شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

فورين بوليسي: نظرة خلف مصطلح “منطقة آمنة” تحتوي على أبرياء مهددين

فورين بوليسي: نظرة خلف مصطلح “منطقة آمنة” تحتوي على أبرياء مهددين
وأخدت فاطمة تتذكر قائلة: "الأموات كانوا في كل مكان، أشلاء متناثرة، والدماء تسيل على المباني وحولنا على الطرق. في كل مكان". ففي خلال أسبوع واحد، ذُبح ثمانية آلاف رجل وطفل مسلم، بينما كانت النساء والبنات عادة يفرون من الموت

“حين نتحدث عن الحياة في الجبال، وتحديدًا أعلى سربرنيتسا، لن نعرف عدد الناجين، ومن ماتو أو من أسروا؛ فنحن لم نكن على دراية بما حدث لأحد”. هذا ما بدأت به “فاطمة” حديثها مع جمعية خيرية بريطانية عرفت باسم “لكي لا ننسى سربرنيتسا”، لتنقله صحيفة الفورين بوليسي في تقريرها.

وأخدت فاطمة تتذكر قائلة: “الأموات كانوا في كل مكان، أشلاء متناثرة، والدماء تسيل على المباني وحولنا على الطرق“. ففي خلال أسبوع واحد، ذُبح ثمانية آلاف رجل وطفل مسلم، بينما كانت النساء والبنات عادة يفرون من الموت ليغتصبوا. تم ذلك تحت أعين قوات الحماية الخاصة بالأمم المتحدة في منطقة أطلق عليها “منطقة آمنة”.

سربرنيتسا واحدة من ست مناطق آمنة في البوسنة منذ عام 1993، ومنذ بداية الأمر وصف خبراء البلقان هذه الخطة بكونها مزحة، مشيرين إلى أن المناطق الآمنة ستكون بمثابة مخيمات لسجن اللاجئين؛ فمن السهل أن يموتوا جوعًا؛ خاصةً وأنه أصبح من المستحيل توصيل الطعام إلى هذه المخيمات.

كانت هذه المناطق الآمنة مزدحمة بمواطنين عُزّل عرضة لأي ضربة، في حالة لم توفر منظمة الأمم المتحدة حماية كافية لهم. فلا بد وأن نعلم جيدًا أن “المناطق الآمنة” ما هي إلى أساطير تُقَص فقط.

وبحلول مذبحة سربرنيتسا عام 1995، لم يكن يحرس المنطقة سوى 400 جندي لا يمتلكون كثيرًا من العتاد. فعلى الرغم من طلب الأمين العام للأمم المتحدة بطرس غالي من منظمة الأمم المتحدة بزيادة حماية المناطق الآمنة بالبوسنة بعدد 37 ألفًا من قوات حفظ السلام؛ فإنه سرعان ما اُعتُبر خيارًا ليس من المهم انتهاجه، ليوفروا بذلك 7600 فرد فقط للحماية، وهو ما فشلت فيه هذه الأعداد الضئيلة وأسلحتهم ومعداتهم الهزيلة في حماية المواطنين من الموت.

بالطبع لم تكن البوسنة أول بلد يتم فيه استخدام “المناطق الآمنة” أو “مناطق الحماية” أو “ممرات إنسانية” أو “ملاذات آمنة” أو غيرها من المصطلحات المستخدمة لحماية المدنيين أثناء الحروب؛ حيث تم اللجوء إلى المبدأ نفسه في العراق عام 1991 وفي رواندا عام 1994، وغيرهما.

وتشَارَك الجميع في إثبات فشل وجود المناطق الآمنة رغم هذا التاريخ الحافل؛ إلا إننا لا زلنا نتطرق مرة أخرى إلى محاولة خلق مناطق آمنة في سوريا، كاقتراح من قبل إدارة ترامب الجديدة التي تسعى بشتى الطرق إلى تنفيذها.

حيث صرح ترامب في شهر يناير الماضي بنيّته لإيجاد مناطق آمنة للسوريين، كوسيلة لإبعاد اللاجئين بعيدًا عن أميركا. تتطلب مثل هذه المناطق إلى توفير الخدمات الأساسية من ماء وطعام ونظام صحي ورعاية طبية؛ وهو ما تم تدميره كله خلال الحرب الدائرة. فمما لا شك فيه أن المناطق الآمنة قد تتحول في أقصر وقت كان إلى مكان خطير.

أما في سوريا، فقد عُلقت كل القوانين المرسية في عرف الحروب؛ حيث يتم استهداف عربات الهلال الأحمر والمستشفيات، والصحفيين أيضًا. فأصبح من الصعب تصديق فكرة قيام مناطق آمنة وسط هذه البيئة الوحشية داخل حدودها، إلى جانب رفض الحكومة التام بالسماح لقيام مثل هذه المناطق؛ ولذلك لا بد وأن تعلن الأمم المتحدة عن قرار يعطي حق إنشائها، وهو ما يعني أهمية موافقة روسيا والصين على مثل هذا القرار؛ وهو أمر لن يحدث.

فإذا نظرنا في اقترح تيليرسون، وزير الخارجية الأميركي، بعمل مناطق استقرار مؤقتة؛ يجب أن نتساءل: ما شكل مثل هذه المناطق؟ فالمصطلح يوحي بكونها منطقة قد لا تكون آمنة، والاستقرار لا يعني الأمان، كما أن كلمة “مؤقتة” توحي بأنها ستكون موجودة لفترة زمنية قصيرة؛ لذلك دعونا نتأمل لماذا فضل تيليرسون اختيار كلمة “الاستقرار” عوضًا عن “الحماية”، فاستقرار منطقة ما لا يعني بالضرورة توفير الطعام والمياة… إلخ.

لا يجب أن ننسى تاريخ المناطق الآمنة، الذي يعود إلى ماحدث في العراق عام 1991 بنهاية حرب الخليج؛ حيث فرّ مليون كردي من محاولات صدام حسين لإعدامهم إلى إيران، بينما حاول 400 ألف كردي دخول تركيا ليُمنعوا على حدودها؛ فأُجبر بذلك الأكراد على البقاء في العراق كبلد غير مستقر داخل “منطقة آمنة” جديدة، إلى جانب إرسال أميركا وفرنسا وبريطانيا قوات للمساعدة؛ لتفرض وقتها منطقة حظر طيران.

أخيرًا، يتفق معظم المحلليلن والخبراء بعدم جدوى “المناطق الآمنة”؛ إما بسبب حبسها للاجئين وحرمانهم من حق الهروب من ويلات بلادهم، أو بسبب فشلها في منع العنف في نطاقها أثناء اندلاع الحروب.

ففكرة أنك من الممكن أن تكون آمنًا لأنك تقف على جهة محددة، بينما تصبح مهددًا بالخطر إن كنت على الجانب الآخر، ما هو إلا قانون دولي محفوف بالمشاكل اللامنتهية، وغير منطقي.

فالحل الأمثل لكي نساعد ضحايا الحروب هو أن نسعى إلى السلام.

المصدر

 



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023