مغفل من يعتقد أن النظام السوري فعل كل ما فعل بإرادته أو بمبادرته الشخصية. لا أبداً. إن هذا العالم الذي أصبح كالجسد البشري إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى لم يكن ليسمح لنظام الأسد أن يفعل ما فعل بالسوريين لو لم يحصل على الضوء الأخضر الدولي. صحيح أن النظام السوري يتمتيز عن بقية الأنظمة العربية بأن قادته وجنرالاته من طينة الوحوش والحيوانات، لكنهم أجبن ألف مرة من أن يقترفوا ما اقترفوه من جرائم لا مثيل لها لو لم يحصلوا على مباركة وضوء أخضر خارجي. بعبارة أخرى: لا تبحث عن الساطور الأسدي الذي ذبح السوريين، بل ابحث عن اليد التي حركته وحمته طوال ست سنوات، وحالت دون لجمه أو عقابه. المثل يقول: من أمن العقوبة أساء الأدب.
عندما تحدى بشار الأسد الثوار السوريين بعد أسابيع قليلة فقط على اندلاع الثورة، وهددهم بحرب لا ترحم، لم يكن ذلك شجاعة منه، بل قال ذلك بعد أن حصل على تطمينات ومباركة خارجية. ولعلنا نتذكر ما قاله الفنان السوري جمال سليمان صديق الرئيس السوري، فقد أفشى سليمان سراً أخبره به بشار شخصياً وهو أن إسرائيل أعطت الأسد الضوء الأخضر أن يفعل ما يريد بالسوريين الثائرين، وأن الإسرائيليين طمأنوه شخصياً بأنهم سيتركوه يفعل ما يريد دون أدنى شكوى أو تدخل.
وعندما يحصل النظام على ضوء أخضر إسرائيلي فهذا يعني ضمناً أنه حصل بشكل أتوماتيكي على ضوء أخضر أمريكي غربي روسي لوأد الثورة السورية. ولعلنا نتذكر كيف هرب الجيش الأسدي من لبنان خلال أيام عندما أمرته أمريكا بالخروج من هناك. فهو يعلم أن الأوامر الأمريكية لا يمكن تحديها. ولو أومأت له أمريكا بأن لا يحرك جيشه ضد الثورة لما تجرأ الأسد على إطلاق رصاصة واحدة على المتظاهرين، فما بالك أن يستخدم ضدهم كل أنواع الأسلحة البرية والجوية.
هل كان نظام الأسد قادراً أن يستخدم سلاح الطيران لقصف المدن والبلدات السورية وتدميرها فوق رؤوس ساكنيها هكذا دون ضوء أخضر دولي أو أمريكي أو روسي أو إسرائيلي؟ لا يمكن لأي نظام مهما تجبر أن يستخدم سلاح الطيران ضد الشعب الأعزل لو لم يحصل على ضوء أخضر دولي. ونحن نعلم أن بعض المناطق المحاذية للحدود الإسرائيلية مثلاً ممنوع على الطيران السوري أو حتى الدبابات السورية أن تتحرك داخلها بموجب الاتفاقيات العسكرية مع إسرائيل. لكننا فجأة وجدنا أن طيران النظام ودباباته تحركت بكل حرية داخل المناطق الحدودية مع إسرائيل دون أدنى اعتراض إسرائيلي. وهذا يعني ضمناً أن إسرائيل أعطته الضوء الأخضر ليستخدم قوته الأرضية والجوية ضد الثوار السورية.
وهذا يؤكد تماماً كلام الأسد لجمال سليمان بأن إسرائيل أطلقت يديه ليفعل ما يشاء بالسوريين. ولا شك أن من مصلحة إسرائيل أن يفعل الأسد ما فعل بالسوريين، فالدمار والتهجير والتركيع والتجويع يصب في المصلحة الإسرائيلية. ماذا تريد إسرائيل من النظام أكثر من أن يذل الشعب ويشرده ويجوعه كي يشل حركته وقدرته على المقاومة ويجعله لقمة سائغة للأعداء؟
هل كان مجلس الأمن أو الأمم المتحدة أو أمريكا وأوربا ستسمح لأي نظام آخر في العالم أن يستخدم سلاح الجو والبراميل المتفجرة بهذه الأريحية؟ بالطبع لا. لو فعلها أي نظام آخر لأقاموا الدنيا ولم يقعدوها، لكنهم صمتوا تماماً عما فعله الأسد، أي أنهم باركوا فعلته. حتى أن أمريكا داست على خطوطها الحمراء عندما تركت الأسد يستخدم أيضاً السلاح الكيماوي المحرم دولياً. وماذا كانت النتيجة؟ لم يتعرض النظام لأي عقاب دولي، وكأن العالم يقول له: استخدم ما تشاء حتى تقضي على الثورة وتعيد السوريين إلى زريبة الطاعة.
نحن نعلم أيضاً على ضوء التجارب الدولية أن الأمم المتحدة وأمريكا تقيمان الدنيا ولا تقعدها عندما تتدخل دولة في شؤون دولة أخرى. حتى روسيا تعرضت لعقوبات كبيرة عندما دخلت القرم وجورجيا من قبل. ومازالت تعاني من العقوبات الغربية حتى هذه اللحظة. أما نظام الأسد فقد سمحوا له باستقدام الميليشيات الإيرانية والعراقية واللبنانية والكورية والباكستانية والشيشانية. لم نلاحظ أي احتجاج أمريكي أو إسرائيلي على دخول القوات الإيرانية إلى سوريا ووصولها حتى إلى الحدود الإسرائيلية بقيادة قاسم سليماني. هل كان حزب الله أو إيران يحلمان بدخول سوريا لولا الضوء الأخضر الإسرائيلي أولاً والأمريكي ثانياً؟ ثم سمحوا لروسيا القوى العظمى بدخول سوريا براً وبحراً وجواً لمساعدة النظام لذبح الشعب السوري والقضاء على ثورته. وقد أثنى وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري قبل على أيام على الدور الروسي والإيراني في حماية نظام الأسد من االثوار السوريين. قالها بكل فجاجة.
إن الطواغيت العرب الأجراء وعلى رأسهم نظام الأسد ما هم سوى أدوات قتل وتدمير وتهجير وتركيع في خدمة أسيادهم الدوليين. إنهم عبيد أذلاء وهم بذلك أجبن من أن يقدموا على أي جريمة لولا الضوء الأخضر الخارجي أولاً والحماية الدولية ثانياً. وقد قال المعارض السوري المعروف جورج صبرا:
“طلبنا من السفير الأمريكي تزويدنا بصواريخ مضادة للطائرات لإجبار الأسد على الحل السياسي فرد بأنه إن فعلنا ذلك سينتهي نظام الأسد خلال 15 يوما”.
باختصار لا تبحثوا عن السكين، بل عمن حرك السكين في أشلاء الشعب السوري على مدى خمس سنوات.