شحن سامح شكري بطارية الانقلاب بطاقة صهيونية متجددة، أنتجتها دموعه على شيمون بيريز، فانطلقت ماكينات إجرام التنظيم الحاكم في مصر بالسرعة القصوى.
اندفاعٌ مجنون نحو القتل الاقتصادي، بالذهاب إلى مزيدٍ من الإجراءات الخاصة بتعويم الجنيه، وإطلاق وحش الغلاء والكساد من مكمنه.. وفي اتجاه القتل السياسي، بمزيدٍ من التصفيات الإجرامية للمعارضين، وإعادة تشغيل آليات أحكام الإعدام، بالجملة، على نحوٍ يؤكد أن عبد الفتاح السيسي قرّر افتتاح المرحلة النيرونية، على أوسع نطاق.
قبل أن يستقر جسد الفتى مهند إيهاب في قبره في المنفى، شهيداً لإجرام سلطات الانقلاب، كانوا يرتكبون جريمةً جديدةً، بدم بارد، بذبح قياديين من “الإخوان المسلمين”، بعد سويعات من إعلان اعتقالهما، احتفالاً بذكرى حرب أكتوبر 1973، على إيقاعات الحوارات الماجنة، استحلاباً لذاكرة جيهان السادات التي باتت وظيفتها في الحياة أن تثرثر في احتفالات أكتوبر كل عام بحكاياتٍ مسلية، تنهيها بأنه لا تصالح مع مقاومي انقلاب السيسي، وكل التصالح والاندماج مع الكيان الصهيوني.
علاقة جيهان السادات بمعركة أكتوبر، كعلاقة عبد الفتاح السيسي بالحرب، كل دورها أنها كانت زوجة السادات التي تجلس على “الكنبة” في انتظار عودته.. بينما السيسي لا دور له، وكل علاقته بالحرب عموماً، وحرب أكتوبر خصوصاً، أنه دخل الكلية الحربية، بعد سنوات من انتهاء الحرب، وحصل على شهادةٍ، مدفوعةٍ، من جيهان بأنه يذكّرها بالسادات.
وفي طريقه لزيارة قبري السادات وعبد الناصر، احتفالاً بذكرى الحرب، كان إعلام عبد الفتاح السيسي يشتغل على أن إسرائيل ليست العدو، وإنما “الإخوان” ومعارضو الانقلاب هم العدو، فيكتب عماد الدين أديب، معلقاً على بكائية سامح شكري في وداع بيريز ما يلي:
“إسرائيل، أحببتها أو كرهتها، “دولة”، وترتبط معك بحدودٍ دولية، وسواء أحببتها أو كرهتها وقَّعت معها معاهدة سلام فيها شاهد بدرجة رئيس جمهورية للولايات المتحدة الأميركية، ومودع نص هذه المعاهدة فى الأمم المتحدة”.
يكرّر عماد أديب، بإلحاح شديد، عبارة “إسرائيل – سواء أحببتها أو كرهتها” خمس مرات على الأقل، في مقال لا يزيد عن 300 كلمة، والمعنى أن محبّة إسرائيل بالنسبة للمصريين شيء طبيعي وعادي، وكأن محبيها وكارهيها يستويان، والموضوع كله وجهات نظر، واختلاف أذواق.
وعماد الدين أديب، سواء اعتبرته كاتباً أو بالوعة مخابراتية مفتوحة، يغلف رسالته الخبيثة بالقول “فى إسرائيل، سواء أحببتها أو كرهتها، هناك مجتمع ديمقراطي مفتوح، يلعب فيه الفرد دوراً أساسياً، ويلعب فيه الناخبون دور تقرير مصير الحزب الحاكم. من هنا فحضور مصر يدعم رؤية الاعتدال لدى رجل الشارع الإسرائيلي الذي اقتنع سابقاً بحسن نوايا الزعيم أنور السادات، فوقف بقوة خلف النواب الذين صوَّتوا فى الكنيست على إعادة سيناء للمصريين”.
ذلك هو المحدّد الوحيد لحركة التنظيم الحاكم في مصر الآن: استمتع بدفء العلاقة مع العدو الصهيوني، واقتل وعذّب وافعل ما تشاء لتأمين سلطتك، وتدليل حثالاتك، وأنت آمن من العقوبات، ثم اذهب ومثّل على الناس أنك تحتفل بانتصارك اليتيم، الناقص، على إسرائيل، من دون أن تبالغ في مظاهر الاحتفال، أو الأفضل أن تعلن أنك لم تخض الحرب من أجل طرد المحتل، وإنما، فقط، لكي تضغط عليه، لكي يقبلك شريكاً له في ترابك الوطني، على أن ينصبك وكيلاً له لوأد أية مظاهر كراهية للعدو، في صفوف الشعب.
ومرةً أخرى، سواء رأيت في عماد أديب كاتباً صحافياً، أو ساعي بريد للنظام، فإن ما ينطق به، تعلقاً في أستار كعبة السلام الماجن، هو المعبّر عن عقيدة النظام الرسمي، وفلسفته، والذي بات كمن يستشعر الحرج في تذكّر انتصارات أمته على أعدائها. فالنظام الذي يعلن حرباً شاملة على شعبه، ويحاربه فيها على جبهات الاقتصاد والسياسة والوعي، خدمةً لمصالح حثالاته وأعدائه، قد يفاجئك يوماً بالإعلان عن إلغاء الاحتفال بذكرى الانتصار، وتقديم الاعتدار للكيان الصهيوني، عن “الخطيئة التاريخية” لجيوش العرب بحق إسرائيل في أكتوبر/تشرين الثاني 1973.