دخلت ليبيا على ما يبدو مرحلة جديدة من الصراع الدولي بين روسيا والغرب، خاصة بعد وصول سفن حربية روسية إلى المياه الإقليمية الليبية، وسط توقعات بسعى موسكو إلى إقامة قاعدة عسكرية في ليبيا، فضلا عن إنزال إيطاليا وحدات عسكرية في العاصمة طرابلس بدعوى حماية سفارتها، إضافة إلى وجود ألف جندي أمريكي.
ناهيك عن مشاركة فرنسا في القتال بمدينة بنغازي (شرق)، ومشاركة الطيران الأمريكي، إلى جانب “كتائب مصراته” (موالية لحكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة)، في قصف تنظيم داعش بمدينة سرت (450 كلم شرق طرابلس)، مع تواتر أخبار عن تواجد قوات خاصة بريطانية وإيطالية في مناطق غربي ووسط ليبيا.
وقادمة من المياه الإقليمية السورية، دخلت حاملة الطائرات الروسية “الأميرال كوزنيتسوف” المياه الإقليمية الليبية، الأربعاء الماضي، فيما تردد في اليوم التالي أن إيطاليا (المحتل السابق لليبيا) أرسلت قوات إلى طرابلس؛ بدعوى حماية سفارتها، التي افتتحتها الأسبوع الماضي، لتصبح أول دولة غربية، منذ عامين، تعيد افتتاح سفارتها في العاصمة الليبية.
الدور الإيطالي
ولم تخف روما امتعاضها من تقارير إعلامية ليبية عن توقيع الجنرال الليبي خليفة حفتر، قائد القوات التابعة لمجلس النواب المنعقد في مدينة طبرق (شرق)، اتفاقا مع موسكو بشأن تنفيذ اتفاقية صفقة سلاح كان ﻧﻈﺎﻡ العقيد الراحل، ﻣﻌﻤﺮ ﺍﻟﻘذﺍفي، ﺃﺑﺮﻣﻬﺎ مع موسكو في 2008، مقابل السماح للسفن التابعة لسلاح البحرية الروسي باستخدام ميناء بنغازي (ألف كلم شرق طرابلس).
وتعليقا على التحرك الروسي، قال وزير الخارجية الإيطالي، إنجيلينو ألفانو، إن “الاتفاقيات المحتملة بين الجنرال حفتر وروسيا، والتقدم الروسي في الساحة الليبية بعد سوريا، يدفعنا إلى مزيد من العمل ليكون لنا دور قيادي في المشهد الليبي، حتى من خلال الحوار مع حفتر”.
تصريح ألفانو جاء على هامش إعلانه عن إرسال روما مساعدات عاجلة، تتضمن أدوية ومواد طبية، إلى شرق ليبيا، حيث يسيطر حفتر على معظم إقليم برقة، باستثناء أحياء في بنغازي يسيطر عليها موالون لحكومة الوفاق.
لكن، وبالتزامن مع تواجد حاملة الطائرات الروسية في المياه الإقليمية الليبية الشرقية، انتقدت الحكومة المؤقتة بمدينة البيضاء (شرق)، الموالية لحفتر، تواجد بارجتين حربيتين إيطاليتين قرب السواحل الليبية الغربية.
الحكومة المؤقتة تحدثت أيضا، الخميس الماضي، عن “نزول وحدات من القوات الإيطالية في طرابلس”، فضلا عن “معلومات تفيد بوجود أكثر من ألف جندي أمريكي دخلوا (ليبيا) خلسة، ومتمركزين في إحدى ضواحي العاصمة”.
وسبق أن أرسلت إيطاليا، التي تترأس حاليا الاتحاد الأوروبي، مستشفى ميداني إلى مدينة مصراته (200 كلم شرق طرابلس)، يضم 200 شخص، نصفهم عسكريون، خلال عملية تحرير مدينة سرت من تنظيم داعش بين مايو وديسمبر أول الماضيين.
كما توجد، وفق وسائل إعلام ليبية، وحدات عسكرية إيطالية في محافظة الجفرة (وسط)، والتي سبق وأن قصف طيران حفتر، مرارا، قاعدتها الجوية الخاضعة لسيطرة “كتائب مصراته”.
نشاط بريطاني
ونقلا عن مصدر عسكري ليبي، ذكرت صحيفة “الخبر” الجزائرية أن بريطانيا – بالرغم من حظر تصدير السلاح إلى ليبيا من الامم المتحدة – تعيد بناء منظومة دفاع جوي متكاملة في مصراته، لحساب “كتائب مصراته”، إضافة إلى تدريب طيارين وفنيين، وتوريد طائرات حربية ومنظومة صواريخ دفاع جوي وردارات، وذلك على المدى الطويل، بالتزامن مع إعادة تأهيل قصير المدى لمنظومة الدفاع الجوي الروسية القديمة.
هذه المهمة الأخيرة تولتها أوكرانيا حتى لا تبقى ليبيا (مصراتة والغرب الليبي) مكشوفة أمام أي غارات لطائرات “مجهولة”، كما حدث في معركة مطار طرابلس عام 2014، حين قتل العشرات من مقاتلي مصراتة في غارات “مجهولة”، بحسب المصدر الليبي.
أما الولايات المتحدة الأمريكية فشاركت قواتها الجوية بشكل مباشر في عملية تحرير سرت من داعش، إضافة إلى تواجد قوات خاصة أمريكية وبريطانية في المنطقة الفاصلة بين مصراته وسرت، وظهر ذلك جليا خلال اشتباكات مع عناصر داعش، في مايو/ أيار 2016، خلال عملية “البنيان المرصوص”، التابعة لحكومة الوفاق، لتحرير سرت.
قوات فرنسية
وإذا كانت واشنطن ولندن وروما تنسق عملياتها بشكل أكبر مع حكومة الوفاق الوطني و”كتائب مصراته”، على الأرض، فإن قواتا فرنسية خاصة شاركت في عمليات عسكرية لحفتر في بنغازي، وهو ما تأكد بعد سقوط مروحية فرنسية غرب طرابلس خلال مواجهات مع “سرايا الدفاع عن بنغازي”، وهو تجمع لمسلحين من الشرق مناهضين لحفتر، ومدعومين من “كتائب مصراته”.
كذلك تتواتر أخبار عن تواجد قوات خاصة فرنسية جنوب غربي ليبيا؛ لمطاردة الجماعات المسلحة والإرهابية في شمال مالي، والتي تجوب بلدان الساحل الإفريقي دون ردع.
روسيا وحفتر
على متن حاملة الطائرات الروسية “الأميرال كوزنيتسوف”، وبينما كانت راسية في ميناء طبرق، الأربعاء الماضي، اجتمع حفتر مع رئيس أركان الجيش الروسي، فاليري غيراسيموف، وأجرى مباحثات مع وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، عبر دائرة تلفزيونية، وذلك وسط دعوات من حفتر لموسكو كي تزوده بالسلاح.
وبحسب الدكتور جواد الحمد، الخبير الاستراتيجي الأردني، مدير مركز دراسات الشرق الوسط بالأردن، فإن “روسيا لن تلتزم بالحظر الدولي المفروض على توريد السلاح إلى أطراف الصراع في ليبيا”، مستشهدا بـ”إرسال موسكو أسلحة ثقيلة إلى سوريا (حيث تدعم قوات النظام في مواجهة المعارضة) رغم حظر بيع الأسلحة لنظام الأسد”.
الحمد، وفي حديث للأناضول، لم يستبعد أن “تقوم موسكو بتفعيل اتفاقية وقعتها مع نظام القذافي في 2008، وكان مقررا أن تدخل حيز التنفيذ في 2010، ومن بين بنودها السماح بإقامة قاعدة بحرية (روسية) في بنغازي، (جنوب البحر الأبيض المتوسط) على غرار قاعدة طرطوس (الروسية) في سوريا (شرق البحر الأبيض المتوسط)”.
ووفق مصادر دبلوماسية عربية، بحسب موقع “العرب” اللندني، فإن الصفقة، التي يسعى حفتر إلى تفعيلها لصالحه، تبلغ قيمتها 1.8 مليار دولار، وتشمل شراء نحو 20 طائرة مقاتلة، ومنظومات صاروخية من نوع “إس 300” المضادة، ودبابات من طراز “تي 90″، إضافة إلى تحديث وتطوير 140 دبابة من نوع “تي 72”.
وخلال زيارته الأخيرة لموسكو، في 27 نوفمبر/ تشرين ثان الماضي، ووفقا للمصادر ذاتها، طلب حفتر شراء 12 طائرة من نوع “سوخوي 35” و”سوخوي 30″، و4 طائرات للتدريب من طراز “ياكوفليف 130″، بحسب المصادر ذاتها.
الساحة الخلفية لأوروبا
لكن تواجد قواعد بحرية أو جوية روسية، كما يتردد، شرقي ليبيا يعني أن “الساحة الخلفية الأوروبية تحت التهديد”، بحسب الخبير الاستراتيجي الأردني، الذي أضاف أن “أوروبا قلقة من أي تحرك روسي شرقي ليبيا؛ فهذه مسألة جوهرية بالنسبة لها، خاصة وأن لها علاقات اقتصادية وتجارية مع ليبيا”.
ففي قطاع النفط والغاز الليبي، تسيطر شركة “إيني” الإيطالية على معظم الاستثمارات، وتملك حقول نفط وغاز، منها “أبو الطفل” (50% حصة “إيني”)، وحقل “البوري” (50%)، وحقل “الفيل” (33.3%)، وحقل “الوفاء” (50%).
كما أن إيطاليا شهدت في 2016، تدفق أزيد من 180 ألف مهاجر غير شرعي، غالبيتهم قدموا إليها من السواحل الليبية.
وعامة، تخشى إيطاليا أن يؤثر التواجد الروسي في ليبيا على نفوذها الاقتصادي في مستعمرتها السابقة، خاصة وأن روسيا خسرت استثمارات بقيمة 10 مليار دولار قبل سقوط القذافي في 2011.
رئاسة ترامب
وكثيرا ما يعتبر محللون روس أن نشاط الأسطول الروسي في البحر الأبيض المتوسط يمثل أحد أوجه الرد على الدرع الصاروخية الأمريكية المنصوبة شرقي أوروبا، وتعتبرها موسكو تهديدا مباشرا لأمنها القومي.
غير أن إقامة قاعدة بحرية روسية في ليبيا، بحسب الخبير الإستراتيجي الأردني، “يتيح للجيش الروسي التواجد على مسافة أقرب من أوروبا والقواعد الأمريكية في جزيرة صقلية الإيطالية.. وهذا غير مقبول إستراتيجيا بالنسبة لواشنطن”.
الحمد مضى قائلا إن “الصمت الأمريكي الراهن تجاه التمدد الروسي في ليبيا ربما يهدف إلى توريط الدب الروسي أكثر في مستنقع النزاعات الدولية بالشرق الأوسط، وربما يعبر عن رضا غربي عن هذا الدور الروسي في محاربة الإرهاب”.
وبنظرة أشمل، قال إن واشنطن اتخذت قرارا مبكرا بعدم التدخل العسكري في ليبيا، وتركت الأمر إلى حلفائها الأوروبيين، مع ترك قوات أمريكية صغيرة على الأرض، سواء في ليبيا أو العراق أو سوريا”، داعيا إلى انتظار بدء ولاية الرئيس الأمريكي المنتخب، (الجمهوري) دونالد ترامب، يوم الجمعة المقبل؛ لـ”الحكم على السياسة الأمريكية تجاه التمدد الروسي في ليبيا، لاسيما في ظل تعامل الجمهوريين المتشدد مع القضايا الدولية مقارنة بالديمقراطيين”.