقه، وقيل عن بعض الناس الذين كان على مقربة منه أنه كان يأذن في صوت خافت آذان الصلاة، والبعض قال: إنه تتمتم بالآية الكريمة: (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية) ليجعلها مسك ختام حياته البطولية.
#عمر_المختار