بعد إعلان مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب في مصر، عن تجميد البنك المركزي المصري حساباته المصرفية في البنوك المصرية، بحسب ما ذكرته الصفحة الرسمية للمركز على “فيسبوك”، طرأت العديد من الأسئلة عن مصير الأموال المجمدة التي تضع الدولة يدها عليها، حول مصيرها وآلية التعامل معها، أم أنها ستكون كالكلأ المستباح.
وكانت السلطات المصرية حاولت خلال شهري شباط/فبراير ونيسان/ابريل الماضيين، إغلاق مكاتب مركز النديم، باعتبار أنه مرخص كمنشأة طبية، وليس كمجموعة معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان، حسب ما قالت مديرة المركز ماجدة عدلي.
وقالت عدلي في تصريحات صحفية: “أبلغونا بقرار من البنك المركزي المصري وصل إلى الشؤون القانونية للبنك الذي نتعامل معه، يقضي بتجميد حسابنا لحين توثيق الاوضاع وفقا لقانون الجمعيات”.
ويقدم المركز دعمًا نفسيًا لضحايا أعمال العنف والتعذيب، ويبحث في شكاوى ضد التعذيب تحصل في أماكن الاحتجاز والسجون، كما يهتم بشكاوى أهالي المفقودين.
ووصفت منظمة العفو الدولية بدورها في بيان لها قرار تجميد الحسابات بأنه “ضربة قاسية لحقوق الإنسان”.
تجميد أموال الإخوان
وكانت الحكومة المصرية منذ انقلاب الثالث من يوليو، قد تحفظت على أموال عدد من الشركات بتهمة انتماء أصحابها لجماعة الإخوان المسلمين أو دعمهم لها، ورأى خبراء في هذه القرارات الحكومية إضرارًا بمناخ الاستثمار بالبلاد، في الوقت الذي تنص فيه القوانين على حظر مصادرة الأموال.
وكانت الحكومة المصرية، قد التحفظ على 14 شركة صرافة، بالإضافة إلى التحفظ على أموال 1252 شخصًا اتهمتهم الدولة بالانتماء للإخوان أو تمويلهم، وتباينت هذه الأموال ما بين سائلة ومنقولة وعقارية فضلا عن الشركات والمدارس التي تخضع حاليا لإدارة وزارة التربية والتعليم، وقد بلغ عددها ما يقارب ١٠٣ مدرسة.
كما تحفظت على 1148 جمعية، و42 مستشفى ومستوصف، و415 فدانًا، و460 سيارة، و520 مقرًا لحزب الحرية والعدالة، و558 شركة، منها 6 شركات رئيسية في مقدمتها “سرار واستقبال وصالون” والتي تضم 35 فرعًا، كما تحفظت السلطات على 68 شركة وفرع شركة خاصة بالقيادى الإخواني حسن مالك وأسرته وشقيقه، أهمهم شركة استقبال للأثاث وشركة حسن عز الدين مالك وشركاه لتجارة الملابس، وشركة مالك لتجارة الملابس الجاهزة، وشركة الشهاب للسيارات، وشركة أجياد للخدمات، الفريدة للملابس الجاهزة، ومحال سرار للبدل الرجالي، وشركة سلسبيل للحاسب الآلى، ورواج للتجارة والأنوار للتجارة وسنابل للتجارة .
وجاء قرار تجميد أرصدة مركز النديم ليجدد فتح الباب للعديد من التساؤلات التي طرحت بُعيد الانقلاب العسكري في ٢٠١٣م وعلى رأسها: هل من حق الدولة التصرف في هذه الأموال أو الاستفادة منها؟ وما هو مصير هذه الأموال حتى الآن؟ وما هو الموقف القانوني من تجميد أموال الأشخاص أو الشركات أو مصادرتها؟
من الناحية القانونية لا يحق لأي سلطة مصادرة أو التحفظ على أموال الأشخاص أو الشركات إلا بموجب حكم قضائي باتّ.
وعلى هذا ادّعت السلطات المصرية عندما تحفظت على هذه الأموال والشركات والعقارات أن هذا تحفظ بهدف الرقابة وضمان عدم توظيف هذه الأموال في أعمال إرهابية، وهو مبرر لم يجد له أحد من الخبراء مسوغًا قانونيًا أو دستوريًا.
بين التحفظ والمصادرة
و يقول المستشار رفعت السيد رئيس محكمة الجنايات السابق، في تصريحات صحفية، إذا ثبت للنيابة العامة أن أيًا من أصحاب الشركات المتحفظ عليها قد ارتكب جريمة يعاقب عليها، سوف يقدم إلى المحاكمة الجنائية، وإذا تبين للمحكمة ثبوت الإتهام قد تقضي بالإدانة البدنية كالسجن مثلاً، أو بالغرامات المالية، وفي هذه الحالة يتم سداد الغرامات والتعويضات من الأموال المتحفظ عليها وإعادة الباقي إلى أصحابها، مؤكدًا أنه لا يجوز قانونًا للدولة التصرف في هذه الأموال قبل إصدار حكم نهائي وبات بالإدانة.
كما أوضح المستشار رفعت أن الأرباح أوالخسائر التي تحققها هذه الشركات هي ملك لأصحابها أو ملاكها، لافتًا إلى أن هناك فرقًا بين التحفظ والمصادرة، فالمصادرة تعني أن تؤول الأموال للدولة، أما التحفظ فهو عمل احترازي إجرائي يستخدم للحيلولة دون استخدام المال في ارتكاب جريمة او المساعدة على ارتكابها، منوهًا إلى أنه من حق أصحاب هذه الأموال المتحفظ عليها طلب راتب شهري يعيشون عليه، إذا لم يكن لديهم أي أموال.
وفي ظل تراجع حجم الاستثمار في مصر وهروب بعض المستثمرين بأموالهم للخارج، تساءل العديد من المهتمين عن طبيعة العلاقة بين المصادرة أو تجميد الأموال وبين ضعف الاستثمار وإحجام المستثمرين، خاصة إذا نوه البعض إلى أن هذه المصادرة لها دوافع سياسية بعيدة كل البعد عن القانون،
ضرب مناخ الاستثمار
ويقول النائب البرلماني السابق صابر أبو الفتوح، إن هذه القرارات تحمل رسائل سلبية للمستثمرين العرب والأجانب مفادها أن مصر ليس فيها قانون، وأن أموالهم غير محصنة كونها تحت سطوة قرارات لجنة إدارية.
وضرب أبو الفتوح مثلاً بقرار التحفظ على أموال صفوان ثابت مالك شركة جهينة للألبان الخاصة – دون شركاته- ستكون له تداعيات سلبية، من قبيل إمكانية تعرض قيمة أسهم الشركة المدرجة في البورصة للهبوط، بالإضافة إلى إحجام إدارتها عن اتخاذ قرارات بالتوسع في الاستثمارات مستقبلاً، وهو ما يعني -حسب المتحدث ذاته- حرمان مصر من عوائد اقتصادية هي أحوج ما تكون إليها الآن.
مخالفة قانونية
من جانبه قال الخبير القانوني محمد حسن إنه رغم صدور أحكام من قضاء مجلس الدولة تلغي قرارات اللجنة الإدارية المختصة بالتحفظ على أموال الإخوان والتي عينتها السلطة في مصر، بالتحفظ على أموال أفراد وجمعيات خيرية، فإن هذه اللجنة لا تزال مستمرة في اتخاذ قراراتها المخالفة لأحكام المجلس.
ولفت حسن إلى أن قرارات التحفظ على أموال أي فرد أو مؤسسة تؤثر سلبيًا على تعاملاته في السوق، حيث سيحجم الجميع عن التعامل معه.
وأشار إلى أنه لا أحد سيخاطر بالتعامل مع شخص يصدر في حقه قرار بالتحفظ لكون نشاطه سيعتبر شبه مجمد.
وطالب الحكومة بضرورة إلغاء هذه اللجنة وإعادة الأموال لأصحابها، سواء كانوا أفرادًا أو مؤسسات، واقتصار الأمر على أحكام قضائية نهائية لا تحتمل التأويل وتنص صراحة على المصادرة لاعتبارات قانونية.
وتبقى الكثير من النهايات مفتوحة والمعلومات غامضة والإجابات حائرة حول أموال 1252 مواطنًا مصريًا اتهمتهم الدولة بالإرهاب وتحفظت على أموالهم لحين ثبوت براءتهم، في تصرف حكومي مستهجن من قبل الدستوريين وخبراء القانون.
وفي ظل أزمة اقتصادية طاحنة واتهامات للسلطة الحاكمة باستخدام أموال المودعين في البنوك لسد احتياجات مسئوليات الدولة، فإن الاتهامات تلاحق الدولة، خاصة وأن لها سابقة في تبديد أموال المعاشات، فهل ستحافظ على أموال المتهمين بالإرهاب، تسلم من يد الدولة؟!