جاءت عملية التهجير الأخير لأقباط سيناء لتطرح عدة أسئلة حول مستقبل العلاقة بين السيسي والكنيسة بل وأقباط مصر بشكل عام وهل يستمر الود المتبادل أم سيحدث تراجع ملحوظ؟
وقد علق عدد من المتخصصين حول احتمالية فقد عبدالفتاح السيسي رصيده لدى مسيحيي مصر، بالقول: “تعددت أسباب تراجع العلاقة لكن يبقي الدعم متبادلا”.
واختلف المتخصصون في أحاديث منفصلة مع “الأناضول”، بين من يطرح ثلاثة أسباب لبقاء العلاقة قوية رغم الأحداث، وآخرون يقرون بوجود غضب مكتوم لكنه لن ينتج رفضا ضد السيسي لاسيما مع وجود تخوف مسيحي من عدم وجود بديل رئاسي مناسب، إلا من الإسلاميين الذي يواجهون اتهامات ينفونها بالتطرف.
وخلال الفترة الأخيرة اضطرت للنزوح من سيناء نحو 258 أسرة مسيحية، وفق مسؤول حكومي، من أصل 270 أسرة كانت هناك، حسب تقديرات كنسية غير موثقة، وذلك على خلفية مقتل 7 مسيحيين هناك خلال الأسابيع الماضية.
هذا النزوح ردت عليه الرئاسة المصرية، الأسبوع الماضي باجتماع رفيع المستوى برئاسة السيسي، لرفض ما يحدث، وتحرك وزاري لدعم من أسمتهم بـ”الوافدين” من سيناء، وسط تأكيد السيسي أن ما يحدث “مخطط جبان لزعزعة الثقة فى الدولة”.
وبدت التقارير الصحفية المصرية على جانبي نقيض بين ما يؤيد منها النظام مطلقا ويتحدث عن “انتفاضة” للدفاع عن المسيحيين، وأخرى تلومه لعدم التصدي للتنظيم الإرهابي، وتحذر من تبدد الدعم المسيحي للنظام.
** ثلاثية بقاء العلاقة
3 أسباب تؤشر -وفق متخصصين- إلى أن رصيد نظام السيسي لدى مسيحيي مصر لن يتأثر بعمليات النزوح، وهي: “معرفة الأقباط بالهدف من وراء الاستهداف وهو إذكاء الصراع الطائفي، وثانيا استجابة إدارة السيسي لعدد من المطالب المسيحية، وثالثا علاقته القوية ببابا الأقباط تواضرس التي من أبرز علاماتها زيارة السيسي للكنيسة سنويا في الأعياد”.
المفكر المصري القبطي، جمال أسعد، يذكر في حديث للأناضول أن هذا النزوح لم يكن الأول بل سبقته أعمال إرهابية ضد المسيحيين لم تؤثر على العلاقة بين النظام والمسيحيين.
ويرى “أسعد” أن الرأي العام سواء مسيحي أو مسلم يعلم أن الهدف من هذه التهديدات التي صدرت من قبل التنظيم الإرهابي، “تنظيم الدولة” هو ضرب العلاقة بين نظام 30 يونيو (الذي مهد للإطاحة بالإسلاميين من الحكم)، والمسيحيين، الذين يخشون من عودة حكم جماعة الإخوان.
ويتفق معه الناشط المسيحي، إسحق فرانسيس، في أن النزوح الأخير لن يساهم في تراجع شعبية السيسي لدى المسيحيين.
ويقول “فرانسيس” لـ”لأناضول” إن الهدف من اشتعال الأحداث في الأصل هو إذكاء الصراع الطائفي بالبلاد، وإحداث فرقة بين النظام والمسيحيين، متوقعا “عدم خروجهم من عباءة النظام حاليا”.
وهذا ما يؤكده عليه، مختار غباشي، نائب مدير المركز العربي للدراسات الاستراتيجية (غير حكومي)، قائلا إن ما يحدث لمسيحيي سيناء لن يغير من دعمهم للسيسي.
واتفق أسعد وفرانسيس، على سبب آخر طرحه غباشي لـ”الأناضول” وهو أن النظام السياسي استجاب لبعض مطالب الكنيسة، وأقر قانون بناء الكنائس (بموافقة برلمانية في 30 أغسطس الماضي) بعد مماطلة واسعة في العهود التي سبقته.
وذهب الخبراء السابقون، أصحاب الرأى القائل بعدم تأثر العلاقة بين السيسي ومسيحيي مصر، إلي أن السبب الثالث في عدم تراجع شعبية الرئيس بين المسيحيين أنه أقر عرفا جديد بزيارته شخصيا للكنيسة كل عام في احتفالات عيد الميلاد، إضافة للعلاقة الوطيدة بيه وبين البابا تواضروس.
وحول ما يتردد عن وجود اختلاف بين الرؤية الرسمية للكنيسة، وما يفضله أعضاؤها، قال المفكر جمال أسعد، إن “هناك كتلة صامتة هي الأكبر بين الأقباط (تقدر الكنسية مسيحيي مصر بـ15 مليون نسمة من بين نحو 93 مليونا هم سكان البلاد)، يمكن تسميتها بحزب الكنبة (غير المؤدلجين) غالبيتهم يحبذون رأي الكنيسة”.
وأضاف أن “التقارب بين الكنيسة والنظام السياسي، يعود على هؤلاء الناس غير المؤدلجين سياسيا، وبالتالي وجهة نظر الكنيسة السياسية يتبعونها دائما”.
وكان البابا تواضروس الثاني قال خلال استقباله المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بالمقر البابوي، الخميس الماضي: “نحن واثقون في الله الذى يبارك بلادنا.. واثقون في قدرة القيادات السياسية والاجتماعية والتشريعية في بلادنا”.
واستدرك “مع 30 يونيو 2013 التى قام بها الشعب المصري من مسلمين ومسيحيين، وحماها الجيش المصرى (..) وانتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسي (..) ظهرت ملامح جيدة على تحسن الوضع المسيحي المصري مثل: إقرار أول قانون لبناء الكنائس فى مصر، وانتخاب 39 عضوًا مسيحيًّا بالبرلمان مقارنة بعضو واحد سابقًا، وزيارات الرئيس للكاتدرائية ليلة الكريسماس واهتمام الدولة بتعمير وإصلاح الكنائس التى أحرقت ودمرت فى أحداث أغسطس (آب) 2013”.
**الشعبية تتراجع
لكن لاثنين من المتخصصين الذين تحدثوا لـ”الأناضول” رؤية مغايرة لما سبق، تتمثل في أن الأحداث التي وقعت للمسيحين لاسيما في سيناء، أثرت بالسلب على علاقتهم بنظام السيسي وشعبيته، إلا أنهم عاجزون عن التعبير عن هذا الغضب كبقية المصريين نظرا لغياب البديل القوي، وخوفهم من صعود الإسلاميين.
وقال حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، (حكومية)إن “رؤية الكنيسة المصرية، لا تنطبق على غالبية الأقباط في مصر، فالكنيسة أرثوذكسية، وهي طائفة قبطية واحدة، ضمن طوائف أخري للأقباط كالكاثوليك، والبروتستانت، وبالتالي الرأي الكنسي لا يعبر عن الجميع”.
وفيما تشير التقديرات الكنسية إلى أن عدد المسيحيين بمصر 15 مليون نسمة، تعترف بمصر بثلاثة طوائف هي الأرثوذكسية والإنجيلية والكاثوليكية، وتتقدم الطائفة الأولى بشكل كبير على مستوى الأتباع، بنحو 75% وفق تقديرات غير موثقة
وذهب نافعة إلى أن “هناك يسار ويمين، وأغنياء وفقراء بين المصريين المسيحيين وليسوا كتلة صماء برأي واحد”.
وقال للأناضول، إن “الكنيسة المصرية رغم أنها مؤسسة دينية، إلا أنها منخرطة في العمل السياسي، وعندما يكون هناك نقص في حماية الدولة للأقباط تدخل الكنيسة على أنها صوتهم”.
وأرجع ذلك إلى عدم وجود حزب سياسي يعبر عن الأقباط المصريين وبالتالي يكون صوت الكنيسة هو الأعلى.
وأقر نافعة، بوجود حالة غضب كبيرة حاليا في الشارع المصري، ليست في صفوف المسيحيين وحدهم، إلا أنه لا يوجد سبيل لحدوث هبة شعبية، أو ثورة جديدة.
وأرجع ذلك إلى أن القوى السياسية الحليفة للنظام أو المعارضة له أو الصامتة، في مصر منقسمة على نفسها ومشتتة تماما ولايجري بينها حوار حقيقي لتشخيص الوضع.
** لايوجد بديل
وعطفا على ما سبق اتفق سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، مع نافعة، في أن هناك غضبا واسعا بين المصريين سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين من أداء النظام السياسي.
وقال لـ”الأناضول” إن حالة الغضب أوصلت البعض للإحباط، لكن على أرض الواقع لا يوجد بديل سياسي قادر حتى الآن على سحب البساط من تحت أرجل السيسي.
وأضاف أن تجربة المصريين مع الثورات قاسية جدا، خصوصا بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وتدني مستوى المعيشة، وتراجع الأداء الأمني، وارتباط فكرة التغيير لدي كثيرين بالفوضى وهو ما يجهض أي محاولة تدعو للتغيير.
يشار إلى أن المحافظات المصرية شهدت حوالي 37 اعتداءً طائفيًا وقعت خلال السنوات الثلاث الأخيرة على الأقباط حسب تصريحات لبابا الكنيسة المصرية تواضروس الثاني، في يوليو/تموز الماضي.
ورغم الأحداث التي وقعت للمسيحيين المصريين خلال السنوات الثلاث الماضية، وصف البابا تواضروس بابا الكنيسة الأرثوذكسية، في لقاء متلفز يناير/ كانون ثان الماضي، عبد الفتاح السيسي بأنه “قائد روحي للدولة المصرية”، نافيا أن تكون العلاقة بين الرئيس والأقباط بها أية شوائب معتبرا ذلك “كلاما مغرضا”.
وفي ديسمبر الماضي، شهدت الكنيسة البطرسية المجاورة للمقر البابوي بالقاهرة تفجيرا ضخما هو الأول من نوعه، أسفر عن مقتل وإصابة العشرات، وتبنى تنظيم داعش مسؤوليته عنه، مهددا باستهداف المسيحيين في بث مصور الشهر الماضي.
وبخلاف ذلك شهدت الإسكندرية شمالي مصر واقعة ذبح لمسيحي بخلاف وقائع الاستهداف السبعة الأخيرة في شمال سيناء.
وأظهر استطلاع رأي، أجراه المركز المصري لبحوث الرأي العام “بصيرة” (غير حكومي/ مقره القاهرة)، مؤخرا عن انخفاض نسبة الموافقين على أداء عبدالفتاح السيسي بنسبة 68% مقارنة بحوالي 82% قبل شهرين، مع أجواء مرتبطة بارتفاع الأسعار وتراجع سعر الجنيه المصري.