بعد أن ظن مراقبون ومحللون أن معركة الموصل ستكون جولة سريعة في رحلة القضاء على تنظيم الدولة، خاصة في ظل حالة الثقة التي اتسمت بها القوات العراقية وقوات التحالف المتعاونة معها إبان انطلاق المعركة، وحشد العراق من أجلها قوات نظامية واسعة التخصصات والأسلحة والمعدات، فضلًا عن قوات الحشد الشعبي والقوات المعاونة وقوات الشرطة الاتحادية؛ إلا أنه بعد دخول المعركة شهرها السابع لا يزال عنوانها الأبرز حتى الآن “خراب ودمار وتشريد”، حيث فشل المهاجمون في حسم معركة كان يُتوقع القضاء على تنظيم الدولة ونهايتها في عام 2016.
واليوم، لا سقف زمنيًا لقوات التحالف الدولي لمعركة الموصل، ولعبة القط والفأر تتواصل: تنظيم الدولة المحاصر في الجزء الشمالي الغربي من المدينة مع نصف مليون مدني لجأ إلى حرب عصابات، وذلك في حرب مكلفة للحكومة والتحالف الدولي.
هذا الواقع دفع وسائل إعلام أميركية إلى وصفه بـ”المستنقع”، لكن نجاح المعركة مرهون بعملية سياسية؛ فتنظيم الدولة بنسخِه الثانية والثالثة والرابعة ما زالت أرضيته الخصبة متوفرة وعنوانها تهميش السنة، كما يقول خبراء.
فما أسباب تأخر الحسم الذي تحدث عنه السياسيون والعسكريون قبل بدئها؟ وما مسار المعركة ومدى قابليته للتعديل؟
توقيت خاطئ
يعتبر الخبير العسكري حاتم الفلاحي أن تأخر حسم المعركة بسبب أن الوعود التي قطعها السياسيون كانت عبارة عن دعاية إعلامية ليس أكثر؛ لأن الواقع كانت له قراءة مختلفة تمامًا عما قرأها السياسيون والعسكريون.
وقال في تصريحات تلفزيونية: كان هناك خطأ في التوقيت الذي أُعلنت فيه المعركة؛ إذ كان سياسيًا أكثر منه عسكريًا، قبيل الانتخابات الأميركية، في حين لم تكن القطاعات الحكومية جاهزة للمعركة.
الخطأ الثاني -بحسب الفلاحي- أنه كان يجب فصل معركة أطراف المدينة عن قلب الموصل؛ باعتبار مركز مدينة الموصل، وهو ما لم يحدث.
وتابع أنه كان هناك تلكؤ لبعض القطاعات في تنفيذ الخطة التعبوية، مثل قوات البيشمركة، إضافة إلى تفاوت القدرات التدريبية والإمكانات العسكرية للقطاعات الحكومية بشكل كبير جدًا؛ ففي المحور الشرقي استطاعت قوات مكافحة الإرهاب الاصطدام بالمدينة، في حين تأخرت قطعات أخرى.
واعتبر في تصريحاته أنه كان من الأفضل تأجيل المعركة إلى فصل الربيع؛ لتلافي تعرض النازحين إلى البرد القارس، ويرى أنه ما من شك في أن هناك تقدمًا للقوات؛ لكن التكلفة كبيرة، وكذلك استنزافًا كبيرًا للجيش العراقي؛ لذلك تشير جميع النتائج إلى أنها معركة خاسرة.
ملامح إيجابية
في المقابل، اعتبر المحلل العسكري والناطق السابق باسم وزارة الدفاع العراقية ضياء الوكيل أن هناك جوانب كثيرة إيجابية في المعركة، قائلًا إن القوات العراقية تفرض سيطرتها الآن في الميدان، وتمسك بزمام المبادرة العسكرية، وهي التي تحدد إيقاع المعركة؛ سواء كان بطيئًا أو سريعًا، وذلك يحتكم إلى تقدير الموقف القتالي في الميدان.
ويرى أن هناك ملامح إيجابية في مشهد المعركة؛ ففي الجانب الشرقي للمدينة مدن وأحياء مهمة تحررت، وقال إن المعركة الحاسمة الآن هي المدينة القديمة، والقوات العراقية شهدت تطورًا كبيرًا في قدراتها القتالية، وتمتلك خبرة ميدانية وكفاءة اكتسبتها من معارك سابقة.
ونفى الوكيل وجود أي تطهير عِرقي في معركة الموصل، وقال إن القوات العراقية -بما تضمه من جيش وشرطة وقوات مكافحة الإرهاب- هي من تتولى تحرير المدينة، مشيرًا إلى أن “المعركة ذات بُعد وطني ولا يختلف عليها عراقيان”، والقوات العراقية لم تستخدم أسلوب البساط المفتوح؛ بل تتقدم ببطء وحذر شديد للحفاظ على حياة المدنيين.