إنّ الأمّة التي لا تقرأ التاريخ هي أمّة مُغفَّلة، ولو أنّها وصلت القمر؛ ففي التاريخ قوانين، من أخذ بها سار على بصيرة في حاضره، ورسم خطوط مستقبله…
وكم من المحزن أن نقول: إنّ أمتنا العربية ـ في هذا العصر ـ لا تُحسن قراءة التاريخ بشكل جيد، وذلك عكس الدول الأوربية؛ بل وحتى روسيا…
ولدينا الآن مثال حاضر نعيشه منذ ست سنوات في سوريا، فالذين يُمسكون بخيوط اللعبة في سوريا هم الأمريكان والروس، فقد سلّم العرب والسوريون ـ معارضة ونظام ـ زمام أمورهم إلى الروس والأمريكان..!!
فهل الحكمة تقتضي تسليم الملف السوري لروسيا وأمريكا !؟
تعالوا نحتكم إلى التاريخ، ولننظر ماذا يقول لنا!؟
التجارب الروسية والأمريكية مع العرب قديمة وكثيرة، لكننا سنكتفي بمثال قريب نأخذ منه القانون أو العبرة، إنه مثال البوسنة والهرسك؛ بل هو مثال مدينة سربرنيتسا البوسنية الذبيحة…
في حرب البوسنة والهرسك كانت روسيا وحلفاؤها يمثلون الصرب، وكانت أمريكا وحلفاؤها من الغرب يمثلون البوسنة والهرسك، فماذا حصل في سربرنيتسا عام 1995م!؟
قامت القوات الصربية ـ المدعومة روسياً ـ وبأوامر مباشرة من أعضاء هيئة الأركان الرئيسية لجيش جمهورية صربيا بالقيام بعمليات تطهير عرقي ممنهجة ضد المسلمين البوسنيين والمعروفين باسم “البوشناق“، وقد حدثت على مرأى من الفرقة الهولندية التابعة لقوات حفظ السلام الأممية دون أن تقوم بأيّ شيء لإنقاذ المدنيين، علماً أنها كانت قد طلبت من المسلمين البوسنيين تسليم أسلحتهم مقابل ضمان أمن البلدة، الأمر الذي لم يحصل بتاتاً.
فبعد دخول القوات الصربية البلدة ذات الأغلبية المسلمة، قامت بعزل الذكور بين 14 و 50 عاماً عن النساء والشيوخ والأطفال، ثمّ تمت تصفية كلّ الذكور بين 14 و 50 عاماً ودفنهم في مقابر جماعية، كما تمّت عمليات اغتصاب ممنهجة ضدّ النساء المسلمات.
ما هو دور أمريكا !؟
في اجتماع مغلق لمجلس الأمن 10 اغسطس / آب 1995 م ،أي بعد شهر من سقوط البلدة بأيدي القوات الصربية ، عرضت مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك صوراً ملتقطة بواسطة أقمار صناعية، تظهر فيه مكان دفن آلاف المسلمين من البوسنة من المدنيين ولا سيما الذكور، الذين تمّ قتلهم من قبل الجيش الصربي ودفنهم في حقل زراعي قرب بلدة Nova Kasaba على بعد 19 كم من سربرنتسا، في الحقيقة تمّ العثور على 33 جثة فقط في المكان المذكور، بينما تمت العثور على أكثر من 400 جثة في 20 موقعاً على أطراف بلدة سربرنتسا، مما يبعث الكثير من التساؤلات عن الدور الأمريكي في صرف الانتباه عن المكان الحقيقي للمجزرة.
ويعتقد جورج بَمفري George Pumphrey أن الحكومة الأمريكية ممثلة بوزيرة خارجيتها حاولت صرف انتباه المجتمع الدولي عن مكان وقوع المجزرة.
إذن لم تتدخل الولايات المتحدة الأمريكية لمنع المجزرة، وهي كانت تراقبها عبر الأقمار الصناعية لحظة بلحظة؛ بل حاولت تضليل العالم من خلال صرفهم عن المقابر الحماعية الكبرى التي تحوي الآلاف من المسلمين، وهي بعد ذلك تدّعي معاونة المسلمين…!!
وما هو دور روسيا !؟
روسيا كعادتها لا تُخفي عداءها، فقد كانت مع الصرب من البداية إلى ما بعد النهاية، ويكفي أن نقول: إنّه في الثامن من تموز عام 2015 للميلاد، استخدمت روسيا حق الفيتو ضد قرار لمجلس الأمن يصف مذبحة سربرنيتسا بالإبادة الجماعية.
وما هو دور المحاكم الدولية !؟
إنّه التصريحات: ففي شباط/فبراير 2007، أكّدت محكمة العدل الدولية ما أصدرته محكمة جرائم الحرب في يوغسلافيا السابقة بأن ما جرى في سريبرينيتسا كان إبادة جماعية.
أما المتهمين فمعظمهم هرب، وقائد الجريمة حكم عليه بالمؤبد؛ أي بعد كل هذا الذبح ، وانتهاك الأعراض للمسلمين، لم يُقتل أحد من المجرمين…!!!
والآن ما هو دور الأمم المتحدة !؟
لم تعمل شيئاً يستخق الذكر، كالعادة إدانة واعتذارات للمسلمين…
ففي عام 2005م، أشار الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك السيد كوفي عنان في رسالة الاحتفال بالذكرى السنوية العاشرة للإبادة الجماعية، إلى أنّ اللوم يقع بالدرجة الأولى على أولئك الذين خططوا ونفذوا المذبحة، والذين ساعدوهم، ولكنّه يقع أيضاً على الدول الكبرى والأمم المتحدة، كون الأولى فشلت في اتخاذ إجراءات كافية، والثانية – أي الأمم المتحدة– ارتكبت أخطاء جسيمة قبل وأثناء وقوع المجزرة ، ولذلك ستبقى مأساة سربرنيتشا نقطة سوداء في تاريخ الأمم المتحدة إلى الأبد.
ماذا نستنتج من كلّ ما سبق !؟
نستنتج أنّ أمريكا وروسيا شريكان في قتل شعب البوسنة والهرسك، وأنّه لا يمكن الوثوق بهما في حلّ مشاكل المسلمين، فهم على أقلّ تقدير يمشون وراء مصالحهم، وليس في منهجهم قضية العدالة وحقوق الشعوب، ومن يقرأ التاريخ يجد أنّ هذا الأمر متكرر…
والآن سلّم العرب والسوريون سوريا إلى من قتل البوسنة والهرسك، فهل ستسلم سوريا !؟
لقد وصل كيري ولافروف إلى اتفاق حول سوريا، ولا أحد من العرب أو السوريين يعرف ما جرى؛ بل إنّ الأوربيين قد غُيّبوا عن مضمون هذا الاتفاق، فوزير خارجية فرنسا استغرب هذا السّر الكبير…وسيذكر التاريخ هذا الاتفاقية باسم “لافروف كيري” كما ذكر التاريخ اتفاقية “سايكس بيكو” المشؤومة…
ومما سرّب عن هذه الاتفاقية أنّه سيكون هناك مناطق معزولة السلاح في حلب ومناطق أخرى في سوريا..!!!
فهل سيثق المعارضون السوريون والعرب المؤيّدون لهم بهذه الاتفاقية، ويلقون سلاحهم؛ كي يقتلهم الأسد وروسيا كما قتلت البوسنيين من قبل…!!!؟
وهل يتوقع السوريون أنّ “لافروف كيري” سيحاكمون الأسد الذي قتل مليون سوري، ودمّر سوريا فوق أصحابها…!؟
هل يتوقعون الخير من “لافروف كيري”…!!؟
هنا يأتي فهم التاريخ وقوانينه التي لا ترحم…فالسوريون والعرب سلّموا مصيرهم للروس والأمريكان، فهل يستيقظون من هذه الغفلة، ويستفيدون من قانون التاريخ الذي يقول: روسيا وأمريكا لا يوثق بهما في حلّ القضايا العربية والإسلامية؛ بل هما لاعبان يتبادلان الأدوار لاقتسام العالم العربي والإسلامي…
مِنْ قَبْل “سايكس بيكو”وفلسطين وسربرنيتسا والعراق …والآن “لافروف كيري”…!!!
فمتى نقرأ التاريخ…!!؟