هذا جرس يجب أن يسمعه أهل مصر. أتحدث عن تقرير حصاد القهر فى عام ٢٠١٦ الذى أصدره فى الذكرى السادسة لثورة يناير مركز «النديم» لعلاج ضحايا التعذيب، صحيح أنه يطلعنا على الشق الفارغ من كوبنا، إلا أننى أزعم بأنه الأخطر والأهم، لأنه يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان فى مصر. وهذه أيا كان قدرها تظل وصمة يتضاءل إلى جوارها حجم الجزء الملآن من الكوب. وقد وصفت التقرير بأنه «جرس» وليس لائحة اتهام، لأنه ينبهنا إلى ما يستحق أن ننتبه إليه ونتثبث منه، وغنى عن البيان أننى لا اتبنى بيانات التقرير ولا أدافع عنها، لكننى أقول أن تجاهلها واثم الصمت عليها جرم لا يقل فى فداحته عن جرم ارتكاب الانتهاكات.
فى تقديم التقرير إشارة إلى أن مادته الأساسية جمعت مما نشرته وسائل الإعلام المصرية وما تداولته مواقع التواصل الاجتماعى. بمعنى أن دور فريق العمل فى مركز النديم ظل مقصورا على تجميع المعلومات وتوثيقها وتصنيفها ثم إطلاق الجرس فى الفضاء المصرى للتنبيه والتحذير.
البيانات المهمة التى سجلها التقرير ما يلى:
< خلال عام ٢٠١٦ تمثل حصاد القهر الذى أوردته الصحف والسوشيال ميديا فى الأرقام التالية: قتل خارج القانون ١٣٨٤ حالة ــ وفاة فى مكان الاحتجاز ١٢٣ ــ تعذيب فردى ٥٣٥ ــ تكدير وتعذيب جماعى ٣٠٧ ــ إهمال طبى فى مكان الاحتجاز ٤٧٢ ــ اختفاء قسرى ٩٨٠ (ظهر منهم ١٠٥) ــ ظهور بعد اختفاء ٤٢١ ــ عنف دولة ٣١٣.
< فى توزيع الانتهاكات على المحافظات كانت لسيناء الحصة الأكبر إذ سجلت فيها ١٢٨٦ حالة، بينها ١٢٣٤ حالة قتل و٤٢ حالة اختفاء قسرى. واحتلت القاهرةا المرتبة الثانية. إذ كان نصيبها ٧٢٧ انتهاكا، بينها ٣٤ حالة قتل و٢٥ حالة وفاة فى مكان الاحتجاز ــ ١٢١ حالة تعذيب ٢٠٤ حالة إهمال طبى و١٥١ حالة اختفاء قسرى و٩٤ حالة عنف دولة ــ الإسكندرية احتلت المرتبة الثالثة حيث شهدت ١٣٣ انتهاكا كان أبرزها ١٠٧ حالة تعذيب و٨٧ حالة اختفاء قسرى، واحتلت الجيزة المرتبة الرابعة، بإجمالى ١٩٥ حالة، كان بينها ٨٥ حالة اخفاء قسرى.
< كان القصف الجوى مصدر أكثر حالات القتل فقد وصل ضحايا القصف إلى ٤٥١ حالة ــ إلا أن عمليات التصفية (على الأرض) وصلت إلى ٤٤٣ حالة ــ وهناك ٣٦٨ حالة تم فيها القتل بواسطة إطلاق النار فى الحملات الأمنية.
< خمسة سجون وردت منها شكاوى التعذيب هى برج العرب (٥١٠) سجن العقرب (٣٣) طرة (٢٤) وادى النطرون (٢٠) بورسعيد (١٤) ــ أما أكثر شكاوى التعذيب بين أقسام الشرطة فقد وردت على قسم شرطة ديرب نجم بمحافظة الشرقية (٢٥ حالة) ثم قسم أول المنتزه بالإسكندرية (١٧).
< أخبار التعذيب والتكدير الجماعى جاء أكثرها من سجن العقرب (٦٣ خبرا) ثم سجن برج العرب (٣٨ خبرا) ثم سجون طرة (٢١) والوادى الجديد (١٢).
< فى توزيع المختفين قسريا حسب المحافظات، سجلت القاهرة (٥١ حالة) والإسكندرية (٨٧) والجيزة (٨٥) ثم الفيوم (٥٨) والشرقية (٤٥).
ليست هذه كل معلومات التقرير، لأن الشق الخاص بالأرقام حافل بتفاصيل أخرى. فضلا عن أن ثمة جزءا تضمن شهادات من السجون وصفت أوضاعها، وثمة جزء آخر تضمن شهادات معتقلين سابقين سجلت معاناتهم، وثالث سجل شهادات أهالى المسجونين…إلخ.
لم استغرب التصريحات الرسمية التى أنكرت كل ما سبق، الأمر الذى يشكك فى أن الانتهاكات ليست انحرافات أمنية ولكنها تنفيذ لسياسة الدولة. لكننى استغرب سكوت «النخبة الوطنية» وعدم إكتراث أغلب عناصرها إزاء ما يجرى.
وهو ما يقدم لنا تعريفا جديدا للمصطلح يختلف عما نعرفه يفقد النخبة شرعيتها، ويفرغ الوطنية من أحد أركانها. أما أم العجائب فهى إقدام الدولة على معاقبة الذين جمعوا تلك المعلومات بدلا من التحقيق فى الأمر ومحاسبة الذين مارسوا الانتهاكات. وهو ما تمثل فى قرار إغلاق مركز النديم بعد إصداره تقرير عن عام ٢٠١٥، وما يجعلنا لا نتفاءل بما سيترتب على إصدار تقرير عام ٢٠١٦ الذى ودعناه. ولا تسألنى عن عام ٢٠١٧.