لست من دعاة اليأس، ولكني أدعو بعض المصريين ممن اقتنعوا ببعض الأفكار، وممن حملوا بعض الأمنيات أن ييأسوا من تحققها.
أولا : كل من كان يحلم بعودة أيام “مبارك” وعودة مصر إلى ما قبل يناير 2011 أدعوه إلى النظر بعين الحقيقة، هذه أيام لن تعود.
لا تحدثني عن عودة جمال وعلاء إلى “مدرجات الكرة”، فالحقيقة المرة أنهم لا يستطيعون نزول “ملعب السياسة” بسبب أحكام قضائية تخل بالشرف، وأمامهم سنوات طوال قبل أن يستطيعوا أن يمارسوا أي عمل سياسي، هذا إذا افترضنا أن لهم وزنا يمكن أن يقلب الموازين أو أن يغير المعادلة، فضلا عن أن يملكوا حلولا للخراب الذي حل بمصر، ذلك الخراب الذي شاركوا فيه مع أبيهم وأمهم.
ثانيا: كل من يرى في السيد عبدالفتاح “سيسي” رئيس جمهورية الأمر الواقع بطلا قوميا وطنيا منقذا لمصر، وبانيا لمصر الحديثة … أدعو هؤلاء بالذات إلى اليأس التام من هذه الخزعبلات، وأقول لهم إن الرجل قد أثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه مجرد خائن لكل من وما هو مصري، وأنه عميل مزروع تم “استئجاره” للقيام بمهمة محددة، بصفته “مقاول هدم”، وجرثومة خراب … لا أكثر.
أعتقد أن الأمر أوضح من أن يوضح، ومن لا يرى ذلك الآن فهو أعمى من أعمى !
ثالثا: كل من يظن أن حذف الإسلاميين من الحياة السياسية أمر ممكن … أدعوه إلى اليأس من إمكانية تطبيق هذه الفكرة.
فبعد سنوات مما حدث في يوليو 2013 ما زالت مصر تتراجع، وستظل في تراجع حتى يمكن للجميع أن يفهموا أن استئصال قوة بهذا الحجم أمر مستحيل، وكل هذه المحاولات لن تزيد الوضع في مصر إلا انهيارا.
رابعا: كل من يتمنى عودة الدكتور مرسي لممارسة صلاحياته الرئاسية كاملة، مع عودة دستور 2012 وبرلمان 2011 أقول لهؤلاء إن الوقت قد مضى للتمسك بهذه المطالب، وتجاوزها الزمن، ومن المستحيل أن يتحقق ذلك، حيث لا يوجد ظهير شعبي يحققها ويناضل من أجلها (خاصة بعد التراجع الحاد لحراك الشارع)، ولا يوجد حليف سياسي يؤيد تلك المطالب، ولا توجد قوة إقليمية أو دولية متعاطفة مع تلك الرؤية، فضلا عن أن يكون لها مصلحة في تحققها، (مع ملاحظة أنني لا أتحدث عن مدى مشروعية هذه المطالبات، وأنني أثمن النضال والتضحيات الذي قدمه آلاف الأبطال من أجلها).
خامسا: كل من يظن أن هناك إمكانية لحذف أي مُكَوِّن فكري أو سياسي بقوة السلاح (حتى لو كان صغيرا في الحجم أو التأثير) … أدعو هؤلاء إلى إعادة التفكير في هذا الوهم.
سادسا: كل من يظن أن مصر ملك لثورة يناير وثوارها فقط … أدعوه لليأس من هذه الفكرة، الثورة لها ظهير شعبي ضخم، يقدر بعشرات الملايين، وانتصارها في صالح جميع المصريين (بما فيهم أعداء الثورة)، ولكن ثبت أن لدينا ملايين المواطنين ضد التوجهات الثورية (فلول)، وثبت أن انتصار الثورة بالضربة القاضية (كما حدث في 11 فبراير مثلا) أمر شبه مستحيل.
لدينا مصريون انتخبوا أحمد شفيق، وعمرو موسى، والسفاح المدعو “سيسي” وغيرهم، هؤلاء من ضمن المكونات الموجودة في مصر، وسوف نتعامل معهم، وسيظلون بيننا، مهما فعلنا … لا مجال لاستئصال أحد من المشهد.
سابعا: كل من يظن أن استمرار حكم العسكر ممكن، أو أن حكم العسكر قدر مصر السرمدي الأزلي، أقول لهؤلاء لقد وصلنا إلى المحطة الأخيرة، وها هم العساكر قد حكموا مصر بشكل مباشر دون ستار، ودون منافس، ودون أي عوائق، وكان معهم ظهير شعبي جارف، وتأييد إقليمي ودولي كاسح، ولكنهم فشلوا فشلا ذريعا، وخانوا الأمانة خيانة عظمى.
لكل ما سبق … أدعو جميع المصريين إلى اليأس من إمكانية تنفيذ هذه الأفكار التي ذكرتها، مهما كانت هذه الأفكار نبيلة … أو انتهازية، شريفة أو منحطة … لا فرق … فالواقع يقول إن تطبيق هذه الأفكار والأمنيات يكاد يصل إلى درجة المستحيل.
ما الحل إذن؟
الحل في أن ندعو المصريين إلى الأمل !
والأمل هو مشروع وطني يستطيع أن يتبنى أفكارا يمكن تطبيقها، مشروع وطني يجمعنا على كلمة سواء، بحيث ينتهي حكم هذا العميل القابع في القصر، فتنفتح الحياة السياسية أمام الجميع.
الحل في أن يتعايش الجميع وفق عقد اجتماعي جديد في دولة القانون التي تحترم وتلتزم بحقوق المواطنة.
إذا حدث ذلك سيحصل كل من له أمنية مستحيلة على الجزء الممكن من أمنيته.
الثوريون سينظمون أنفسهم من جديد في شكل أحزاب وحركات سياسية واجتماعية وغيرها، وسينشرون مباديء الثورة، ووعي الثورة.
الإسلاميون.. صحيح أن عودتهم المباشرة للحكم مستحيلة (الآن)، ولكن عودتهم لممارسة السياسة حق أصيل، وعودتهم التدريجية إلى مقاعد الحكم ستكون أمرا ممكنا، شأنهم شأن جميع المواطنين.
الفلول.. سيتاح لهم ممارسة السياسة، وسيتاح لهم أيضا العمل التجاري الذي استولى عليه الجيش بقوة السلاح.
والجيش.. سيعود معززا مكرما إلى ثكناته، ويتفرغ لمهمته المقدسة، ويعود له احترام الناس، ومن أراد أن يمارس السياسة من العسكريين فليستقل ولينزل ملعب السياسة كأي مواطن مصري.
المشروع الوطني أساسه أن يجمع الناس لإنهاء الصفحة السوداء التي نعيش فيها، وأن يفتح الجميع صفحة جديدة أساسها التعايش … وأول شروط الصفحة الجديدة أن نصفي الصفحة السوداء التي تمر بها مصر من خلال برنامج عدالة انتقالية حازم وعادل، يحاسب المجرم، وينصف المظلوم.
بعد ذلك يتفق الجميع على بناء دولة القانون التي تنصف الجميع، وتتسع للجميع، حينها يستطيع كل من يملك مشروعا أن يحقق مشروعه بالتدريج وفقا للآليات الديمقراطية.
أقول هذه الكلمات في ذكرى ثورتنا العظيمة، التي اندلعت في مثل هذه الأيام من ست سنوات، لكي يعلم الناس أننا قد تعلمنا الكثير، وأننا مستعدون لاستكمال ثورتنا، ومستعدون لبناء دولتنا، وأننا نعرف جيدا الفارق بين اليأس والأمل، ونعرف الممكن من المستحيل.
إذا قدمنا للشعب المصري حلا معقولا، يضمن لهم تحولا تدريجيا من ظلمات الاستبداد والفقر، إلى نور الحرية والرخاء … سيستجيب الناس لنا كما عودونا.
أما مطالبة الشعب بتغيير الوضع الحالي مع كل هذا الاستخذاء من النخب المنحطة التي تتصدر المشهد … فهو تحميل للشعب فوق طاقته.
قدموا للشعب رؤية واضحة في مجملها (ممكنة لا مستحيلة)، وتأكدوا أنه لن يخذلكم أبدا.
عاشت مصر للمصريين وبالمصريين ..
لقراءة المقال الأصلي: عربي21