تعيش شبه جزيرة سيناء، شمال شرقي مصر، منذ صيف 2013، حالة من الاضطراب الأمني المتزايد جعلتها في صدارة البؤر المتوترة في المنطقة، لاسيما مع تزايد الهجمات التي يشنها مسلحون متشددون ضد قوات الأمن، فيما يسود الغموض حول الدور القبائلي هناك ومدى تنسيقه مع السلطات المصرية، ومصادر التسليح المختلفة لـ”المسلحين” .
والأوضاع غير المستقرة بسيناء وضعت قبائلها في كثير من الأحيان موضع المدان، ودفعت إثرها ثمنا باهظا على مدار السنوات الماضية، ما بين تهجير وطوارئ وملاحقات أمنية، واستهداف تارة من الأمن وأخرى من جانب المتشددين.
وفي أحاديث منفصلة أجرتها الأناضول مع خبير عسكري ومهتمين اثنين بالشأن السيناوي، نلقي الضوء على دور القبائل في المواجهات المسلحة بسيناء، انطلاقا من تقسيمها على الأرض، ومصادر تسليح الجماعات المتشددة.
يشار إلى أنه لا توجد تقارير رسمية توضح مصادر تسليح المسلحين في سيناء، أو تقسيم القبائل إلى متعاون وغير متعاون، أو مناطق نفوذها.
غير أن المصادر في حديثها مع الأناضول، اتفقت على عدم إدانة القبائل في إمداد المتشددين بالسلاح، أو تسهيل أعمالهم، مع التأكيد على وجود بعض الحالات الفردية الشاذة، فيما اختلفت حول مصادر التسليح المنتشرة هناك.
وربطت المصادر بين سيناء كبؤرة متوترة، فضلاً عما فرضته حساسية دول الجوار على حدود مصر الشرقية، إسرائيل من جهة، وقطاع غزة من جهة أخرى، في وضع القبائل بين مطرقة هجمات المسلحين وسندان حرب الجيش على الإرهاب.
تعاون “دون المستوى المطلوب”
الخبير العسكري المصري، لواء متقاعد طلعت مسلم، عدَّ قبائل سيناء جزءا من الأزمة التي تشهدها المنطقة، بأعمال العنف المسلح.
وفي حديث للأناضول، قال مسلم، إن “مشكلة تسليح من وصفها بالجماعات المتطرفة في سيناء جزء منها من داخل القبائل، حيث لن يستطيع أي مسلح أجنبي دخول سيناء وتنفيذ عمليات مسلحة دون أن يكون له من يساعده من الأهالي”.
غير أن مسلم استدرك بقوله “وهذا لا يعني تحميل القبائل كامل مسؤولية العنف أو السماح بدخول أجانب مسلحين إلى سيناء، أميل أكثر إلى اعتبار أن تعاونهم مع السلطات لم يصل للمستوى المطلوب، كما لا أستطيع أن أقول هذه القبيلة تدعم المسلحين وهذه لا”.
وشدد الخبير العسكري على أن “أكبر مساهمة يمكن أن تقدمها القبائل لمصر في مواجهة مسلحي سيناء، هي إمداد السلطات بالمعلومات والتبليغ عن العناصر المتطرفة الموجودة بينها ومنعها من القيام بعمليات إرهابية”.
ومشيرا إلى تعرض الكثيرين من أبناء القبائل للقتل من قبل مسلحين حين اكتشف أمر تعاونهم مع الأمن، أكد مسلم “هذا لا يمنع إمكانية اتخاذ إجراءات تنسيقية بين القبائل وقوات الأمن في ضبط العناصر المسلحة، وتأمين أفراد القبيلة في الوقت ذاته”.
لكنه أقر رغم ذلك بأن “التواجد الأمني في سيناء لا يكفي لحماية القبائل، غير أنه على الأقل يقلل من أخطار الإرهاب، لأن النتيجة في حالة غياب الأمن ستكون خسائر أكثر للقبائل”.
ومحذَّراً من “فكرة تسليح القبائل” التي دعا لها البعض لمواجهة الهجمات ومنفذيها، قال “لن تستطيع حينها أن تفرز العدو من الصديق، فعندما أوزع سلاحا لن أتمكن من معرفة من معي ومن ضدي”.
وتطرق مسلم إلى أن “القوة الأكبر للإرهاب في سيناء تتركز في المنطقة الملاصقة لقطاع غزة الفلسطيني، والبحر المتوسط، حيث إن الظروف الجغرافية هناك تفرض نفسها في زيادة اشتعال الأوضاع”.
تحديات قبائل سيناء
وردت الناشطة السيناوية منى برهومة، على حديث “مسلم”، راصدة عدة تحديات واجهتها قبائل سيناء، أبرزها: “العزل والتهميش منذ ستينيات القرن الماضي، واحتلالها وسرقة خيراتها فترة الاحتلال الإسرائيلي (1967: 1982)، ثم التعنت والظلم وتجاهل متعمد للتنمية والمشروعات الكبرى، ثم الفراغ والانفلات الأمني غير العادي”.
وأرجعت برهومة في تصريحات للأناضول، أسباب الفراغ الأمني، إلى: “انتهاك واختراق الحدود مع غزة بطول 13 كلم بسبب ما كان من وجود الأنفاق وأعمال التهريب بها ، بجانب هشاشة وضعف الحدود مع إسرائيل، وعدم تكافؤ التسليح للتأمين بسبب اتفاقية كامب ديفيد، وغياب الأمن في بعض المناطق بسيناء”.
وأشارت إلى أنه منذ يوليو 2013 “تعيش قرى ومدن منطقة شرق العريش في حالة حرب حقيقية صوت الرصاص ورائحة الدم وصوت التفجير والانفجار هو سيد الموقف وسقوط شهداء مدنيين وعسكريين”.
واعتبرت أن قبائل سيناء “ضحية الظروف الصعبة التي مرت بها وبالتأكيد يوجد خارجون عن القانون من بينهم، ولكن سيناء الموقع والموضع مطمع لعدو متربص طامع يصنع المستحيل لتدميرها”.
وتابعت “اتهام القبائل بدعمها ما يطلق عليها اسم الجماعات الملثمة مستحيل وغير صحيح وشائعات مغرضة كأحد وسائل الحرب النفسية لإحداث وقيعة بين أهالي سيناء والحكومة المصرية، التي يعتبرون أنفسهم ورجالها، في خندق وموقف واحدين، من أجل الدفاع والحفاظ والاحتفاظ بسيناء”.
وتساءلت برهومة: “كيف للقبائل أن تساعد من يهدم ويحرق في سيناء ومن قام بتصفية وقتل وذبح العشرات من أبنائها ومشايخها بتهمه التعاون مع السلطات؟”.
وأضافت: “الحرب الدموية التي تحدث في سيناء يوميا على مدار السنوات الأربعة الماضية تتخفى خلفها استخبارات دولية تُخدم على أهداف ومطامع صهيونية”.
مطرقة المسلحين وسندان الجيش
في المقابل، قال الشيخ خالد عرفات، أحد أعيان مدينة العريش مركز محافظة شمال سيناء (شمال شرقي مصر)، إن “أهالي سيناء يذوقون الأمرين، وهم بين مطرقة رصاص الجماعات الخارجة عن القانون وسندان حرب الجيش على الإرهاب”.
وفي حديثه للأناضول، أوضح عرفات أن “سيطرة الدولة ضعيفة على المسلحين، وكثير من أهل القبائل تعاونوا مع الجيش المصري وكانت نهايتهم الذبح على يد الجماعات المسلحة”.
وأكد أن “قبائل سيناء قاومت كثيرا المسلحين، لكنها تعرضت في النهاية مرة للتهجير والطرد، ومرة للقتل، وتلاحقها منشورات تحذيرية من وقت لآخر من التعاون مع الجيش أو إمداده بالمياه وغيرها”.
وشدد على أن “كل قبائل سيناء وعائلاتها ولاؤها للوطن والقوات المسلحة، وهذا المتفق عليه وما يؤكده التاريخ، وهذا لا ينكر أن هناك بعض الأفراد الشاذين في كل القبائل، ممن يواجهون الدولة، وخرجوا على عرف القبيلة فتبرأت منهم وقررت عدم حمياتهم”.
وتطرق إلى وسائل تغذية الفكر المتطرف في عقول أبناء القبائل، قائلاً إنه يتم عبر “الجماعات التكفيرية الموجودة في سيناء، بالإضافة إلى طلبة الجامعات من أبناء القبائل الذين يتم التغرير بهم من الجماعات الإسلامية المتطرفة أثناء دراستهم خارج شبه الجزيرة، مع استغلال النزعة الدينية، أو عبر مدرسين ومعلمين يؤمنون بهذا الفكر من خارج سيناء ويعلمونه بطريقة خفية لأبنائها، في ظل غياب الدولة”.
مصادر السلاح
تتنوع مصادر التسليح في سيناء، ويتم استقدامها بأكثر من طريقة، أبرزها ما يتم تهريبه من الدول المجاورة لمصر عبر الحدود أو البحر المتوسط، بجانب ما يستولي عليه المسلحون من الأسلحة النظامية خلال استهداف قوات الجيش أو الشرطة.
كما تحمل القبائل والعائلات، سلاحا خفيفا ومتوسطا متعدد المصادر، لأغراض الدفاع والهجوم في الصراعات القبلية-القبلية، والقبلية-الأمنية، والعائلية-الإجرامية، وفق الشيخ خالد عرفات.
وأشار عرفات، إلى أن “غالبية المسلحين ليسوا من قبائل سيناء وليسوا مصريين، بل أتوا من الخارج عن طريق البحر أو إسرائيل، وأغلبية قياداتهم أجانب، أو مصريين معبئين بالفكر التكفيري”.
وبالنسبة لمصادر تسليح الجماعات المسلحة في سيناء، أوضح “تأتي من الكيان الصهيوني (إسرائيل) مهربة، بخلاف ما تم تخزينه خلال فترة الغياب الأمني التي أعقبت ثورة 25 يناير 2011”.
وقال “بعد الثورة بعام واحد، وبعد انهيار ليبيا، كانت سيناء معبأة بالجماعات الإجرامية المتخصصة في تخزين السلاح الليبي، وفي فترات من عامي 2012 و2013 دخل السلاح بطريقة رهيبة جدا، بحجة أنه سيذهب للمقاومة الفلسطينية، والناس كانت تعتبر تهريبه عملا وطنيا”.
وأضاف “كانت الحدود مع دول الجوار مفتوحة، كنا نرى بأعيننا الأسلحة محملة في السيارات، ما تسبب في تكدسه بسيناء”.
ويشار إلى أن تجارة السلاح في سيناء، تعرضت لعدة متغيرات وتأثرت بالأحداث الإقليمية كالعدوان من آن لآخر على غزة والأزمة السورية، على مدار السنوات الماضية، بجانب التضييق الأمني على الحدود والمعابر وهدم الأنفاق، وانهيار الدولة الليبية وما صاحب ذلك من تهريب للأسلحة، إلى سيناء، عبر البحرين المتوسط والأحمر وقناة السويس الواصلة بينهما.
التقسيم القبائلي في سيناء
وبالعودة للشيخ خالد عرفات فإن النفوذ القبائلي يتلاقى في عدة مناطق متفرقة بسيناء حيث تتوزع عدة قبائل على امتداد شبه الجزيرة، وأشهرها قبيلة السواركة، التي تسكن مركز العريش (أقصى الشمال الشرقي)، على الحدود مع قطاع غزة وإسرائيل.
ويمتد النفوذ القبائلي بداية من قناة السويس (غربي سيناء) حتى الحدود الدولية مع فلسطين (أقصى الشمال الشرقي)، بعمق 30 كلم تقريبا من البحر المتوسط.
وأبرز قبائل سيناء
قبيلة الأخارسة، وهي قبيلة كبيرة، تسكن شمال شرق قناة السويس، على ساحل البحر المتوسط، في قرية الكرامة التابعة لمركز بئر العبد.
ومن قرية الكرامة شرقا، تسكن قبيلة البياضية، وتمتد أراضيها حتى قرية سلمانة بنطاق بئر العبد في شمال سيناء، ولها امتداد قبلي في عدد من محافظات دلتا النيل (شمال).
وفي نطاق مركز بئر العبد، تسكن أيضاً قبائل الدواغرة (من قرية النجاح حتى قرية التلول).
ومن مدينة الشيخ زويد (شمال شرق)، حتى الحدود الدولية مع فلسطين (شمال شرق سيناء)، تسكن قبيلة الرميلات.
وتسكن قبيلة الترابين (لها تواجد جنوب فلسطين) من الحدود الدولية مع فلسطين حتى جبل المغارة (وسط سيناء).
كما يفصل جبل الحلال (شمال سيناء يبعد نحو 60 كلم جنوب العريش) بين نفوذ قبيلتي الترابين والتياها.
وفي أقصى الجنوب الشرقي في رأس النقب وخليج العقبة، توجد قبيلتا الحويطات والاحيوات (لهما تواجد أيضا في الأردن وجنوب فلسطين).