منذ الخميس الماضي تتواصل المفاوضات، في مدينة جنيف السويسرية، برعاية الأمم المتحدة، للبحث عن حل للصراع الدائر بين قوات النظام والمعارضة السورية منذ نحو 6 أعوام، والذي أسقط أكثر من 310 آلاف قتيل، وشرد ما يزيد عن نصف السكان، البالغ عددهم قرابة 21 مليون نسمة.
ويشارك في جولة المفاوضات أيضًا وفد من “منصة القاهرة”، التي تضم عددا من الشخصيات المعارضة والمستقلة بينهم المتحدث السابق باسم وزارة الخارجية جهاد المقدسي، ووفد من “منصة موسكو” التي تضم معارضين مقربين من روسيا أبرزهم نائب رئيس الوزراء الأسبق قدري جميل.
سير المفاوضات
رئيس بعثة الهيئة العليا للمفاوضات إلى جنيف يحيى قضماني، قال لوكالة “فرانس برس” بعد عودة ممثلين عن الهيئة العليا للمفاوضات، وبينهم رئيس الوفد المفاوض ضمن الهيئة نصر الحريري، من لقاء مع نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف في جنيف “نرفض إضافة سلة الإرهاب إلى السلل المطروحة” من قبل المبعوث الدولي إلى سوريا ستافان دي ميستورا وهي الحكم والدستور والانتخابات.
إلا أن وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) نقلت عن مصدر مقرب من الوفد الحكومي في جنيف أن “خلال اليومين الماضيين كانت هناك محادثات معمقة ومثمرة بين الوفد ودي ميستورا حول جدول أعمال المحادثات توجت بالاتفاق على أن الجدول يتضمن أربع سلات تتساوى في الأهمية وهي الإرهاب والحكم والدستور والانتخابات”.
وقال المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات سالم المسلط -أول أمس الثلاثاء- إن المعارضة تأمل في أن تضغط روسيا على حليفها الرئيس السوري بشار الأسد، مشددًا على أنه “لن يتم التوصل إلى شيء مع النظام دون وجود ضغط”، مضيفا أن الدولة الوحيدة التي يمكن أن تضغط على النظام هي روسيا.
وقال مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا عقب اجتماع مع وفد النظام إن هجوم جماعات مسلحة على حمص يوم السبت الماضي، كان محاولة متعمدة لتخريب محادثات جنيف، وحذر من أن انتهاكات وقف إطلاق النار قد تقضي على هذه الفرصة “الضئيلة” التي تمثلها مفاوضات جنيف.
وفي ورقة عمل سلمت إلى الجانبين، قال دي ميستورا إن مسألتي مكافحة الإرهاب ووقف إطلاق النار ينبغي معالجتهما في المحادثات السورية الموازية التي تجرى في أستانا عاصمة كزاخستان برعاية روسيا وتركيا وإيران، وقال المبعوث الأممي إن التركيز في مباحثات جنيف يجب أن يكون على صياغة دستور جديد، وإجراء انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة، وتطبيق نظام حكم يخضع للمساءلة استنادًا إلى قرار مجلس الأمن.
مباحثات إيجابية
المحلل السياسي اللبناني، نضال السبع، قال في تصريحات خاصة لـ”رصد”: “مسار المفاوضات في جنيف 4 كان جيدًا، برغم أن الجميع كان متشائمًا من هذه الجلسة بسبب الاحتقان بين إيران وتركيا وتصاعد اللهجة بين الطريفين، وكذلك محاولات دي ميستورا تأجيل المؤتمر أكثر من مرة، مما أدى إلى انزعاج روسي من الوسيط الدولي”.
وأضاف: “بكل الأحوال المؤتمر حقق أكثر من أمر، أولًا فى جلسة الافتتاح كان وفد الحكومة السورية وجه لوجه مع وفد المعارضة، الورقة التي قدمها دي ميستورا للطرفين تعتمد في أساسها 2254 أي إننا أمام آلية تنفيذية، ومن الآن وصاعدًا علينا أن نتحدث عن ثلاثة مسارات، الأ ول فى جنيف وهو مسار سياسي يعالج قضايا الدستور والحكم والانتخابات، والثاني فى آستانا عسكري وأمني يعالج قضايا مكافحة الإرهاب وتبادل المعتقلين والأسرى بين الطرفين، والثالث بروكسل وسوف يعقد فى 7 مارس وهو مخصص لاعادة اعمار سوريا وتامين عودة النازحين إلى ديارهم”.
وتابع: “الاختراق الحقيقي في جنيف4 تمثل بلقاء وفد الهيئة العليا للمفاوضات مع نائب وزير الخارجية الروسي السيد غنادي غاتيلوف، وللمرة الأولى نسمع هذا الكلام الايجابي من وفد الهيئة العليا عن الدور الروسي الايجابي، وهذا تحول كبير داخل أهم إطار للمعارضة السورية”.
مفاوضات لن تقود لحل
رضوان زيادة، والمدير التنفيذي للمركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية بواشنطن، أكد في مقال له تحت عنوان “مفاوضات جنيف لن تقود إلى حلٍ في سورية”، نشرته جريدة “الحياة” اللندنية، أمس، أنّ مفاوضات جنيف لن تقود إلى أي حل، بل بالعكس تمامًا ازداد الوضع على الأرض في سورية سوءًا وتدهورًا، فارتفع عدد الشهداء إلى ما يقارب النصف مليون، وزاد عدد اللاجئين إلى ما يعادل الستة ملايين أما النازحون في وطنهم ففاق عددهم 9 ملايين.
وأضاف: “وحتى في الملف الذي يبدو لوهلة أولى أنه في غاية البساطة ولا يكلف النظام أي تكلفة سياسية أو عسكرية وهو الملف الإنساني، لم يفرج النظام عن المعتقلين وزاد عدد التقارير المروعة عن عمليات القتل والتصفية الجماعية داخل السجون وآخرها كان تقرير منظمة العفو الدولية عن سجن صيدنايا، أما المناطق المحاصرة فبدل أن تنتهي ازداد عددها وبات التجويع سياسة يومية لكسر المدنيين والمعارضة، والمجتمع الدولي يستمع لهذه الأخبار دون اكتراث”.
وأوضح “زيادة”، أن الحل يكمن في عملية تعبئة جماعية للمعارضة بما أسميه عملية “التحشيد المدني” من أجل التغيير، وهذه تشمل المهجرين واللاجئين والسوريين في المناطق المحررة وحتى في مناطق النظام، إنهاء عهد ما يسمى الفصائل المسلحة والتوحد تحت راية وطنية واحدة، وفي الوقت نفسه خلق مناخ سياسي ضاغط دولي وإقليمي وداخلي باتجاه مطالب محددة وواضحة مثل الإفراج عن المعتقلين كلهم وإنهاء وصمة العار و “المسالخ” البشرية التي تستمر تحت أعيننا، والتركيز على المطالب الإنسانية.
وتابع: “يجب على المعارضة السياسية العمل على تشكيل قطب مواز مؤثر وفعال عبر تكثيف الاجتماعات الدورية والاتفاق على عدد من الخطوات السياسية ذات الأثر الجماهيري مثل الدعوة إلى عدد من الاعتصامات السلمية والعلنية في شكل مشترك داخل سورية وخارجها”.
وأضاف: “علينا أن نعتمد على الشباب كشريحة محورية في بناء التراكمات السياسية على أرض الواقع، ففعاليتهم في المشاركة تؤشر إلى الديمومة والاستمرارية والقدرة على الوصول إلى أكبر الشرائح تأثيراً في المجتمع السوري بحكم كونه مجتمعاً شاباً كما يدل على ذلك متوسط العمر في هذا المجتمع”.
وأنهى مقاله قائلًا: “الجزء الأخير من عملية التحشيد يتعلق ببناء إستراتيجية واضحة ومحددة الخطوات والأهداف لعملية الانتهاء من الألم وإشاعة الأمل بأن التغيير في سورية ليس ممكناً فحسب بل مقبل بكل تأكيد”.