سلط تقرير لوكالة “بلومبرج” الاقتصادية الضوء على التراجع الكبير لكافة أوجه النشاط الاقتصادي في مصر باستثناء سوق الديون القائم على إقراض الحكومة المصرية بفوائد مرتفعة للغاية تصل إلى 20%.
وقالت الصحيفة إنه بالنظر عبر نافذة مكتب “ناجاتي” تاجر الأسهم يوجد حي إمبابة الخاص بالطبقة العاملة، حيث يقع كشك جميل حسن تاجر الفاكهة، لقد تغيرت الأمور كثيراً بالنسبة له أيضاً وبطريقة ليست جيدة؛ فبعد تعويم الجنيه انخفضت قيمته بنسبة 30%، حيث يقول “الناس لم تعد تشتري ثلاثة أو خمسة كيلو جرامات من الفاكهة، هم يحصلون فقط على ما يكفيهم خلال اليوم”، ويضيف حسن: “أنا معتاد على ارتفاع الأسعار، لكن ما حدث هو أنه جن جنونها “.
ويضيف التقرير: “هناك 92 مليون مصري بالبلاد، لا يكاد أحد يهتم بأسعار الأسهم، يهتم جميعهم تقريباً بأسعار الطعام، ومع الإطاحة باثنين من الرؤساء خلال ستة سنوات، فإن برنامج الإصلاح المرتكز على خفض قيمة العملة يعتبر مخاطرة سياسية كبيرة، وتقول الحكومة إنه الدواء المر للاقتصاد المتداعي”.
ويحث عبد الفتاح السيسي المصريين على انتهاج نظرة طويلة الأمد، ويقول إن خيارات البلاد قد نفذت، وحتى الآن، يبدو أن رئيس الجيش السابق يستفيد من حالة التشكك، والشوارع هادئة تقريبا، والبرلمان سهل الانقياد، وتنأى وسائل الإعلام عن الانتقاد العنيف لنظام حكمه، بحسب التقرير
ويصف التقرير رد الفعل الشعبي للإصلاحات الحالية بالتناقض الصريح مقارنة بما حدث في عهد السادات؛ فعند تخفيض السادات لدعم الطعام عام 1977، اندلعت الاحتجاجات الشعبية مما أجبره على التراجع، ومع الاستمرار الاضطرابات لسنوات بعد الإطاحة بمبارك في 2011، تجنبت الحكومات المتعاقبة الاستدانة من صندوق النقد الدولي، لقلقها من إلزامها باتخاد إجراءات لا تلقى ترحيبا لدى الجمهور، وانتهت هذه المقاومة بتوقيع مصر قرض بقيمة 12 مليار دولار مع الصندوق، بعد أسبوع من تعويم الجنيه، ورفع أسعار الوقود وذلك ضمن ما اعتبر شروط مسبقة .
ويقول ياسر الشيمي، الزميل الزائر بالمعهد الأوربي للعلاقات الخارجية “استنزاف الناس والقمع أبقيا المصريين هادئين حتى الآن” مضيفا: “لقد عانى الشعب من سنوات من الاضطرابات السياسية والاجتماعية، في الوقت الذي تقوم فيه حكومة السيسي بسحق مساحة العمل السياسي “، وقام السيسي بسجن الآلاف من النشطاء وحظرت مجموعات المعارضة بما في ذلك الإخوان المسلمين.
ويصف “الشيمي” الوضع الحالي بإناء الضغط ، الذي ربما تنزع الحكومة مكبسه، قبل فوات الأوان، لكن حتى الآن تقضي الخطة بإحكام غلقه”.
ويضيف التقرير أن الأسواق المالية لا تشعر بنفس حالة الضيق؛ إذ تستفيد من ضعف الجنيه لإقراض الحكومة المصرية التي تدفع فوائد تصل إلى 20% تقريباً، وسجلت سوق الأسهم ارتفاعاً خلال شهر يناير إذا تم احتساب قيمة السوق بالجنيه المصري.
ويلفت التقرير إلى أن الوضع الاقتصادي للبلاد لا يتطابق مع أحوال سوق والأسهم والديون المصرية، وهو ما يقره زياد بهاء الدين، نائب رئيس الوزراء السابق في أحد مقالاته الصحفية حيث يقول “المشكلة هي أن الوضع الاقتصادي الفعلي الذي يشهده الناس كل يوم مختلف بشكل كامل”، مضيفا: “إنه لأمر خطير أن تتسع الفجوة بهذا الشكل”.
ويقول الاقتصاديون إن تعويم الجنيه ودعم صندوق النقد الدولي، سيؤدي بمرور الوقت إلى زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وسيزيد من معدلات التوظيف والصادرات إلا أن ناجاتي تاجر الأسهم يقول إن سوق الأسهم في مرحلة الاختبار، وأن لديه بعض العملاء مازالوا يفكرون في استثمار مبالغ ضخمة، من شأنها أن تحافظ على ارتفاع البورصة، إلا أنهم قلقون من السياسة أيضاً، ويوضح: “الخوف الأساسي قادم من مخاطر الاضطرابات السياسية، ولا يمكن الاستهانة بأنه في حال حدوث هذه الاضطرابات فإن كل شيء يحدث الآن قد ينتهي”.
ويشير التقرير إلى أن السيسي دائماً ما يتعرض لمثل هذه المخاوف في خطاباته؛ فخلال أحد أحاديثه في ديسمبر، ناشد الشعب الانتظار لستة أشهر بعدها ستتحسن الأمور، وخلال يناير وعد المصريين بأنه لن يتركهم “أسرى” للسوق الحر وأن الجنيه سيتعافى ليصل إلى قيمة عادلة، أيضاً خلال ستة أشهر، وفي الحقيقة، لم يستمر ارتفاع قيمة الجنيه خلال شهر فبراير، ولا تزال العملة قريبة من أدنى مستوياتها بعد انخفاض قيمة الجنيه.
وكانت حملة القمع التي شنها الرئيس ضد المعارضة لا هوادة فيها، أما عندما يتعلق الأمر بالخطط الاقتصادية فإنه على استعداد لتغيير المسار عندما تظهر دلالات وجود رفض قوي لها؛ وخلال هذا الشهر تراجعت الحكومة عن التلاعب بدعم الخبز عند اندلاع بعض المظاهرت أمام المخابز، بالرغم من تأثر قلة قليلة من المصريين بالقرار.
ولا تؤخذ وعود السيسي على محمل الجد في أوساط زبائن “حسن”، وبسؤال “حسن” أحد زبائنه من السيدات عن السيسي ردت مبتسمة: “أنت لا تجرؤ على انتقاد السيسي”، ثم اكتشفت كم ستدفع للحصول على فاكهة اليوسفي، فانخفض حماسها قليلاً.
ويختم التقرير بقول السيدة: “حسناً الطعام مرتفع الثمن، لكنه مازال حبيبي”.