تتصاعد الفوضى في ليبيا يومًا تلو الآخر مع حدّة الصراع الداخلي بين الحكومات الثلاث والمليشيات الخاصة بها؛ بسبب المساندة الخارجية التي يحصلون عليها من ثلاثة كيانات مختلفة تدّعي شرعية حكومتها على ليبيا.
فمشاركة روسيا في الأحداث الأخيرة ساهمت أيضًا في زعزعة استقرارها المحفوف بالمخاطر مسبقًا؛ ليصبح الرجوع إلى روسيًا أمرًا مفروغًا منه قبل اتخاذ أي قرار يخص الحرب الأهلية الليبية. وباللجوء إلى القصف الجوي الأخير في سوريا من قبل القوات الأميركية، من الممكن أن تتسبب التوترات القائمة ما بين موسكو وواشنطن في البحث عن حل وسيط يخص ليبيا يتجه بها إلى مكانة أسوأ مما هي عليه الآن، أو من الممكن أن تتحول ليبيا إلى مكان يختبر العلاقات الأميركية الروسية الجديدة للتعاون ومحاولة نسيان ما صدر عن أميركا بقصف القاعدة الجوية السورية ليصلا إلى تعاون مزدوج دائمًا ما كان يأمل ترامب الفوز به.
لدى أميركا خياران فيما يخص سياساتها الخارجية: فمن الممكن أن تستمر أميركا في معاداة روسيا لتخاطر بزيادة حدة الحرب الأهلية؛ فتزداد الكارثة الإنسانية حدة، أو من الممكن أن تحاول التعاون مع روسيا للبحث عن حل يتناسب معهما. من الصعب أن تنقذ ليبيا نفسها وحدها؛ فأي حل ناجح لا بد وأن يشمل تعاونًا مشتركًا مع الحكومات الأجنبية، والقبائل الليبية الكبيرة، والمليشيات العسكرية.
وتدعي ثلاثة كيانات شرعية حكمها ليبيا، ويدعم كل منها قبائل مختلفة ومليشيات عسكرية وحكومات أجنبية. آخر كيان شارك في الحياة الليبية كان منظمة الأمم المتحدة، التي شاركت في العام الماضي، بينما فشلت في الحصول على أي دعم ليبي لتصبح كيانًا غير منتخب معروضًا من قبل الأمم المتحدة ومدعومًا من قبل مجلس الأمن.
حيث انتخب الشعب الليبي أعضاء مجلس النواب الأخير، الكائن في مدينة طبرق مع الجيش الوطني الليبي بإدارة المشير خليفة حفتر في شهر يونيو من عام 2014. وعلى الرغم من قبول عديد من أعضائه للحكومة المدعومة من قبل الأمم المتحدة مبدئيًا؛ رفضها آخرون. وقد دعم المجتمع الدولي الحكومة المعينة في عام 2014 وتخلت عنها بعد تغير الديناميكية القائمة بعد اشتعال الحرب الأهلية.
وبعدم رحيل الإسلاميين من ليبيا في عام 2014، وردًا على الانتخابات القائمة آنذاك، تم بدء عملية فجر في الشهر التالي، وأدت إلى قيام حكومة الخلاص الوطنية في طرابلس؛ ليتم حلها في العام الماضي بعد وصول الحكومة الجديدة التي فشلت في التخلي عن السلطة. فقد وصلت ليبيا حاليًا إلى مرحلة تمسك كل الحكومات بموقفها، رافضة التخلي عن مركز قوتها طواعية لحكومة أخرى؛ لتستمر كل واحدة في فرض قوتها وسيطرتها بطريقتها الخاصة.
ودخلت ليبيا جولة جديدة من الحروب في شهر مارس الماضي، لتصل بها إلى نهاية ذروة التفاؤل التي بلغتها ليبيا بعد نهاية حربها مع داعش في مدينة سرت. أما في منطقة الهلال النفطي الليبي في شرق البلاد، فغيرت السيطرة على عديد من الموانئ بين جيش حفتر وحكومة الأمم المتحدة وكتائب الدفاع في بنغازي؛ والجدير بالذكر أن مشاركة كتائب بنغازي تعد حديثة لدرجة كبيرة في المشهد الليبي بعد أن تشكلت جماعة من المقاتلين المعروفين في ليبيا. وفي شهر أبريل، اتجه مكان القتال في ليبيا إلى الجنوب؛ حيث تصادم جيش حفتر مع المليشيات الداعمة للأمم المتحدة حاليًا.
فأصبحت بذلك الصراعات بين الحكومات الثلاث أكثر رسوخًا، بينما تتفق الحكومة القائمة في طرابلس مع قوات حفتر، إلى جانب رفضه التام التعاون مع الأمم المتحدة وحكومتها الممثلة في فايز السراج بمصر في شهر فبراير الماضي للوصول إلى اتفاقية سلام بينهما.
تتمتع كل حكومة من الحكومات الثلاث بدعم منفصل من القبائل والمليشيات والأقليات. وعلى الرغم من التحام عديد من هذه المجموعات مع حكومات بعينها في المرحلة الحالية؛ فهي تميل إلى التحالفات المتغيرة وفقًا لظروف التطورات المحلية والتغيرات الكثيرة. هذا وتمثل أعداد المليشيات السياسة المنخرطة في صورة المشكلة المعقدة. من المحتمل أن يكون هناك مئات الجماعات المسلحة النشطة في ليبيا اليوم؛ إلا أن طبيعة الصراعات الكثيرة القائمة في ليبيا تجعل من الصعب وضع تصور واضح وحصر لأعدادهم.
هذا وتظل أكبر قبيلتين منفصلتين في قراراتهما الداعمة للحكومات؛ فنجد أن قبيلة الزناتان بعضها يدعم جيش حفتر والبعض الآخر يدعم حكومة طبرق، بينما تدعم قبيلة مصراتة العناصر المحاربة لحفتر. وعلى الرغم من كل ذلك، أثبتت الأعوام الستة الأخيرة أن الولاء الحقيقي في ليبيا تمحور حول الانتماء القبلي وليس الحكومات. ولذلك؛ تحتاج أي حكومة إلى دعم القبائل الليبية القوية والمليشيات لتكون ناجحة ومتحدة.
وتفيد التقارير القائمة باستعداد روسيا الدائم لزيادة مساعداتها الداعمة لشرق ليبيا وجيش حفتر. بينما دعمت السلطات الإيطالية محاولة قوات الدفاع في بنغازي للإطاحة بجيش حفتر وطرده من الهلال النفطي. بينما ساهمت روسيا وفرنسا وإيطاليا وأميركا في عمليات خاصة مختلفة داخل ليبيا أو قربها.
وساهمت مصر والإمارات في عمليات قصف جوية داخل ليبيا. وضربت أميركا داعش في مدينة سرت وفقًا لمطالبات الحكومة المدعومة من قبل الأمم المتحدة؛ لتتسبب المجهودات المبذولة من قبل الأمم المتحدة فقط في تأسيس حكومة ثالثة إلى جانب معاناتها من ضعف الدعم الوطني المساند لها، بينما يحصل جيش حفتر على أراض جديدة، وتعيد مليشيات طرابلس ترتيب صفوفها. وفي حين أن حفتر كان يعمل على المساواة بين الإرهاب والإسلاميين في الماضي، لا يزال يعمل على محاربة الإرهاب بثبات وجماعاته في شرق ليبيا، بما فيهم أنصار الشريعة التي شنت هجمات 2012 ضد البعثات المؤقتة.
الجهود الحالية المفككة لا تعمل. وعوضًا عن استمرار الموقف الراهن، حان الوقت للاتجاه إلى محاولات أخرى؛ ففشل الوحدة الليبية فيه مخاطرة بنشوب حروب أهلية عنيفة أخرى، إلى جانب محاولات داعش لاتخاذ ليبيا ملاذًا آمنًا له وتفاقم الأزمة الإنسانية.