بعد ست سنوات من ثورة 17 فبراير 2011م التي أطاحت بنظام القذافي واختفاء رموز نظامه وقياداته المتهمة بقمع الثورة، ومع تفاقم الأوضاع على الأرض ودخول البلاد في أتون التجاذبات العسكرية والسياسية والتدخلات الإقليمية، بدأ أنصار “الجماهيرية العظمى” العودة إلى المشهد السياسي والتسلل إلى السلطة؛ في تحول جديد أثار عديدًا من التساؤلات في الشارع الليبي.
وقبل أيام، أقدم رئيس مجلس النواب في طبرق، عقيلة صالح، على تعيين أمين مؤتمر الشعب العام في عهد القذافي “محمد الزوي” مستشارًا في شؤون المغرب العربي لدى مكتب شؤون الرئاسة بالمجلس.
وبدوره، أقدم قائد محاولة الانقلاب اللواء المتقاعد خليفة حفتر مؤخرًا على تعيينات وتكليفات جديدة في صفوف قواته؛ أبرزها تعيين اللواء المبروك سحبان -أحد قادة كتائب القذافي إبان ثورة فبراير- في منصب “آمر غرفة عمليات سرت الكبرى”.
في إطار المصالحة!
وفي أبريل 2015م، كلّف حفتر العقيد محمد بن نايل بقيادة “لواء 241 مشاة”، بعدما أفرج عنه خلال عملية تبادل للمحتجزين بين مجلس مصراتة العسكري والقوة الثالثة لتأمين الجنوب. و”بن نايل”، المنتمي إلى قبيلة المقارحة، أحد قيادات نظام القذافي، فضلًا عن كونه متهمًا في عديد من القضايا؛ منها مذبحة سجن “أبو سليم”، وقمع ثورة فبراير، واغتيال بعض معارضي النظام.
ويعتقد رئيس الوزراء الأسبق علي زيدان أن الخطوات التي تجري هذه الأيام تأتي في إطار ردود الفعل، وفي غالبها تكون غير مدروسة، معربًا عن خشيته من أن تكون نتائج هذه الإجراءات غير إيجابية.
وفي حديث تلفزيوني تساءل زيدان: هل الأولوية الآن تعيين مستشار لشؤون المغرب العربي؟ موضحًا أن الشعب الليبي بحاجة إلى مصالحة وطنية شاملة تؤخذ فيها اعتبارات سبّبت الانقسام القائم.
وأردف زيدان أن محاولة استيعاب عناصر النظام السابق ينبغي أن تتم في إطار المصالحة الوطنية العامة المبنية على القناعة.
استنكار الزنتان
بدوره، استنكر المجلس العسكري لثوار الزنتان في بيان له تعيين حفتر لقيادات من أنصار النظام السابق في مناصب عسكرية وأمنية رفيعة، وهؤلاء مواقفهم مختلفة عن أهداف ثورة فبراير.
وحثّ مدير الإعلام بالمجلس، محمد الحتيوش، في مؤتمر صحفي، جميع القيادات العسكرية والسياسية على مراجعة قراراتهم وفقًا للمصلحة العليا للدولة، رافضًا في الوقت ذاته ما اعتبره استمالة القبائل لتكوين تحالفات عسكرية ستعمل على انقسام البلاد.
إجراء قانوني
في المقابل، دافع عضو مجلس النواب في طبرق جاب الله الشيباني عن هذه التعيينات، وقال إنها لا تتعارض مع قانون العفو العام الذي أصدره المجلس.
وقال في تصريحات صحفية إن حفتر معيّن من مجلس النواب بطبرق؛ ما يعني -وفق رؤيته- قانونية تعيينه لأشخاص لم تتلطخ أيديهم بالدماء بغض النظر عن عقائدهم أو انتماءاتهم، مشيرًا إلى أن جميع الليبيين سواسية أمام القانون.
ويتفق معه الخبير الأمني العميد المتقاعد بشير الصفصاف، إذ قال في تصريحات لموقع الجزيرة الإخباري: “من أجرم يقف أمام العدالة، ومن لم يجرم من حقه كمواطن بعد انقضاء مدة حبسه المشاركة في العملية السياسية”.
تكوين تحالفات
جاءت هذه التعيينات المثيرة للجدل في خضم صراع نفوذ في ليبيا بين أطراف يحرص كل منها على بسط السيطرة في عدة مناطق، وهو ما أكده المحلل السياسي محمد فؤاد؛ حيث ذكر أن استعانة حفتر بقادة من رموز النظام السابق محاولة لبسط سيطرته وزيادة شعبيته وتكوين حلفاء له في أغلب المناطق.
ويتفق الصفصاف مع ما ذهب إليه فؤاد، إذ أشار إلى أن حفتر يسعى إلى زيادة نفوذه في مناطق الجنوب، ليتمكن بعد ذلك من الصعود نحو غرب ليبيا، ضمن ما سماها “مناورة الالتفاف”.
ومن جانبه، يرى الخبير الاستراتيجي والعسكري عادل عبدالكافي أن عملية الكرامة، التي يقودها قائد محاولة الانقلاب حفتر، تكبّدت خسائر بشرية في صفوفها خلال الأعوام الثلاثة وتعرضت إلى الانشقاقات؛ ما دفع حفتر إلى الاستعانة بقادة النظام السابق لاعتقاده بأن هذه العناصر قادرة على تلبية رغبات العملية وتطلعاتها.