في يوم ذكرى ميلاد كبير الحقوقيين المصريين، الحقيقيين، أحمد سيف الإسلام حمد، كان من المفترض أن تعلن أسرته اسم الحاصل على “جائزة أحمد سيف للحقوق والحريات”، وتقيم حفلاً لتكريم الفائز، تخليداً لمسيرة واحدٍ من أنزه الضمائر الوطنية المصرية وأنقاها.
غير أن المفترض حدوثه لم يحدث، لأن الليلة صارت أكثر عتمةً وإظلاماً من البارحة، إذ اضطرّت الأسرة، ولجنة التحكيم، لإلغاء الدورة الثانية من المسابقة، والسبب: قلة عدد الباحثين الذي تقدّموا لنيل الجائزة.
قال بيان الأسرة إن قرار إلغاء المسابقة كان صعباً على الأسرة ولجنة التحكيم، خصوصاً أن السبب الأساسي لتأسيس الجائزة كان تشجيع الباحثين القانونيين والحقوقيين الشباب.
وأضاف البيان “ونحن نتحمل مسؤولية هذا الإخفاق، إذ لا نعتقد أن الساحة المصرية قد خلت فجأة بين العام الماضي والعام الحالي من الشباب النابهين، بل الأرجح أن تنظيمنا للمسابقة هذا العام قد شابه عيوب، من حيث شروطها أو ضمان وصول الإعلان إلى من نأمل أن يشاركوا فيها، ما أدّى بنا إلى هذه النتيجة”.
واختتم البيان بالقول “نعدكم أن نعلن، خلال أسابيع قليلة، عن إطلاق دورة جديدة للمسابقة، نتلافى فيها ما ذكرناه من عيوب، ونعد بأن نبذل قصارى جهدنا، لكي تنتظم المسابقة في السنوات التالية دون انقطاع”.
غير أن البيان، بهذه الصيغة شديدة التهذيب، لم يتعرّض للأسباب الحقيقية، الموضوعية، لإلغاء المسابقة، وآثر أن يمارس نقداً ذاتياً للأسرة واللجنة المنظمة، ويرجع الأمر إلى “عيوبٍ في التنظيم”، بينما يقول الواقع إنه، في ظل هذه الرياح العاتية من الاستبداد والفاشية، من الطبيعي أن يتحسّس الناشطون في مجال الحريات وحقوق الإنسان رؤوسهم، بالنظر إلى أن مصر تعيش، مع عبد الفتاح السيسي، حالةً مشابهةً لأجواء النازية، في أوج اشتعالها، عندما كان غوبلز وزير دعاية النازي، يقول “كلما سمعت كلمة مثقف تحسّست مسدسي”.
حالة السعار السلطوي ضد الحريات وحقوق الإنسان بلغت مستوياتٍ غير مسبوقة في تاريخ القمع، خلال الشهور القليلة الماضية، وشملت خليطاً مخيفاً من أعمال المداهمة والغلق والمصادرة والتحفظ على الأموال، والمنع من السفر والضبط والإحضار والحبس، ثم الخروج بكفالات، في ظل “تسونامي” من التحريض والكراهية، ينطلق من جميع النقاط الإعلامية التابعة للسلطة العسكرية.
يصرخ، صباحاً ومساء، مطالباً بمزيد من البطش والتنكيل، حتى بات إطلاق وصف “حقوقي” على المواطن كافياً لتحويله إلى متهم ومجرم وعميل، وبالحد الأدنى، من أهل الشر، الذين يسكنون خيال الجنرال المريض، ويستدعيهم كل لحظةٍ لتخويف الجماهير المطحونة من الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، التي يتحدّث النظام للجماهير عنها، باعتبارها أخطر من البوارج الحربية وقاذفات الصواريخ والطائرات المقاتلة، في إطار الملهاة التي يفترسون بها وعي الناس منذ نحو أربع سنوات، عن حروب الجيل الرابع وما بعده.
في هذه الحالة من هستيريا الوطنية الفاسدة، شديدة الرخص والابتذال، تحلّ صيحة “امسك حقوقي” محل “امسك حرامي”، ليرفع الستار عن كبار لصوص المال العام، بموجب أحكام القضاء بعد ثورة يناير 2011، متألقين في المناسبات العامة، بينما الأوغاد المدافعون عن إنسانية البشر وخرائط الوطن يتكوّمون على بلاط الزنازين الباردة، منهم من يفقد البصر، وتتيبس أطرافه.
في هذه الأجواء، من المنطقي للغاية ألا يتقدم أحدٌ لجائزة أحمد سيف الإسلام، للحقوق والحريات، لأنه وقتها سيصنّف “حقوقياً” وإنساناً، في مناخٍ يكره الحقوق ويحتقر الإنسانية.
ولن أملّ من تكرار كلمات آخر الحقوقيين الكبار، أحمد سيف الإسلام، عن مذابح رابعة العدوية وما سبقها وما تلاها.
كان الهدف منها هو إنهاء عصر الجماهير، من خلال تنفيذ ما من شأنه تآكل وتضاؤل وزن الجماهير، كقوة محركة في العمل السياسي، في المستقبل، وهو ما ستدفع ثمنه كل القوى السياسية، وليس فقط الإخوان.