بعد أيام من الشد والجذب، يبدو أن المعركة بين مؤسسة الأزهر، ورئاسة الجمهورية، تشهد حالة من الهدوء، خاصة بعد أن أغلق مجلس النواب الخميس الماضي ملف قانون الأزهر، والذي قدمه محمد أبو حامد، حيث يسمح القانون بالإطاحة بشيخ الأزهر، ومجلس علماء المسلمين، بخلاف لقاء رئيس البرلمان على عبدالعال مع الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر.
وفي ظل حالة الهدوء بين مؤسسة الأزهر والرئاسة، ومع توقف المعركة بينهم، أثيرت العديد من التساؤلات حول من الخاسر والفائز من هذه الحرب، وهل انتهت الحرب بغلق ملف قانون أبو حامد بمجلس النواب، أم أن هناك جولات أخرى لهذه المعركة.
ورغم حالة الحرب التي شنها نظام السيسي على مؤسسة الأزهر، عبر سياسييه وإعلامييه، إلا أن مؤسسة الأزهر تعتبر الرابح الأكبر من هذه المعركة.
شعبية الأزهر
نجح الأزهر الشريف في اكتساب شعبية كبرى بعد موقفه الرافض لفكرة تطوير الخطاب الديني التي طرحها عبد الفتاح السيسي، وأصبح شيخ الأزهر يحظى بدعم قوي في معركته.
وشهدت الفترة الماضية زيارات وفود شعبية وبرلمانية لشيخ الأزهر لرفض الحملة التي تشن ضده، كما نجح شيخ الأزهر في اكتساب شعبية وسط معارضيه، رغم مواقفه المتخاذلة والتي تسببت في هجوم المعارضين عليه، إلا أنه نجح في ضمهم لصفه في معركة الرئاسة.
وسادت حالة من الاستياء وسط قبائل محافظة قنا التي ينتمي لها الشيخ أحمد الطيب، ضد ما وصفوه بالحملة المعادية لمؤسسة الأزهر وشيخها الدكتور أحمد الطيب، مؤكدين تنظيم مؤتمر لمناصرة الأزهر قريبا.
زيارة بابا الفاتيكان
وأمام مطالبات بعزل الطيب وتنحيه، استقبل الطيب البابا فرنسيس بابا الفاتيكان أكبر رأس للكنيسة الكاثوليكية في العالم، لتسجل الزيارة تأييدا تاما لدور الأزهر في رسالة تحمل الرفض التام للهجوم على الأزهر، لتوضيح قدرة الطيب على لم شمل الأمة الإسلامية والمسيحية، التي تجلت في استجابة البابا لدعوة شيخ الأزهر بالمشاركة في فعاليات المؤتمر العالمي للسلام، في حضور قادة ورؤساء الأديان على مستوى العالم.
ونجح شيخ الازهر في استغلال زيارة بابا الفتيكان للأزهر في صالحة، حيث جلس البابا فرنسيس بابا الفتيكان على منصة واحدة مع الشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر، وفي نوع من التأييد والتقدير الكامل لدور الأزهر ولشيخه الإمام، عانق بابا الفاتيكان، شيخ الأزهر، وهو ما تفاعل معه الحضور وقاموا بالتصفيق تحية لهما، حيث هتف البعض يحيا “إمام السلام وبابا السلام”.
واستغل شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، حضور البابا فرنسيس ورؤساء الأديان على مستوى العالم، بالتأكيد أن الإسلام لا علاقة له بالإرهاب، بالقياس بأن المسيحيَّة ليست دين إرهابٍ، بسبب أن طائفة من المؤمنين بها حملوا الصليب وراحوا يحصدون الأرواح.
ردود فعل سريعة من الأزهر
ويقول مراقبون إن الأزهر سعى خلال الفترة الماضية إلى قطع الطريق على النظام وعدم إعطائه الفرصة لإلصاق تهمة تأييد التطرف بالأزهر، حيث سارع شيخ الأزهر بإقالة رئيس جامعة الأزهر الأسبوع الماضي بعد تصريحات تلفزيونية مثيرة للجدل اتهم فيها الباحث إسلام بحيري بالردة عن الإسلام بسبب هجومه على الثوابت الدينية والتراث الإسلامي.
كما قالت صحيفة “اليوم السابع”، السبت، أن أحمد الطيب شيخ الأزهر، كلف مستشاره القانوني والتشريعي بإعداد مشروع قانون يجرم الحض على الكراهية، لتقديمه لمجلس النواب خلال دور الانعقاد المقبل.
هدنة مؤقتة
ورأى الباحث السياسي عبد الخبير عطية أن معركة النظام مع الأزهر لم تنته، مشيرا إلى أنها توقفت نسبيا فقط هذه الأيام بسبب مكانة الأزهر عند المسلمين في مصر وخارجها، خاصة بعد زيارة بابا الفاتيكان لمصر وعدم رغبة النظام في أن يظهر دوليا بأنه ضعيف ويصفي خصومات سياسية مع الأزهر.
وأكد “عطية”، أن الأزمة ستظل مستمرة، وأن النظام سيواصل حربه ضد الأزهر بأساليب أخرى حتى يحقق هدفه الأكبر وهو منع الأزهر من أن يكون مستقلا وخارجا عن سيطرة النظام، موضحا أنه إذا كان البرلمان قد رفض قانون أبو حامد لأنه مخالف للدستور، فإن النواب المؤيدين للنظام سيقدمون في الفترة المقبلة قانونا آخر غير مخالف للدستور يتيح للسيسي التدخل في شؤون الأزهر.
وشدد على أن النظام لم ولن ينسى موقف شيخ الأزهر من فض اعتصام رابعة حينما أصدر بيانا رافضا لما قام به النظام وقتها وطالب بوقف إراقة الدماء وفتح تحقيق عاجل في الأحداث.
الرئاسة تراجعت خوفا من ثورة
ومن جانبه قال الكاتب الصحفي عامر عبدالمنعم، أن الأزهر انتصر على السيسي في معركة قانون الأزهر، وفشلت الحملة الحكومية التي تم التخطيط لها لتمرير التشريع الذي كان سيدمر المؤسسة الأزهرية العريقة ويفسدها، وفي اعتراف صريح بالهزيمة ذهب رئيس مجلس النواب إلى شيخ الأزهر في مكتبه واعتذر له، وأعلن أن مشروع القانون “صفحة وطويت”.
وأوضح “عامر” في مقال له، أن التراجع الرسمي جاء خوفا من أن يكون تخريب الأزهر هو القضية الساخنة التي تفجر الثورة في الشارع المصري، الذي ينتظر شرارة لانفجار الغضب، وبعد تصاعد الرفض ضد القانون والفشل في حشد أعضاء البرلمان لتأييد تدمير الصرح الذي يخدم الإسلام منذ أكثر من ألف عام.
وبيّن “عامر” أنه في البداية لم يكن معلوما سر الهجوم المفاجئ على شيخ الأزهر، والتطاول عليه، وتشويهه إلى حد اتهامه بالإرهاب، ولكن يبدو أن الذين يقفون خلف الحملة لم يتركونا طويلا في هذه الحيرة، فكشفوا لنا عن السر وهو هزيمة الدكتور أحمد الطيب نفسيا والضغط عليه وإرهابه ليستسلم ويقبل تمرير قانون إعادة تنظيم الأزهر الذي تم تقديمه لمجلس النواب.
وأضاف “عامر” أنه من الواضح أن القانون معد منذ فترة طويلة وليس مكتوبا على عجل، والذين يقفون خلفه انتظروا واقعة الكنيستين، ليبدأوا حملة القصف الإعلامي والسياسي للأزهر، ويؤكد مضمون القانون والمحاور والصياغة الماكرة أن دوائر خارجية وداخلية درست وخططت هذا المشروع الذي يهدف إلى تفكيك الأزهر كمؤسسة متخصصة في تدريس القرآن والسنة وأصول الدين وتحويله إلى أداة لمكافحة الإرهاب على الطريقة الأمريكية.
وأشار “عامر” إلى أن التحريض الحكومي الرسمي ضد الأزهر الشريف يكشف عن حالة من الجنون أصابت النظام السياسي المصري، فالأزهر ليس حزبا سياسيا خصما للسلطة، وليس كيانا معارضا لنظام الحكم، وإنما هو أهم مؤسسة تابعة للدولة تخدم الإسلام في مصر والعالم.