يحدثوننا علماء الكِيمياء الحيوية عن التعقيد الموجود في الخلية، كما يخبروننا أنها أعقد من نيويورك، أما عن التعقيد الموجود في الحمض نووي البشري يقول بيل جيتس مؤسس شركة مايكروسوفت، إنه شبيه بأي حاسوب ولكنه أكثر تطورا من أي برنامج صنعناه، ويحدثوننا الفيزيائيين بول ديفيز ومارتن ريس وآخرون عن الضبط الموجود في الكون، ويتحدثون بإعجاب واستغراب عن الأرقام التي إن لم توجد لم يكون لنا وجود، يسمونها الثوابيت الكونية، ويحدثنا رب العزةً سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)﴾[ سورة فصلت].
يقول الفيلسوف الملحد برتنارد راسل في كتابه لماذا لست مسيحيا عن القوانين التي تحكم الكون، معروف وجود القانون بأن رمي نردين (حجري زهر) يعطي الرقم 6 معا بمعدل مرة كل 36 رمية، و لكن ذلك لا يمكن اعتباره قانونا، أغلبية قوانين الطبيعة هي على هذه الشاكلة. حسب وجهة النظر الإحصائية هي قيم إحصائية متوسطة تنبثق عن قانون الاحتمالات. هنا إنتهى كلام برتنارد راسل فهل فعلا أن القوانين التي تحكم كوننا ليست لها أي خصوصية كما قال؟ وهل هي مجرد أرقام إحصائية لا غير؟ ماذا لو كان الرقم (N) (الجاذبية في الكون) على غير ما هو عليه؟ ماذا كان سيكون حالنا؟
في الحقيقة كان سيكون كارثة بالنسبة للبشرية لو كان الرقم (N)(الجاذبية في الكون) صغيرًا أو كبيرًا على ماهو عليه، هذا على فرض وجودنا أصلا، لأن هذا الرقم بهذا الضبط هو الذي يمسك بالكواكب في مداراتها، ويحافظ على تماسك النجوم، وهو المسؤول عن تماسك حشد من مليارات النجوم، وما من مادة ولا جزيء يفلت من قبضته، حتى ضوء نفسه، ودون تأثيره سوف تنفجر النجوم وتتناثر أجزاؤها، وكذلك بالنسبة للغلاف الجوي في أرضنا، لو لم يكون هذا الرقم مضبوط بالعناية لما كنت تقرأ هذا المقال، ولما وجدت الحياة أصلا، فلو كان رقم (N) أصغر من واحد بالجانبه ستة وثلاثين صفرا لكان عالم من الفوضى.
لكن ضبط الرقم (N) لا يكفي لوجود حياة، هناك رقم آخر يجيب أن يضبط، مثلا إذا كانت الكفاءة النووية تساوي أقل من (0.007) أو أكثر فهذا أمر بالغ الخطورة، لأن هذا الرقم (0.007) بالتحديد هو الذي يحدد كم تعيش النجوم، وهذه القوة الشديدة هي صاحبة السيادة في العالم الميكروي، تمسك البروتونات في الهليوم والأنوية الأثقل بثبات شديد، لدرجة أن الإندماج أصبح مصدر قويا للطاقة، بما يكفي لتوفير الدفء المطول الآتي من الشمس، وهو ماكان يتطلبه ظهورنا للحياة. أما في حالة لو كان الرقم (0.007 ) على غير ماهو عليه، لم نكون لنوجد لأن الهيدروجين لن يبقى من بعد الإنفجار الكبير، ولاستطاع أي بروتونين أن يلتحما ببعضهما مباشرة، وهذا كان سيحدث بسهولة في الكون الأولي، ولم يكون ليبق أي هيدروجين ليوفر الوقود في النجوم العادية، ولما تكون الماء.
هناك رقم ثالث تتحدث عليه الفيزياء الحديثة، هو الرقم الكوني ( Ω) أوميغا، يقيس هذا الرقم كمية المادة في كوننا من المجرات والغازات المنتشرة ومادة مظلمة، يخبرنا ( Ω) بالأهمية النسبية للجاذبية وطاقة التمدد في الكون، فلو كانت هذه النسبة أعلى مقارنة بقيمتها الحالية لانهار الكوكب من زمن بعيد، ولو كانت أقل لما تكونت أية مجرات أو نجوم، لولا وجود الكثير من المادة المظلمة لما استقرت المجرات ولتطيرت متبعثرة.
هكذا دحضت الفيزياء الحديثة تعاليم أكبر ملحد عبر التاريخ، وهكذا جمدت نظريته القائلة بلا خصوصية القوانين التي تحكم العالم، وهكذا برهن رب العزة عن نفسه في كونه لعباده سبحانه وتعالى، ولكن هناك مزيد من الآيات، ومزيد من الأرقام الكونية، منها الرقم الكوني (λ) فهو يتحكم بتمدد الكون ومصيره النهائي، على كل حال فإن قيمة أكبر بكثير من (λ) ستكون لها عواقب كارثية، فبدلا من البقاء قادرة على التنافس مع الجاذبية بعد تشكل المجرات فإن القيمة الأعلى لـ (λ) ستغلب الجاذبية قبل ذلك خلال الأطوار عالية الكثافة، إذا بدأت (λ) في سيطرة قبل تكاثف المجرات في الكون المتوسع أو أنها وفرت تنافرا قويا كفاية ليمزقها، فإنه لن تكون هناك مجرات، إن وجودنا يتطلب ألا تكون (λ) كبيرة ولا صغيرة، وإلا لأوقف تأثيرها تكون المجرات و النجوم ولتعطل التطور الكوني قبل أن يبدأ.
هناك حاجة لضبط رقم آخر أيضا بجانب الأرقام سالفة الذكر، هو مايعرف باللاانتظامات الأولية (Q)(شرخ التناظر الأولي)، لإطلاق عملية نمو البنية يقيس العدد (Q ) مدى اللاانتظامات أو التموجات، قيمة (Q) مساوية عشرة مرفوعة ناقص خمسة، فلو كانت أصغر بكثير أو أكبر بكثير فإن نسيج الكون سيكون مختلفا تماما، وسيكون قليل المساهمة في ظهور أشكال الحياة، أما المجرات الناتجة فستكون بنى فقيرة، يكون فيها تكون النجوم أبطأ وغير فعال، وستقدف المادة المعالجة خارج المجرة، بدلا من إعادة إستخدامها في نجوم جديدة.
الرقم السادس الهام أيضًا إنه رقم (الأبعاد الفرعية) يرمز له فيزيائيا (D)، وهو يساوي 3، لم تكون الحياة لتوجد لو كان (D) يساوي 2 أو 4، لكي يكون لنا وجود عليه أن يكون (D) يساوي بضرورة 3 وليس أي رقم آخر.
ملحوظة يجيب ذكرها، هي أن هذه الأرقام الستة عليها أن تضبط كلها فلو تخلف رقم واحد لما كانت الحياة أن توجد في الأرض، أليس في إنكار الإنسان لله ظلم ظاهر. عودا أخر لمن يوصف بأنه أكبر ملحد في التاريخ البشرية برنارد راسل نأخذ إقتباس تاني من نفس الكتاب حيث يقول لا يمكن وجوب وجود من أمر الأشياء حسب هذه الطريقة، لأنه في حال افتراض ذلك سيأتي السؤال: “لماذا أمر الرب بهذه القوانين الطبيعية و لم يأمر بغيرها؟. لو أمكن لي أن أجيب عن هذا السؤال بطريقة شخصية، فسيكون جوابي أن الرب أمر بهذه القوانين لكي أستطيع أن احتسي قهوتي، ولكي أستطيع أن أستمتع بهذا البحر الهائج أمامي، وهذا الهواء النقي الرائع، سبحانك ربي ما أعظمك، سبحانك ربي ما أرحمك.