كانت زيارة عبدالفتاح السيسي إلى واشنطن الأولى من رئيس مصري منذ 2009م، بعد محاولة إدارة أوباما إبعاد نفسها عن الرئيسين المصريين مبارك والسيسي، ويرى محللون أن موقف ترامب الموالي للسيسي سيكون بمثابة تبييض لإرث أوباما.
ولم يطلق أوباما على ما حدث في يوليو 2013 انقلابًا، وأعطى أمواله للسيسي، ولم يتخذ موقفًا قويًا تجاه مذبحة رابعة التي قتل فيها حوالي ألف قتيل.
وكان لقاء السيسي وترامب استمرارًا للديناميكية بينهما، التي بدأت منذ أن كان ترامب في حملته الانتخابية.
هل سيُثبت الرئيس الأميركي المضياف أنه كنز لرئيس مصري في أمسّ الحاجة إلى المساعدة؟ وهل يمكن للرئيسين إصلاح مسار العلاقات المصرية الأميركية التي حدث فيها توتر أثناء فترة حكم أوباما؟
بالنسبة إلى السيسي، يختلف الوضع بين رئيس ذي قبضة حديدية وآخر ديكتاتور؛ حيث يرى داعموه في مصر أنه ذو قبضة حقيقية، بينما يراه الغرب ديكتاتورًا، ولم يتحدث هؤلاء النقاد عن ترامب الذي أقام لقاء مع نظيره المصري وأعلن أنهما سيعملان بشكل مقرب للقضاء على الإرهاب، وأعلن السيسي عن إعجابه بشخصية ترامب.
وبشأن الوضع الداخلي، فإن الرئيسين تتقلص شعبيتهما؛ فأعلى نسبة موافقة حصل عليها ترامب حتى الآن كانت 46%، وانحدرت في أواخر مارس لتصل إلى نسبة 37%؛ وجاء ذلك بسبب الشكوك بشأن تحالفه مع روسيا، وفشله في تمرير قانون الرعاية الصحية ومحاولة حظر دخول المسلمين.
أما بالنسبة إلى السيسي، فانخفضت نسبة الموافقة على أدائه من 82% في أغسطس 2016 إلى 68 بعد شهرين فقط؛ وهو ما يعد انخفاضًا مقلقًا، وكان ذلك قبل أيام من خوض نظام السيسي في أكبر مخاطرة بتعويم الجنيه المصري.
القمع والإرهاب
أما بالنسبة إلى السياسة الخارجية، فتعد هزيمة المتطرفين أمرًا مشتركًا من الناحية السياسية والأيديولوجية بين الرئيسين.
ويرى ترامب أن السيسي أحد أكثر قادة الدول الإسلامية والعربية الذين يرغبون في محاربة الإرهاب، في الوقت الذي يتطلع السيسي أن يدرج ترامب جماعة الإخوان المسلمين على قائمة الإرهابيين. ولكن حتى الآن لم يتم ذكر اسم جماعة الإخوان في اللقاء الذي تم بينهما.
ويمكن أن يبرهن السيسي على قتاله ضد الجماعات المتطرفة؛ إلا أنه يخسر على أرضه. حيث تشن الجماعة التابعة لداعش، المعروفة باسم أنصار بين المقدس، عمليات دائمة في شمال سيناء.
ويربط محللون بين قمع السيسي وارتفاع نسبة العمليات الإرهابية. وقال المحلل عمر عاشور إنه بعد ما حدث في رابعة كانت هناك كثافة في العمليات الإرهابية.
وبالنسبة إلى الحديث عن الإرهاب، فكل ما يفعله السيسي هو الحديث فقط؛ حيث قال مسؤولون سابقون إنهم لم يروا أي طائرة تابعة لمصر تساعد في قتال داعش في الرقة والموصل.
ومن دون أي عائد يذكر، لماذا يمكن أن يقلل ترامب من فرص دولته في الشرق الأوسط من خلال إعلان أن جماعة الإخوان “إرهابية”؟
ومن جانب آخر، اعتبر البعض أن مثل هذا الإعلان بعد محاولة ترامب لحظر دخول المسلمين من عدة دول سيُرى دليلًا على محاربة أميركا للمسلمين وليس للإرهابيين، وستكون له عواقب سلبية؛ سواء في الداخل أو الخارج.
وبالتالي؛ خرج ترامب من أميركا دون فعل ما كان يريده، وهو إظهار الإخوان المسلمين جماعة إرهابية.
المعتقلون المصريون
وهناك أمران آخران يتوقع أنه تمت مناقشتهما بينهما؛ أولهما قضية المصرية الأميركية آية حجازي المحتجزة بسبب نشاطها الذي يساعد أطفال الشوارع منذ ألف يوم، والآخر أزمة بشأن وجود ما يقرب من 60 ألف معتقل سياسي في سجون السيسي.
ومن قائمة المعتقلين الطالب أحمد الخطيب، الذي أصيب لظروف السجن غير الآدمية؛ ولكن لن تسمع عنه في لقاء السيسي وترامب، وكذلك لن تسمع عن “شوكان” المحتجز منذ مذبحة رابعة في أغسطس 2013.
لن تسمع عن هذه القضايا لأن حقوق الإنسان ليست قضايا هامة لترامب والسيسي؛ فالغاية عندهما تبرر الوسيلة، وغالبًا تكون الوسيلة تجاهل حقوق الإنسان، الذي يقابله صمت من واشنطن.
ولم يبد ترامب أي انزعاج من المحنة التي يتعرض إليها أمثال شوكان؛ لأن اعترافه بشوكان يعني الاعتراف أنه كان في سجون السيسي لمدة ثلاث سنوات وكانت جريمته الوحيدة التصوير التوثيقي لجرائم الحرب التي وقعت في رابعة.
ومن المؤكد أنه تمت مناقشة أزمة الاقتصاد في مصر، ولكن بالتأكيد كان ترامب هينًا في تعامله مع السيسي؛ بل أشاد بشجاعته في اتخاذ إجراءات صارمة للتحرك باقتصاد مصر إلى الأمام. احتجاجات الخبز، ملايين من العاطلين، ديون خارجية؛ كل ذلك لا يزعج الجانبين.