قبل أيام قليلة من انعقاد مؤتمر “أستانة” بخصوص سوريا المقرر الإثنين المقبل، تعالت الأصوات المؤيّدة لمباحثات، يرى أصحاب تلك الأصوات، أنها تمثّل المسار الأوحد لحقن الدماء في سوريا، ومنصّة من شأنها أن تمهّد للتوصّل إلى حلّ سياسي على قاعدة القرارات الدولية المتعلقة بالأزمة.
وفي 4 يناير، قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، إنّ محادثات “أستانة” للسلام السورية، ستبدأ في 23 يناير الجاري، في حال التزمت الأطراف المتحاربة باتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ 30 ديسمبر الماضي.
مبادرة تركية روسية من أجل إنهاء الحرب الأهلية في سوريا، لاقت، غداة تصريح الوزير التركي دعما من قبل واشنطن في تصريح لوزير خارجيتها جون كيري.
– وقف حمام الدم
المحلّل السياسي المختص في الشأن السوري، عمر الشيخ، قال، في حديث للأناضول من العاصمة التونسية حيث يقيم حاليا، إن “المؤتمر يأتي عقب تقارب تركي روسي ظهرت بوادره مباشره بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا منتصف يوليو”.
محادثات قال المحلل السوري، إنها تستجيب لانتظارات شعبه “المتطلّع لأي فرصة أو حل يحقن الدماء، ما يجعل الآمال المعلّقة على هذا المؤتمر كبيرة، لأن يكون بداية تشكّل حلّ مبدئي للأزمة”.
غير أن الحلقة الضعيفة في هذا المسار تظل، حسب المحلل، غياب الثقة من قبل جمهور الثورة بروسيا، لكن وجود تركيا كراع ثان للمؤتمر يعطي آمال بمخرجات محتملة عنه تكون ملبية لحاجة السوريين إلى التقاط أنفاسهم ضمن كيانات موحدة عسكرياً وسياسياً.
لكن، ومهما كانت أهميتها، تظل هذه المخرجات مرهونة بعوامل داخلية وخارجية، أبرزها موقف المليشيات الطائفية الإيرانية وأذرعها التي تقاتل على الأرض من هذه النتائج.
كما لا ينبغي إغفال أن قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الايراني والذي كان يشرف مباشرة على المعركة في حلب الشرقية مؤخرا، قام بتعطيل اتفاق الهدنة، ما اضطر الروس إلى التدخل عسكرياً أكثر من مرة لتنفيذ الاتفاق بإخراج المدنين.
لكن سليماني استطاع فرض شروطه ما أثار استياء الروس، وهو ما قد يدفع نحو تصاعد التوتر بين روسيا وإيران مستقبلاً.
– نحو حل سياسي
الشيخ قدر أيضا أن مؤتمر “استانة” من شأنه تمهيد الطريق للتوصّل إلى حلّ سياسي على قاعدة القرارات الدولية المتعلقة بسوريا، وصولا إلى مفاوضات جنيف التي قد تشكّل المنصّة الأخيرة للصراع الدامي في سوريا.
وتعقيبا عن الجزئية الأخيرة، أشار عمر الشيخ إلى أن التمهيد لحل النزاع يتطلّب المرور بمراحل تبدأ أوّلها بوقف إطلاق النار والتهدئة وجلوس الأطراف المتحاربة على طاولة مفاوضات لترسيخ الهدنة، ومن ثمة العمل على إزالة أو تحييد جميع عوامل انفجار الوضع من جديد.
خطوة تسبق وضع خطوط عريضة لمبادرة حلّ سياسي، وهذا ما يبدو أن محادثات استانة ترنو للتوصّل إليه، سيما في ظل عدم فاعلية التدخّل العسكري الروسي المباشر في سوريا منذ أكثر من عام.
فموسكو، يتابع المحلل، “تدرك جيدا أن التدخل العسكري لن يحلّ الأزمة، ولن يعيدها إلى الساحة الدولية كقوة عظمى، ولذلك ارتأت أن تبادر – على غير العادة ـ برعاية طاولة مفاوضات وعملية سياسية مشتركة مع تركيا، لايجاد حل مؤقت أو دائم لإنهاء القتال في سوريا، وإن كان عبر مراحل”.
توجه اعتبر الشيخ أن “روسيا تطرح نفسها من خلاله، كدولة فاعلة عسكرياً وسياسياً، حيث صرحت أن مؤتمر أستانة مكمل لمؤتمر جنيف أو امتداد له وليس بديلا عنه، وكما صرح بذلك دي ميستورا (المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا)”.
ومع أن عدم دعوة الولايات المتحدة، في البداية، لهذا المؤتمر طرح نقاط استفهام عديدة، إلا أن الخارجية التركية أعلنت في وقت لاحق بأن الدعوة وجهت للأمريكان، ما يعد مؤشرا ايجابيا، يضاف اليه دعوة بعض الفصائل العسكرية التي كانت تعتبرها روسيا متطرفة أو “إرهابية”، مثل أحرار الشام.
كما أن اختيار محمد علوش رئيساً لوفد الفصائل المقاتلة في مؤتمر أستانة يظهر جلياً أن تركيا وروسيا تركزان جهودهما على التحاور المباشر مع المقاتلين على الأرض(…)، ما يشي بملامح الحل المستهدف، وبالتالي، فإن مخرجات هذه المفاوضات تتطلب رعاية دولية أممية قادرة على فرضها على الاطراف وفق قرارات مؤتمر جنيف.
– تأثيرات ايجابية
واستنادا لما تقدم، خلص الشيخ إلى أن التوافق التركي الروسي سيكون له تأثيرات ايجابية على محاربة الارهاب في سوريا والعراق.
فتركيا تدخلت عسكريا في سوريا والعراق، بقواتها البرية سواء في الباب وجرابلس(شمالي سوريا)، أوفي معسكر بعشيقة شمالي العراق، لذلك، فإنه، وفي حال استمر وترسخ هذا التوافق، فإن فوائده ستكون هامة، بما أن الطائرات الروسية بإمكانها تغطية مساحات جغرافية واسعة للتنظيم في سوريا لا تصل اليها القوات التركية، اضافة الى التعاون المخابراتي واللوجستي بين الطرفين.
مؤتمر يعتبر خطوة مصيرية لفت الشيخ في ختام حديثه، إلى أنها ستشكل دفعا نحو حل سياسي من شأنه وضع حد للحرب في سوريا، مع ما يعنيه ذلك من خفض لمنسوب التوتر في المنطقة بأسرها.