نشرت صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” الروسية مؤخرًا مقالًا افتتاحيًا بعنوان: “ترامب ولوبان يشبهان المعارضة في روسيا”، وتقول الصحيفة إنَّه في عهد الرئيس فلاديمير بوتين، مناهضة الهجرة تمثل مناهضةً لمؤسسات الدولة.
وكتب محررو الصحيفة قائلين: “التلفزيون المحلي ينتقد بشدة أوروبا بسبب التعددية الثقافية، واستقبال اللاجئين من الشرق الأوسط وأفريقيا، والتسامح مع المهاجرين”، لكن في روسيا، تصف السلطات الروسية المواقف المعادية للمهاجرين في بعض الأحيان “باعتبارها شكلًا غير مقبول من القومية”.
ووفقًا للأمم المتحدة، هناك 11 مليون أجنبي في روسيا، معظمهم بدون تأشيرات، والكثير منهم من دول آسيا الوسطى ذات الأغلبية المسلمة، ولكن رغم استمرار أزمة اللاجئين في أوروبا في تغذية الاتجاه العالمي لظاهرة الانعزال وكراهية الأجانب، فإنَّه في روسيا، التي تُعَد ثالث أكبر مقصد للمهاجرين في العالم، الوضع مختلف قليلًا.
ويوضح أندريه موفتشان -حسبما نشر موقع هافنجتون بوست عربي- مدير برنامج السياسة الاقتصادية في مركز كارنيجي في موسكو: “روسيا تشهد عجزاً كبيراً في القوى العاملة، ونحن في حاجة ماسة إلى العمالة الرخيصة التي لا يمكن العثور عليها داخل البلاد”.
وأضاف: “المهاجرون في روسيا هم من ينظفون شوارع المدينة، ويقومون بصيانة المباني السكنية الضخمة التي تنتشر في الآفاق، ويلعبون دورًا رئيسيًا في التصنيع، وتجارة التجزئة، وقطاع الخدمات أيضًا، وفي صناعة المطاعم، تأتي عمالة المطابخ من دول مثل قرغيزستان، وطاجيكستان، وجورجيا، ويظلون لسنواتٍ طويلة، ويرسلون أكثر أموالهم إلى بلادهم الأصلية”.
ويقول “موفتشان”، محذرًا من أن ارتفاع الأجور اللازمة لجذب العمال الروس لمثل هذه الوظائف من شأنه أن يرفع الأسعار ويضر الانتعاش الاقتصادي: “إذا طردت العمال المهاجرين، والذين يشكلون 15% من القوى العاملة الروسية، سيكون من المستحيل إيجاد عمالة تحل محلهم”.
وأدى الانخفاض الحاد في أسعار النفط، نتيجة العقوبات الغربية المفروضة على روسيا جراء غزوها لأوكرانيا عام 2014، إلى تضاؤل الهجرة. فقد انخفض عدد المواطنين الأوزبكيين الذين عبروا الحدود بنسبة 21%، في حين انخفضت أعداد الطاجيك بنسبة 11%، وبلغت النسبة 5% بالنسبة لقيرغيزستان.
لكن الهجرة انتعشت بعد ذلك. ففي عام 2015، أتى 161 ألف أجنبي إلى روسيا وأقاموا فيها. وفي عام 2016، ارتفع هذا العدد إلى 196 ألفاً، وفقاً للأكاديمية الروسية للتجارة الخارجية ومعهد “غايدار”.
كما ارتفعت مبيعات تصاريح العمل في موسكو بنسبة 10% في العام الماضي 2016 أيضًا، ومع قدوم معظم المهاجرين من دول الاتحاد السوفيتي السابقة، مثل طاجيكستان وقيرغيزستان، أثبتت الهجرة فائدتها لجميع الأطراف المعنية: فهاتان الدولتان تتصدران قائمة الاقتصادات العالمية التي تعتمد على التحويلات المالية وفقًا للبنك الدولي.
الجدير بالذكر أن سياسات تقييد الهجرة في أوروبا وأميركا لا تعوِّل فقط على الخوف من النزوح الاقتصادي، لكن أيضًا الخوف من الإرهاب، وفي روسيا، هناك مخاوف مماثلة، لكن صداها ليس عالياً.
وقال بوتين في شهر فبراير 2017 إنَّ ما يصل إلى 5000 شخص من المنتمين للاتحاد السوفيتي السابق انضموا لـ”تنظيم الدولة” في سوريا، وفي عام 2016، اعتقل رجال الأمن في روسيا مجموعتين على الأقل من المهاجرين المشتبه بتخطيطهم لشن هجماتٍ على الأراضي الروسية. ومع ذلك، أعلنت الحكومة الروسية في فبراير 2017 أنَّها ستسمح بعودة 200 ألف من الطاجيك الذين سبق ترحيلهم.