ربما أن خيار السعودية الحرب على الحوثيين كان ذاك القرار الذي وضع السعودية في مرحلة ما يسمى “ببداية النهاية” وهذا ما يبدو أننا تعودنا عليه من أنظمتنا العربية المختلفة، بحيث تنتهي البلد والدولة والشعب والتاريخ فور انتهاء كل حقبة، والذي يضحكني ويبكيني في ذات الوقت هو أن الدولة والبلد تنتهي لا محالة بعد أمثال هذه القرارات المصيرية سواء كانت من الشعب أو من النظام، وسواء كانت قرارات صائبة أو قرارات خائبة، المهم في لحظة ما وعلى حين غرة ينتهي كل شىء!.
في غير بلد ليس عربي نجد أن لديه أيضا خيارات متاحة على قائمة أولويات الرد عند نشوب أزمة ما مع بلد آخر، عادة ما يكون خيار إعلان الحرب في آخر هذه اﻷولويات.
قد يكون إعلان الحرب من قبل دولة على أخرى هو بمقام الشر الذي لا بد منه، هذا معلوم، وهذا أمرا طبيعيا ومشروعا ربما، من منظور تلك الدولة معلنة الحرب، فهي اﻷعلم بخياراتها وأولوياتها ومصلحتها، لكن أن يكون قرار إعلان الحرب هذا، هو الشر الذي يعيد تلك الدولة إلى ما قبل التاريخ، لهو أمرا يدل على أن دولة بهذه المواصفات لم تكن تمتلك تلك المقومات الحقيقية للدولة! لا مقومات عسكرية ولا مقومات إقتصادية قبلا، ولا حتى سياسية أو اجتماعية، على رأي أمي في مثلها الشعبي “شورها مش من راسها” بالضرورة.
رغم قناعتي الشخصية بأن اﻷمر كان ملحا إلى درجة ما، لكن لي الخيار أن أعتقد بأن إعلان الحرب من قبل السعودية على الحوثيين، لم يكن قرارا حكيما ولا بأي شكل من اﻷشكال، وهذا ما يبدو جليا من حال المملكة اﻵن، ولنبدأ في استعراض هذا الحال من آخر التطورات رجوعا.
في مقابلة له مع مجلة اﻹيكونومست البريطانية في 4 يناير 2016، أعلن ولي ولي العهد السعودي “ورئيس المجلس اﻷعلى لشركة أرامكو السعودية” اﻷمير محمد بن سلمان، أن حكومة بلاده تدرس فكرة خصخصة الشركة المملوكة للدولة بطرح أسهمها لﻹكتتاب العام، تبع ذلك بأيام إعلان أرامكو-السعودية بيانا تقول فيه بأنها تدرس طرح نسبة ملائمة من أسهمها في أسواق المال العالمية، هذه الشركة التي تحولت منذ عام 1980 من شركة بترول أمريكية إلى مؤسسة البترول الوطنية التي تملكها وتديرها الحكومة السعودية وااتي تتحكم بمعظم إنتاج المملكة من النفط!.
قبل سنة من اﻵن في سبتمبر من عام 2015، أعلن الملك سلمان بن عبد العزيز عراب الحرب السعودية على الحوثيين في اليمن، وﻷول مرة في تاريخ المملكة، عن البدء في إطلاق حملة تقشف واسعة في مختلف قطاعات الدولة جراء العجز في الموازنة العامة، والذي يرجع سببه إلى إنخفاض أسعار النفط عالميا والتي تشكل إيرادات صادراته ما نسبته 95% من موازنة المملكة، وسبب آخر هو طول أمد الحرب على الحوثيين دون تحقيق اﻷهداف المرجوة منها بعد، مع الإستنزاف الكبير لموارد الخزينة، حيث وصل عجز الموازنة وقتها إلى 20%، وأبرز الخطوط العريضة لسياسة التقشف هذه، كانت تخفيض الدعم للمحروقات والكهرباء والماء، وبعض السلع اﻷساسية، واستكمالا لهذه الحملة في سنة 2016 تم فرض ضرائب على الدخل والتحويلات الخارجية بالنسبة لﻷجانب العاملين في المملكة، وزيادة بعض الرسوم على تجديد اﻹقامات ورخص القيادة والخدمات البيروقراطية الرسمية اﻷخرى.
لكن أكثر ما زاد من خوفي على هذه المملكة والتي تعتبر وجهة العالم السني في اﻷرض وقائدته، هو تلك الرسالة التي كان قد بعث بها الملك سلمان إلى وزير المالية السعودي بتاريخ 2015/9 /28 وعنونت ب “سري للغاية” حسب صحيفة الغارديان البريطانية الصادرة بنفس الشهر، وتنص على ضرورة إتخاذ المزيد من اﻹجراءات التقشفية لتقليص اﻹنفاق الحكومي في اﻷشهر الثلاثة اﻷخيرة من موازنة هذا العام، ومن بينها، اﻹيقاف الفوري لكل مشاريع البنى التحتية في المملكة، ووقف شراء أي سيارات أو أثاث أو أي تجهيزات أخرى للوزارات، وتجميد جميع التعيينات الجديدة على كافة الدرجات الوظيفية، وإيقاف صرف أي تعويضات مالية عند نزع الملكية من المواطنين لﻷراضي واﻷطيان، وفك الإرتباط للعقارات التي لا توجد حاجة ماسة لتملكها، كما يجب عدم إبرام عقود إستئجار جديدة، وأن لا يتجاوز الصرف من اعتمادات المشاريع والبنود خلال الفترة المتبقية من الموازنة عن 25% من اﻹعتماد اﻷصلي.
أمر آخر لا يقل أهمية عما سبق، هو انخفاض إحتاطي المملكة في يناير/كانون ثاني 2015 من 829 مليار ريال إلى 654 مليار ريال في يناير/كانون ثاني 2016، هذا مع الحسبان أنه تم إيداع إيرادات من تصدير النفط خلال نفس الفترة، إلا أن هذا اﻹحتياطي واصل اﻹنخفاض بوتيرة أقل هذه المرة من السنة السابقة ليصل في يونيو/حزيران 2016 إلى 619 مليار ريال، وبهذا يصل إنخفاض اﻹحتياطي النقدي للملكة السعودية خلال الستة أشهر اﻷولى من سنة 2016 إلى نحو 35 مليار ريال، ذلك حسب بيانات مؤسسة النقد العربي في بداية شهر يوليو/تموز 2016، حيث اضطرت المملكة لسحب تلك المليارات من اﻹحتياطي النقدي لمواجهة عجز الموازنة العامة وأعباء الحرب على الحوثيين في اليمن.
كذلك، لا يمكن تجاهل تلك الخطة التقشفية الجديدة التي أطلقها الملك سلمان بن عبد العزيز اﻷيام القليلة الماضية والتي نصت على تخفيض رواتب الوزراء، وتخفيض رواتب أعضاء مجلس الشورى، والتضييق على اﻷجانب -العرب- العاملين في المملكة لاستكمال خطة ما سمي “بالسعودة” والتي كانت باشرت بها المملكة قبل نحو خمسة عشر سنة من اﻵن، والتي تهدف إلى إحلال العمالة السعودية مكان تلك اﻷجنبية، لكنها هذه المرة كانت أشد ضراوة وصرامة بحيث تركت أصحاب الشركات والمصالح والمشاريع هناك في السعودية دون عمالة مدربة وذات خبرة أقل أو معدومة من العمالة السعودية المتاحة، اﻷمر الذي ربما يعصف بسوق العمل في السعودية وسمعته إلى اﻷبد.
عزيزي القارىء، إن دولا بهذه المواصفات لا يمكن إعتبارها دولا حقيقية تمتلك تلك المقومات السياسية والعسكرية واﻹقتصادية واﻹجتماعية والثقافية والتي تخولها الخوض في تجارب مصيرية -سيادية- من قبيل إعلان الحروب، لتصمد طوال سنين الحرب العجاف، لقد وصل دخل المملكة السعودية السنوي من تصدير النفط إلى مئة مليار دولار أيام تخطي سعر برميل النفط سقف المئة دولار، لكن لهشاشة إقتصادها كبلد، لم يكن يستوعب من هذه المليارات داخليا سوى 15% فقط، وفي مشاريع ليست إستراتيجية البتة، بمعنى أن اﻹقتصاد السعودي أضعف من أن يستوعب كامل تلك اﻹيرادات، وإلا حدث تضخم هائل في سعر صرف الريال السعودي، مما كان يضطر المملكة لجعل مجمل هذه اﻹيرادات كودائع طويلة اﻷمد لدى الخزانة اﻷمريكية، وغيرها من الدول ذات اﻹقتصادات القوية المتينة القادرة على استيعاب ما هو أكثر، أما اﻵن فإن جلب مثل هذه اﻹحتياطيات بشكلها الكمي لهو أمر ينطوي على مخاطر قاتلة، وخاصة تلك اﻹقتصادية منها، ناهيك عن السياسية وما يتبعها.
عزيزي القارىء، ربما تعتقد للحظة أنني ضد حرب السعودية على الحوثيين في اليمن، على العكس من ذلك، فأنا مع وقف التمدد اﻹيراني -الشيعي- الشرس والنهم نحو منطقتنا العربية من خلال هذه الحرب، لكن كان واجبا على المملكة والتحالف كذلك، قياس تلك المخاطر ومقارنتها ببعضها من قبيل خوض الحرب من عدمه أولا، ففشل السعودية في هذه الحرب ربما يجلب ويلات لا يمكن تصورها على كامل الوطن العربي -السني- كون المملكة قائدة هذا الوطن وسنيته.
لله درك يا سعودية، لله درك أيها العالم السني الضعيف المسكين المتناثر المشرذم المشتت، ولله در مستقبلي أنا أيضا ومستقبلكم، لله درنا جميعا.