لم تكن التسريبات التي أذاعتها إحدى القنوات المناهضة للانقلاب العسكري في مصر (قناة مكملين) مؤخرًا لوزير الخارجية المصري سامح شكري، متحدثًا مع رئيسه عبدالفتاح السيسي، هي الأولى من نوعها في الاتصالات والمراسلات الخاصة التي ينبغي أن تحظى بأعلى درجات الخصوصية والأمان؛ بل سبقها بث العديد من التسريبات للسيسي نفسه ومدير مكتبه اللواء عباس كامل، وكذا لعدد من أركان حكمه؛ مثل اللواء ممدوح شاهين عضو المجلس العسكري والنائب العام الراحل هشام بركات، وأحد الشخصيات الأمنية الكبرى مع رئيس حزب الوفد السيد البدوي؛ إلا أن “تسريب الخارجية” الأخير حمل مضامين جديدة عكست ضعفًا في الخبرة واعتمادًا على الخديعة، كما يرى بعض المراقبين.
ويحاول هذا التقرير تسليط الضوء على ملامح السياسة الخارجية المصرية تجاه الخليج من ناحية، وإيران من ناحية أخرى، في ضوء ما عبّر عنه وزير الخارجية سامح شكري.
تخبط وغياب للثوابت
من زاويته، يرى الدكتور محمد العادل، السياسي والأكاديمي، أن الحوار الذي دار بين وزير الخارجية سامح شكري والسيسي لا يعكس سوى تخبط وقلق وغياب للثوابت في تعامل الخارجية المصرية مع الخليج بشكل عام ومع السعودية على وجه الخصوص.
وتابع في تصريحات خاصة لـ “رصد”: وزير خارجية مصر لم يفهم أن الخداع في العلاقات الدولية مجازفة ومغامرة غير مأمونة العواقب، والتاريخ يشهد بذلك، على حد قوله. ويستطرد: الواضح من كلام وزير الخارجية وتوجيه السيسي له أن النظام في مصر يلعب على كل الأحبال؛ وهذا يعني فقدان الثقة من قبل المجتمع الدولي في سياسات مصر، والخليج جزء من هذا المجتمع.
ويتابع: ولا أرى ذلك إلا استمرارًا للفشل الذي بدأته الخارجية المصرية بالخسارة في الملفات الحساسة دوليًا كافة؛ بسبب اعتمادها على المكر والخداع والضبابية في المواقف، وهو ما نستطيع أن نسميه “فهلوة سياسية” -على حد وصفه- فالخليج عندما وقف إلى جانب السيسي منذ أكثر من ثلاث سنوات لم يكن ينتظر منه التقارب مع إيران، وهذا التقارب لا يعني سوى ضعف الخبرة لدى الجانب المصري؛ لأنه ربما يخسر الطرفين في النهاية، كما يرى العادل.
غياب المحاسبة
من جانبه، رأى الدكتور عمرو عبد الرحمن (الجامعة الأسترالية- الكويت) أن اعتراف وزير الخارجية بوجود خلاف مع الجانب السعودي -أو كما قال “الأشقاء في المملكة”- من الطبيعي أن يتعامل معه السيسي بشيء من المسؤولية؛ وهو ما لم يحدث. ويؤكد: في الأنظمة الناجحة يقف المسؤولون عند أي خلل ليحاسبوا المسؤول عنه ويضعوا الخطط لإصلاح ما فسد؛ لكن المتابع للشأن المصري منذ انقلاب يوليو ٢٠١٣م يلاحظ غياب المتابعة وغياب الرؤية، فمن غير الواضح كيف سعى نظام السيسي لتعزيز علاقاته بدول الخليج بعد تأييدها له إبان الانقلاب، وفي الوقت ذاته سعى لإمساك العصا من المنتصف في العلاقة مع إيران، ومن غير الواضح أيضًا ما الذي دفع مصر لتعزيز علاقاتها بمحور “إيران-روسيا” في القضية السورية على حساب العلاقات مع دول الخليج وأولها المملكة العربية السعودية وعلى أي مبدأ اعتمد نظام السيسي في اتخاذ هذا القرار!
تمديد العمل العسكري باليمن
ويرى خبراء أن ثقافة التأرجح في المواقف السياسية وعدم الوضوح ليس محلها العلاقة بين مصر ودول الخليج؛ فالسيسي كان يظن أن تمديد عمل القوات العسكرية المصرية المشاركة ضمن التحالف العربي في اليمن قد يرأب الصدع القائم بينه وبين المملكة العربية السعودية، وهو ما كان متوقعًا بالفعل؛ إلا أن ما وضح في التسريب من سياسة خارجية تسعى لإرضاء إيران ومخادعة الخليج في الوقت ذاته قد أفسدت هذه الخطوة على السيسي ونظامه.