بدأ الشعب المصري منذ ١٩٧٩م، وعقب اتفاقية كامب ديفيد بين مصر والاحتلال الإسرائيلي، في التعود على اقتران اسم القوات المسلحة باسم شركات تقوم بتنفيذ العديد من المشروعات، خاصة تلك المرتبطة بالبنية التحتية، وذلك عقب قرار رئيس الجمهورية رقم ٣٢ لسنة ١٩٧٩م، الذي يقضي بتشكيل جهاز مشروعات الخدمة الوطنية بهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي النسبي من الاحتياجات الرئيسية للقوات المسلحة.
وعقب ذلك قامت القوات المسلحة بإنشاء العديد من الهيئات والمؤسسات الاقتصادية التي توالت في سيطرتها على العديد من المشروعات، مبتعدةً عن الهدف الأساسي الذي تشكل من أجله جهاز مشروعات الخدمة الوطنية.
وكان على رأس تلك الشركات الهيئة القومية للإنتاج الحربي التي تأسست في ١٩٨٤م، بهدف الإشراف على المصانع الحربية، وتمتلك ١٨ مصنعًا للصناعات الحربية والمدنية، كذلك الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، هذا فضلاً عن الهيئة العربية للتصنيع والتي تأسست ١٩٧٤م.
وكان عام ٢٠١٦ من الأعوام التي شهدت توسعًا كبيرًا في تحركات الجيش على المستوى الاقتصادي في قطاعات مختلفة تمثلت في :
قطاع الطرق
في يوليو 2015م، وافق مجلس الوزراء على استصدار قرارات منح الالتزام بالإدارة والتشغيل والصيانة لطرق المشروع القومي إلى جهاز مشروعات الخدمة الوطنية بوزارة الدفاع، بحسب محضر الاجتماع المنشور على الموقع اﻹلكتروني لرئاسة الوزراء.
وفي يونيو الماضي، أصدر عبدالفتاح السيسي القرار رقم 233 لسنة 2016م، بتخصيص اﻷراضي الصحراوية بعمق 2 كيلو متر على جانبي الطرق الجديدة لوزارة الدفاع، واعتبارها مناطق استراتيجية ذات أهمية عسكرية لا يجوز تملكها، واحتوت قائمة الطرق التي شملها القرار على 21 طريقًا.
كما تشارك وزارة الدفاع في مشاريع إنشاء الطريق الدائرى الإقليمى، وطريق القاهرة- العين السخنة، وتطوير طريق القاهرة- الإسماعيلية، وتطوير وتوسعة طريق القاهرة- السويس، ومحور الفريق سعد الشاذلى، ومحور جوزيف تيتو، ومحور صحراء الأهرام، باﻹضافة إلى عدد من الطرق والكباري اﻷخرى. حسب الموقع الإلكتروني للوزارة.
الاستزراع السمكي
في يوليو الماضي أصدر السيسي القرار رقم ٢٧٠ لسنة ٢٠١٦م، بإعادة تخصيص ٢٨١٥،٤ فدان من الأراضي المملوكة للدولة ملكية خاصة والكائنة بمنطقة بركة غليون بمحافظة كفر الشيخ لصالح جهاز مشروعات الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة لاستخدامها في مشروعات الاستزراع السمكي.
كما أصدر السيسي في يوليو الماضي القرار رقم 313 لسنة 2016م، بإعادة تخصيص مساحة 6174.17 فدان من الأراضي المملوكة للدولة ملكية خاصة بمنطقة بركة غليون بمحافظة كفر الشيخ لصالح جهاز مشروعات الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة لاستخدامها فى مشروعات الاستزراع السمكي.
وفي أغسطس الماضي، أصدر السيسي القرار رقم ٣٣٢ لسنة ٢٠١٦ بإعادة تخصيص مساحة 107.5 فدان من الأراضي المملوكة للدولة ملكية خاصة بجهة مثلث الديبة غرب بورسعيد لصالح جهاز مشروعات الخدمة الوطنية لاستخدامها فى مشروعات للاستزراع السمكي.
قطاع الصحة
في ٢٠١٦ شكلت الهيئة القومية للإنتاج الحربي شراكة مع شركة فاركو للأدوية، قامت على إثره بإنشاء أول مصنع لإنتاج أدوية الأورام في مصر، وذلك بالتعاون مع الشركة القابضة للمستحضرات الحيوية واللقاحات، وقد صنف بعض الخبراء هذه الشراكة بين فاركو للأدوية والهيئة الوطنية للإنتاج الحربي بأنه إقحام غير مبرر ليس له تفسير سوى تعمد المؤسسة العسكرية السيطرة على سوق الأدوية والتوغل فيه.
ومن أكثر الخطوات إثارة للريبة في هذا السياق القرار الذي أصدره المجلس الأعلى للجامعات بوقف جميع المناقصات العامة والمزايدات علي الأدوية والمستلزمات الطبية تمهيدًا لشرائها بشكل مركزي من إدارة الخدمات الطبية التابعة للقوات المسلحة!
وكانت بوابة فيتو قد نشرت، في يونية الماضي، أن القوات المسلحة ستتولى مسئولية توريد دعامات وصمامات القلب والقساطر العلاجية للمستشفيات.
علامة ” ميري” في مجال التعليم!
في إجراء أثار دهشة البعض، قام الحيش الثالث بإنشاء “مدارس بدر الدولية”، والتي توفر تعليمًا بالنظامين الأمريكي والبريطاني، وتحظى باهتمام كبير على مستوى الدعاية والإعلان.
وفي السياق ذاته أيضًا، وفي يونيو الماضي، أعلن الدكتور محمد عثمان نائب رئيس جامعة القاهرة لشئون التعليم والطلاب، أن الجامعة تعاقدت مع هيئة القوات المسلحة للإشراف على خدمات الطعام ومطابخ المدن الجامعية لطلاب الجامعة، حسب جريدة التحرير.
الاستثمار في الطاقة
وفي مجال الطاقة تمكنت وزارة الإنتاج الحربي من توقيع بروتوكول تفاهم مع وزارة التعاون الدولي لتقوم بدورها بتوقيع مذكرة تعاون مع شركة TBEA الصينية بهدف نقل تكنولوجيا تصنيع ألواح الطاقة الشمسية من الرمال، وبدء التعاون الفنى والتجارى والصناعى بين وزارة الإنتاج الحربى وشركة TBEA الصينية!
ولم تترك القوات المسلحة مجال الكهرباء أيضًا، حيث نشرت صحيفة المصري اليوم، في 18 أغسطس الماضي، أن وزير اﻹنتاج الحربي ناقش مع وزيرة التعاون الدولي سحر نصر، ووزير الكهرباء محمد شاكر، عرضًا صينيًا لتقديم قرض ميسر لمصر قدره 3.3 مليار دولار لتمويل إنشاء محطة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية بقدرة 1000 ميجاوات، ومصنع إنتاج ألواح الطاقة الشمسية!
شركات ووزارات أم وسطاء لمؤسسات الجيش؟!
ومن المظاهر اللافتة للنظر في سياق سيطرة القوات المسلحة على السوق المصرية والسعي لتضخيم إمبراطوريتها الاقتصادية، إسناد العديد من الوزارات الحكومية المشاريع المنوط بها تنفيذها إلى القوات المسلحة أو إحدى هيئاتها، ففي منتصف أغسطس الماضي، قررت وزارة اﻷوقاف تفويض وزارة اﻹنتاج الحربي لطرح 10 آلاف فدان من أراضيها في كفر الشيخ على المستثمرين، لإنشاء أول منطقة استثمارية في المحافظة.
وكذلك أعلنت وزارة التموين منتصف أغسطس ٢٠١٦م، أيضًا عن توصلها لاتفاق مع وزارتي التخطيط واﻹنتاج الحربي يقضي بانتقال مسؤولية منظومة بطاقات التموين الذكية وبطاقات الخبز من وزارة التخطيط إلى وزارة الإنتاج الحربي، “لسرعة استخراج البطاقات التموينية الجديدة، وبدل الفاقد والتالف وبطاقات الفصل الاجتماعي، وتجويد العمل بالمنظومة ورفع كفاءتها، وتوفير الماكينات الخاصة بالمخابز والبقالين الجدد”، حسبما نقلت صحيفة اﻷهرام.
شراكات مثيرة للشك
خلال عام ٢٠١٦ دخلت وزارة الإنتاج الحربي في شراكة مع أربع وزارات هي “التخطيط والاتصالات والزراعة والمالية”، في مشروع ميكنة بطاقات الحيازة الزراعية للفلاح، والتى تقدر بسبعة مليون بطاقة، بتكلفة تبلغ 357 مليون جنيه في المرحلة اﻷولى، حسب تقرير نشرته صحيفة المال عن أحد اجتماعات لجنة الاتصالات بمجلس النواب في أغسطس الماضي!
هذا فضلاً عن توقيع وزارة الإنتاج الحربي بروتوكول تعاون مع صندوق “تحيا مصر”، ومحافظة الوادي الجديد “والصندوق الاجتماعي للتنمية”، وذلك بهدف تأسيس محلات للملابس الجاهزة لتوفير فرص عمل للشباب بمحافظة الوادي الجديد!
وحسب اللواء محمد العصار وزير الإنتاج الحربي، فإن وزارة اﻹنتاج الحربي تشارك أيضًا في مشروع منظومة مراجعة وتدقيق وتسجيل بيانات بطاقة الأسرة لعدد 20 مليون بطاقة لحوالى 80 مليون نسمة، بالإضافة إلي مشروع منظومة الرعاية الصحية لغير القادرين في 27 محافظة لحوالى ثلاثة مليون مستفيد، ومشروع منظومة الدعم الفنى الميداني للتعداد السكاني بالتعاون مع الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
وهكذا يبدو لكل مراقب أن مؤسسات القوات المسلحة لم تترك جهة أو مؤسسة مدنية أو وزارة حكومية إلا وسعت للتشارك معها بحجة حماية المواطن من الاحتكار، ولكن بالنظر إلى المكاسب الاقتصادية التي تعود على وزارة الإنتاج الحربي والتي يوضع منها جزء ليس باليسير في خرينة الجيش المصري يتضح أن المسألة ليست حماية مستهلك بل زيادة في العوائد.
وهكذا يودع المصريون عام ٢٠١٦م، بحقائق جديدة مفادها أن القوات المسلحة ليست مجرد حيش لحماية الحدود، بل مجموعة مصالح اقتصادية متشابكة تتنامى يومًا بعد الآخر، ومتوغلة في قلب الاقتصاد ما بين مقاولات الطرق والبناء والاستزراع السمكي والصحة والتعليم والطاقة والشراكات المختلفة، بل والملابس الجاهزة.. فماذا بقي لمصر المدنية؟!