سلطت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية الضوء على أهم المنافذ الإعلامية والمراكز البحثية المروجة للإسلاموفبيا والتي وصل روادها إلى البيت الأبيض ضمن إدارة الرئيس الأميركي “دونالد ترامب”، ويصل حجمها إلى ملايين الدولارات.
وقالت المجلة إنه قبل عشر سنوات، كان قليل من الناس سيعرفون عن محاضرة “جوناثان براون” التي تناولت موضوع العبودية، و”براون” هو أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة “جورج تاون” حيث يرأس مركز الوليد بن طلال للتفاهم الإسلامي المسيحي، وهو أيضاً من مواليد واشنطن وتحول إلى الإسلام، وتهدف الكثير من أعماله إلى جعل الأفكار الإسلامية سهلة الوصول إليها.
لكن محاولة “براون” شرح مفاهيمه الإيمانية جعلته شخصاً مكروهاً لليمين الأميركي، واتهمه سيل من المقالات بكونه مدافع عن العبودية والاغتصاب، وتلقت عائلته تهديدات بالقتل والاغتصاب .
وتضيف المجلة أن “براون” ضحية لصناعة الإسلاموفوبيا القوية التي تضيق الخناق على الحوار المتوازن والمفتوح، وتهميش جميع المسلمين الذي يبذلون أقصى ما في وسعهم للترويج للتفسير السلمي المحافظ للإسلام، لكن شبكة الإسلاموفوبيا هذه تهدف إلى التعامل مع الإسلام كأيدلوجية خطرة، بدلاً من كونه دين .
وتلفت المجلة إلى التفسيرات المختلفة لمسألة العبودية في الإسلام واتجاه العديد من الدول الإسلامية لإلغائها في القرن التاسع عشر، في حين يشير الإنجيل إلى العبودية، لكن السيد المسيح لم يدِنها على الإطلاق، وينص العهد الجديد (الإنجيل) على ضرورة طاعة العبيد لساداتهم، بينما توجد الكثير من الآيات في التوراة (العهد القديم) التي تشرع للعلاقة مع العبيد وتسمح للسادة بممارسة الجنس مع الإماء.
وفي هذه الأيام تراجعت المسيحية الأميركية إلى حد التلاشي وعدم الوجود، والحجج التي يستند إليها الإنجيل ماتت خارج هامش “القوميين المسيحيين”، والمسيحيين الأميركيين لديهم مساحة كبيرة لمناقشة معنى وتطبيق هذه الآيات والانخراط في تفسير معاني كتابهم المقدس، ويتم تفسير هذه الآيات بشكل مقبول بأن العبودية في الكتاب المقدس كانت تمارس بشكل مختلف عن عبودية المؤسسة الاستبدادية القائمة على العرق التي مورست في الجنوب الأميركي، وتؤكد هذه التفسيرات على أن للعبيد وقت الكتاب المقدس كان لهم الكثير من الحقوق، وكانت الطبقة الاجتماعية مقيدة بشدة، ولم يتمتع سوى عدد قليل من الناس بالحرية والحراك الاجتماعي، وكان للرقيق مركز اجتماعي معروف يكفل لهم موقعا معينا في المجتمع.
ويضيف التقرير أنه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، شنت شبكة صغيرة لكنها قوية من الممولين والنشطاء أصحاب توجهات محددة حملة نشر معلومات مضللة جعلت من الإسلام تهديداً شيطانياً لا بد من استئصاله، ونتج عن جهودهم المركزة بنية أساسية من المواقع الإخبارية والنشطاء وأعضاء الكونجرس والمنظمات الشعبية، وبات لها تأثير على المجالس النيابية والمشرعين الأميركيين، والآن يستمع إليها رئيس الولايات المتحدة.
ووفقاً لمعهد “أمريكان بروجرس” فإنه في في الفترة ما بين 2001 إلى 2009 تبرعت سبعة مؤسسات خيرية بـ42.6 مليون دولار لمعاهد بحثية روجت للخطاب المعادي للإسلام، وتشمل هذه الأبحاث مركز “فرانك جفني” للسياسات الأمنية، ومركز “أوقفوا أسلمة أوروبا” الذي أسسته “باميلا جيلر” و”روبرت سبنسر” وموقع “جهاد ووتش” الذي يديره “سبنسر” ومركز “ديفيد هورويتز”، حيث تقوم هذه المراكز بطرح العديد من الموضوعات عن الإسلام والترويج لها بين المشرعين، والشبكات الشعبية، واليمين المسيحي.
وكانت معظم هذه الأفكار قائمة على الاعتقاد بأن الشريعة الإسلامية، هي أيديولوجية سياسية استبدادية تشكل أكبر تهديد داخلي تواجهه الولايات المتحدة اليوم وأن جماعة الإخوان المسلمين، وهي حركة إسلامية دولية منظمة، قد تسللت إلى الحكومة الأميركية، وأن الإسلام يأمر المؤمنين بالكذب بشأن دوافعهم، وبعبارة أخرى، لا يمكن الوثوق بأي مسلم، وأنه يجب التسلل إلى المساحات الخاصة لمعرفة ما يفكرون به.
وترى المجلة أن الحملة قد نجحت بشكل كبير، حيث يشغل “جافني” الآن أحد كبار مستشاري “ترامب”، ويمتد نفوذه عبر الإدارة الأميركية، “وكلياني كونواي” الذي أدار حملة ترامب، ويخدم الآن كمستشار للرئيس، تولى إدارة استقصاء الرأي بمركز السياسات الأمنية، أما ستيفن بانون المدير السابق لموقع “بريبارت” اليميني المتشدد، يشغل الآن منصب كبير الإستراتيجيين، ودعا “جافني” عدة مرات للظهور على محطة “بريبارت” الإذاعية .
موقع “جهاد ووتش” الخاص بـ”سبنسر”، الذي حصل على أكثر من 500.000 دولار من التبرعات في الفترة بين عامي 2001 و 2009 من تلك المؤسسات السبع نفسها، جلب له نفوذا عالميا أيضا، وحاز كتابين له على لقب “أفضل الكتب مبيعا” في صحيفة نيويورك تايمز، ورددت الأفكار التي نشرها على موقعه في حركة حزب الشاي الأمريكي وفي الخارج، وأشار “أندرز بريفيك”، المحافظ المسيحي الذي قتل 77 شخصا في أسوأ عمليات القتل الجماعي شهدتها النرويج منذ الحرب العالمية الثانية، إلى “سبنسر” وموقعه “جهاد ووتش” 162 مرة في بيانه، الذي برر أعماله كضرورة لمكافحة “الاستعمار الإسلامي المستمر في أوروبا”.
وتضيف المجلة أن هناك العديد من المواقع الإلكترونية التي سارت على نهج “جهاد ووتش” بما في ذلك “رلجن أوف بيس” و “أنسرنج إسلام” كما أن هناك مواقع أخرى تعيد نشر محتوى هذه المواقع مثل “وورلد نت دايلي” و”دايلي كولر” و”هيت ستريت” وبالطبع “بريبارت”.
وكان تأثير كل ذلك هو خلق نظام أشبه بالنظام البيئي الذي يطيح بالعناوين الرئيسية من على الانترنت وينشئ قصصا بديلة، تعرض في الغالب في الصفخة الأولى في محركات البحث، ترتكز هذه القصص على تصوير المسلمين الأميركيين على أنهم جهاديون مرتبطون بالإخوان المسلمين وأنهم يمثلون خطرا محدقا بنمط الحياة الأميركية.
وتختم المجلة تقريرها بالقول: “يسعى الأيديولوجيون إلى تهميش المسلمين من خلال جعل خطابهم ونشاطهم المتعلق بدينهم لا يحدث إلا بتقديم التضحيات الكبيرة؛ إنهم يعتقدون أن المسلمين خبيثون ومزدوجون وخطيرون، وسيتلاعب مروجي الإسلاموفوبيا بالحقيقة لتتناسب مع مزاعمهم وخلال هذه العملية، وينكر هؤلاء أن للإسلام نفس الحقوق الوظيفية التي تتمتع بها المسيحية وسيخرسون من يدعون إلى التوفيق بين الإسلام والحياة الأميركية الحديثة”.