كان تعبير “الشعور بالصدمة” الذي أطلقه مسؤولون في واشنطن على سرعة قطع الدول الثلاث علاقاتها مع قطر مؤشرًا كافيًا للدلالة على خطورة هذه الخطوة؛ وربما يرسم في الوقت نفسه صورة متشائمة لمستقبل المجلس الخليجي.
وهو ما يؤكد حديث وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني عن تحديات في المنطقة كان من المفترض أن توّحد الخليجيين، وتحدّث عن علامات استفهام كثيرة تثار عن مستقبل مجلس التعاون الخليجي الذي يجب أن يقوم على الوحدة والتضامن.
ورغم أن مجلس الوزراء السعودي قال إن “المملكة اتخذت قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة قطر نتيجة الانتهاكات الجسيمة التي مارستها السلطات في الدوحة”؛ فإن المسؤولين الأميركيين قالوا إنه لا يمكنهم تحديد السبب الذي دفع الدول الأربع، إضافة إلى مصر، إلى اتخاذ قرار قطع العلاقات مع قطر.
العلاقة مع إيران
حَفَلَ التاريخُ السياسيُّ والعلاقاتُ الحديثة بكثير من الأزمات بين الدول، وبتباين كبير في مواقفها تجاه كثير من القضايا، وصلت في أحيانٍ إلى حروب امتدت على مدى أيام أو أشهر أو سنوات؛ لكنها لم تشهد إجراءات أو قرارات بحجم تلك التي اتخذتها الدول الخليجية الثلاث ضد قطر في غضون ساعات.
وهنا تبرز إلى الواجهة العلاقات الخارجية مع إيران. فرغم التصعيد المتواصل منذ مدة طويلة، بلغت مداها عقب قمم الرياض الثلاث التي شارك فيها الرئيس الأميركي دونالد ترامب؛ لم يُتّخذ إجراء ضد طهران كما اُتُّخذ ضد الدوحة، بل على العكس من ذلك؛ لا تزال الدول الثلاث تحتفظ بعلاقات دبلوماسية واقتصادية وروابط متينة مع إيران.
رغم الحرب العراقية الإيرانية لم تُغلق السفارتان بين الدولتين
أما ما يتعلق بالحرب العراقية الإيرانية، التي امتدت ثمانية أعوام، فرغم أن الأزمة بين البلدين كانت من مُخلّفات الاستعمار، ووُقِّعت اتفاقيات بينهما، آخرها اتفاقية الجزائر يوم 6 مارس 1975؛ إلا أن سفارتي البلدين مارستا عملهما في طهران وبغداد، رغم قرار سحب السفراء الذي اتخذ في مارس 1980.
كوريا الشمالية
وفي شبه الجزيرة الكورية، لم تدفع الأزمة الدولية المتصاعدة مع كوريا الشمالية ورفضها الامتثال إلى قرارات مجلس الأمن فيما يتعلق بالملف النووي والتجارب الصاروخية الدول الرافضة لسياستها إلى إغلاق سفاراتها، بما فيها الدول الأوروبية، والعكس أيضًا؛ فمعظم الدول لها سفارات أو ممثلات قنصلية خاصة في كوريا الشمالية.
رغم عمق الخلافات بين أميركا وكوريا الشمالية لم تنقطع العلاقات الدبلوماسية بينهما
بريطانيا والأرجنتين
وفي الأزمة بين المملكة المتحدة والأرجنتين بشأن جزر فوكلاند، التي امتدت تاريخيًا لعقود، بقيت العلاقات الدبلوماسية قائمة بين البلدين ولم تنقطع إلا نحو ثلاثة أشهر (فترة الحرب من أبريل/ نيسان 1982 وحتى يونيو من العام نفسه)؛ رغم أن الأزمة لم تنته حتى الآن.
أما فيما يتعلق بالعلاقات بين روسيا والولايات المتحدة فلا تكاد تشهد حالة من الاستقرار أو الوفاق، ومع ذلك لم يصل الأمر إلى حد القطيعة؛ رغم المواقف الروسية المعطلة لقرارات مجلس الأمن فيما يتعلق بالأزمة في سوريا.
مستقبل مجلس التعاون
بعد هذا الاستعراض، يحسن التوقف عند ما قاله الإعلامي القطري جابر الحرمي إن “العلاقات الخليجية لم تصل في مرحلة ما إلى ما وصلت إليه الآن، وإن قطر تخشى على مستقبل مجلس التعاون الخليجي”.
وأضاف، في تصريحات تلفزيونية محذرًا من أن قرار السعودية والإمارات والبحرين إغلاق حدودها ومجالها الجوي وقطع علاقاتها الدبلوماسية لن يؤدي إلى ضرب قطر ومحاصرتها؛ بل إلى تفكيك مجلس التعاون وضرب الوحدة الوطنية بين دولِه، سواء على المستويات السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية.
ووصف عضو مجلس الأمة الكويتي السابق ناصر الدويلة القرار بأنه “مؤسف” ولا يوجد ما يبرره استنادًا إلى القانون الدولي. وقال في تصريحات صحفية إنه يمثل “كارثة على الأمة العربية”، ويتصادف مع نكسة يونيو التي مُني بها العرب من قبل.
واعتبر أنه من غير المنطقي اتخاذ هذه الإجراءات بين دول يجمعها كيان خليجي واحد على أساس تصريحات إعلامية تعرف جميع وسائل الإعلام المستقلة أنها “مفبركة”.