حالة من الذعر والقلق الشديد انتابت النظام بكافة اذرعة، بمجرد أن أعلنت قناة الجزيرة القطرية عن موعد بث فيلم وثائقي يتناول قضية التجنيد الإلزامي في الجيش المصري، والظروف التي يعيش فيها المجندون.
ويستعرض فيلم “العساكر.. حكايات التجنيد الإجباري في مصر”، حياة جنود يخضعون للتجنيد الإلزامي في الجيش المصري، وكيف يتعرضون لمعاملة قاسية وتمييز واضح بين الجنود والضباط، إلى جانب استغلال المجندين في المشروعات الاقتصادية المملوكة للقوات المسلحة، بدلا من التدريب العسكري.
تفاصيل الفيلم، تقدم رحلة شاب مصر أنهى دراسته ويستعد لقضاء سنة من عمره إجبارياً في الجيش. يستعرض بداية الرحلة منذ الكشف الطبي، مروراً بمركز التدريب الذي يقضي فيه المجند ٤٥ يوماً، ثم انتقاله إلى الوحدة التي سيستكمل فيها بقية فترة التجنيد، حتى تنتهي فترة تجنيده ويعود للحياة المدنية من جديد.
ويحوي الفيلم عدداً كبيراً من اللقطات المُسرَّبة من داخل وحدات الجيش، ومن أرشيف القوات المسلحة المصرية، تُظهر طبيعة الحياة التي يعيشها العساكر، والضغط النفسي الذي يتعرضون له، كما يضم مشاهدَ تمثيلية تحاكي قصصَ العساكر التي لا يمكن تصويرها في الواقع.
ويحكي المجندون في الفيلم شهاداتهم عن تفاصيل عديدة مثل: ما التدريب الذي يتلقَّونه؟! ما الوظائف التي يؤدونها؟ ما طبيعة علاقاتهم بضباط الصف وبالضباط؟! كيف يتم تكدير (معاقبة) العساكر؟! ولماذا يحكي العساكر فيما بينهم أن الجيش هو “حكم النفس على النفس؟”، هل الطعام الذي يأكله العساكر يختلف عن طعام الضباط؟ ولماذا هذا الاختلاف؟! هل يتم تدريب العساكر على القتال أم لا؟ وما طبيعة الأسلحة التي يتدربون عليها؟ هل هي بالفعل معدات قديمة، أم أنها متطورة؟ مَن العسكري السيكا؟ وما دوره داخل الجيش؟!
كما يستعرض الفيلم كذلك قصصاً للعساكر الذين يعملون في بعض المشروعات التجارية للجيش، كالمزارع والفنادق، وما طبيعة عملهم بالضبط؟ وهل يتم تدريبهم على القتال أم لا؟.
وبموجب القانون المصري، فإن الشباب الذكور الحاصلين على شهادات جامعية يخضعون لتجنيد إلزامي لمدة 13 شهر، فيما تمتد المدة للحاصلين على شهادات متوسطة إلى عامين، بينما يخضع غير الحاصلين على أي مؤهل دراسي لتجنيد مدته ثلاث سنوات.
وعرضت قناة الجزيرة فيلم ترويجي قصير (برومو) عن برنامج “العساكر”وأشارت أنه سيبث في الساعة 10:05 من مساء الأحد بتوقيت مكة المكرمة.
مخرج الفيلم هو عماد الدين السيد، الذي أخرج من قبل الفيلم الوثائقي “المندس”، الذي حقق نجاحاً كبيراً وقت عرضه، وقد استغرق إعداد هذا الفيلم ما يزيد عن عام كامل، حتى يستطيع أن يجمع قصصاً موثوقة. وجرى التسجيل مع عشرات العساكر وعدد من ضباط الصف والضباط الذين اشترطوا إخفاء وجوههم وتغيير أصواتهم، وهو ما تم بالفعل، بينما رفض البعض الآخر التسجيل مطلقاً.
فيلم مضاد
وردت وزارة الدفاع المصرية؛ بفيلم مضاد لفيلم الجزيرة، نشرته عبر حسابها على يوتيوب، حيث يحاول الفيلم تقديم صورة مغايرة تماما للحياة داخل الجيش المصري.
واعتمد الفيلم، الذي حمل عنوان “يوم في حياة مقاتل”، على مشاهد تمثيلية وتعليق صوتي باللهجة المصرية؛ لوصف يوم في حياة مجند في أحد مراكز التدريب التابعة للجيش المصري.
وفي محاولة لإثبات حسن معاملة المجندين و”العلاقة الطيبة” التي تربطهم بقادتهم، نقل الفيلم شهادات الجنود حول المزايا التي يكتسبونها داخل الجيش المصري، ومدى سعادتهم بأداء الخدمة العسكرية الإلزامية.
ذعر اذرع النظام
وهاجم إعلاميون المويدون للسيسي قناة الجزيرة ، وتناولت عدة صحف وبرامج حوارية مصرية منذ الأربعاء هذا الفيلم بالنقد، كما طال الهجوم كلا من قناة الجزيرة ودولة قطر وأميرها.
وقال إعلاميو السيسي عن الفيلم أنه اعتمد على صور مفبركة وشهادات غير حقيقية لمجندين مجهولين، وطالبوا بالتشويش على بث القناة ومنعها من التواصل مع الشعب المصري ومنهم من نادى بضرورة رفع دعوى أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد دولة قطر .
رد الجزيرة
وبعد الهجوم الحاد على قناة الجزيرة ، ونشرت القناة بيانا عبر موقعها الرسمي قالت فيه:
لم يكد ينتهي البث الأول لـ”برومو” فيلم العساكر الذي سيعرض على شاشة الجزيرة يوم غد الأحد، حتى أصبح عنوانا رئيسيا في مجموعة من البرامج والصحف المصرية.
حصل كل ذلك مباشرة بعد بث الإعلان الترويجي، لكن أحكامهم كانت جاهزة ومشانقهم كانت منصوبة، فأعادوا إخراج الفيلم في مخيلتهم، وبدؤوا في ممارسة هواية توزيع صكوك الشتائم.
الغريب أن وسائل الإعلام التي وجهت بنادقها اللسانية للجزيرة، لم تكلف نفسها عناء الانتظار بضعة أيام لمشاهدة الفيلم، وبعد ذلك يمكنها مناقشته وحتى انتقاده عن علم وليس من “عنوان الكتاب”.
ولعل الأكثر غرابة، هو أن تتجند دولة بكامل أجهزتها وأذرعها و”ألسنتها” الطويلة والقصيرة لمواجهة برنامج مدته لا تتجاوز الساعة.
يبدو كأن في الأمر أسرارا تحاول جهات كثيرة في مصر إخفاءها، لعل من بينها أن الحقيقة موجعة جدا، فلم تتحمل رؤية الواقع بمرآة الشارع في ظل هيمنة الصوت الواحد.
ومن بينها علاقة الثقة التي تجمع المشاهد المصري بالجزيرة منذ عشرين عاما، قبل أن يصفها من علّم “الأذرع” السحر وأصول الخفة بـ”علبة الكبريت”.
رحل وبقيت الجزيرة.. الحقيقة الأخرى هي أن “الجهات” تزعم بأن الجزيرة “انتهت” في مصر، ولم يعد لها مكان فيها، وهي التي عايشت أعظم ثورات شعبها، ونقلت صوت المثقف والفنان فيها.
لكن لنلعب لعبتها ولنفترض أن الزعم صحيح، لماذا كل هذا الغضب إذن؟ ولماذا تحركت كل الأذرع وأقيمت حالة طوارئ في برامج “التوك شو” وصفحات الجرائد؟ الجواب بسيط.
نعود للفيلم إذن، ويجب الإشارة هنا إلى أنه لم يأت مغردا خارج السرب، بل جاء في سياق الأفلام التحقيقية الأسبوعية التي تبثها قناة الجزيرة منذ انطلاقتها بحلتها الجديدة في عيد ميلادها العشرين.
فكانت البداية مع سلسلة “ما خفي أعظم” التي سلطت الضوء على استشهاد عمر النايف في حرم السفارة الفلسطينية في العاصمة البلغارية صوفيا، بل أكثر من ذلك طرحت أسئلة جديدة تنتظر الإجابة من الذين يهمهم الأمر.
ثم جاءت بعدها الحلقة الأولى من البرنامج التحقيقي “المسافة صفر” والتي دخلت في عمق الفصائل الجهادية في سوريا، وكشفت للمرة الأولى عن تفاصيل جديدة وصور تظهر للمرة الأولى، في محرقة القرن سوريا.
ثم تبعه تحقيق غاص مع المشاهد في أدغال أفريقيا وتطرق لظاهرة السحر، وسيكون المشاهد الأحد مع موعد جديد يسلط الضوء على التجنيد الإجباري في مصر، في قالب تحقيقي يستند للحقائق والشهود.
وبعده بالتأكيد ستأتي أفلام أخرى في إطار انفتاح القناة على جنس التحقيق الصحفي وتخصيص برامج متنوعة في هذا السياق.
أخيرا..
نعيد السؤال:
لماذا تخيف قناة إخبارية نظام السيسي؟
في الأمر سر.. سر تتقاسمه الجزيرة مع مشاهدها.
شهادات مؤلمه
وروى بعض الشباب الذى انهى تجنيده الاجباري مؤخرا لـ “رصد” المأساة والمعاناة التي يعيشها الجندي منذ التحاقه حتى خروجة.
يقول “ع.س”وهو يعمل يحمل مؤهل جامعي، أنه كان ضمن المجندين في عام 2003 بشمال بسيناء، مشيرا إلى أنه كانوا يعانون من انعدام الإمكانيات، ونقص حاد في إمدادات الطعام والمياه.
أما “م. أ” وهو يعمل محام ،ذكر لـ “رصد” أنه عان كثيرا حتى انهى فترة التجنيد الإلزامي، لانه كان لا يحمل وساطة، مؤكدا أن من توزيع الجنود على المناطق العسكرية يتم بالواسطة، فمن لم يكن يملكها يرمى بأماكن نائية حدودية.
وأكد “ص. ن” الذي انهى قريبا قترة تجنيده،ل الرواية السابقة عندما أوضح أنه التحق بمكت احد القادة عن طريق اتصالا من قيادة عليا على علاقة بوالده.
ويشير “أ.أ” وهو احد الشباب الحاصل على مؤهل متوسط، أن الضباط ومساعديهم كانوا يسخرونه لخدمة اغراضهم الخاصة من مأكل ومشرب، فضلا عن الاهانة والذل في سبيل اعفاءه من الخدمة الليلية، لافتا إلى أنه انهى فترة تجنيده دون أن يتعلم إطلاق النار.
خطورة الفيلم الوثائقي
علق الدكتور طارق الزمر، رئيس حزب البناء والتنمية الذراع السياسية للجماعة الإسلامية، على ذعر النظام من فيلم الجزيرة بقوله “التوتر الذي اصاب النظام قبل إذاعة فيلم العساكر الذي يكشف استعباد النظام العسكري للمصريين يؤكد اننا امام نظام هش سيظل مرعوبا حتى يرحل” على حسابه بموقع “تويتر”.
أكد الكاتب الصحفي سلامة عاطف عبد الحميد ، أن خطورة فيلم الجزيرة الوثائقي، الذي يعرض غدا الأحد ، ليست في أنه سيكشف حقائق بشأن الجيش المصري، ولكن لأن هناك في الجيش جهات سمحت للجزيرة بالتصوير وهو الأمر الخطير حيث لا يسمح الجيش بالتصوير داخل منشآته مطلقاً .