تساءلت صحيفة «الإيكونوميست» عن وضع قطر تحت الحصار وتأثيره عليها، وأجابت ساخرة: «تُفيد التقارير أنه في فندق فور سيزون بالعاصمة الدوحة تباطأ ضخ الشيكولاتة، ويخزّنُ نزلاءٌ الكافيار؛ بينما تُعدُّ اليخوت للهرب».
وقالت الصحيفة إن قطر واجهت الأمر بصلابة أكثر مما توقّع جيرانها؛ فمن حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي تعتبر قطر واحدة من أغنى دول العالم. وبعد أن قطع جيرانها في الخليج العلاقات معها في 5 يونيو كان هناك نقص قليل في الحليب والدواجن؛ لأن سكانًا محليين بدؤوا في تخزين الطعام. ولكن المحلات اليوم أصبحت مُكدّسة بالكامل. قد ينظر المتسوقون مرتين في التسميات التركية الجديدة على منتجات الألبان الخاصة بهم، ولكن ليست هناك حاجة ملحة حتى إلى الأربعة آلاف بقرة التي نقلها رجل أعمال وطني عبر الجو.
وقرّرت دول عربية، تقودها السعودية والإمارات، مقاطعة قطر؛ بسبب مزاعم بإثارتها الاضطرابات الإقليمية وتمويل الإرهاب والتقارب مع إيران، وهو ما تنكره قطر؛ إلا أن الحصار الذي فُرض قبل أسبوعين يأتي حتى الآن بأثر عكسي. فقد تدخّلت تركيا لتزويد معظم المواد الغذائية التي كانت تأتي برًّا من المملكة، وترسل إيران والمغرب مزيدًا، كما توصلت الحكومة إلى اتفاق مع سلطنة عمان يتيح للسفن القادمة طريقًا بديلًا عن استخدام الموانئ الإماراتية.
ولم تكن قطر تتاجر بشكل مكثّف مع جيرانها حتى قبل أن تُغلق حدودها. وتذهب معظم صادراتها من النفط والغاز المربحة إلى آسيا، وهي تتدفق بشكل طبيعي؛ لذا فإن الاقتصاد الذي يعزّزه الإنفاق العام على البنية التحتية ينبغي أن يستمر في النمو. وقال وزير المالية القطري علي شريف العمادي إن قطر في مركزٍ ماليٍّ مُريح للغاية، وفوائضها من النقد الأجنبي تساوي 250% من ناتجها المحلي الإجمالي؛ لذا فإنها قادرة على تحمّل أيّ ضغط على عملتها.
ولكن، هناك ما يدعو إلى القلق في الدوحة؛ تستغرق طرق التجارة الجديدة وقتًا أطول وتُكلَّف أكثر، ومع خفض التصنيف الائتماني للبلاد ربما تجد البنوك صعوبة في الحصول على التمويل؛ ما قد يُضعِف نمو الائتمان الذي غذّى الاقتصاد في السنوات الأخيرة. وتعرضت شركة الخطوط الجوية القطرية، التي أعلنت للتو عن أرباح قياسية، إلى الرضوض؛ بسبب قرار المملكة العربية السعودية والبحرين ومصر والإمارات العربية المتحدة حظرها من مجالهم الجوي. أصبحت مكانة الدوحة كمركز جوي الآن موضع شك.
ولكن، إذا كانت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تأملان في إحداث كثير من الألم الذي يدفع قطر إلى الاستسلام إلى مطالبهما؛ فإنهما فشلتا حتى الآن. ويُصرُّ القطريون على أنهم لا يعرفون حتى ما يريده المحاصِرون. تُنكر قطر تقديمها أي دعم للمتشددين الإسلاميين، وهي تدعي أن دول الخليج الأخرى، وفي مقدمتها الإمارات، ترتبط بعلاقات وثيقة مع إيران.
ويبدو أن أكثر ما يزعج السعودية والإمارات العربية المتحدة رفض قطر على مدى عقدين من الزمان الانصياع إلى إرادة القوة الكبرى. وتعزز قناة «الجزيرة» الفضائية وجهات النظر المعارِضة، التي غالبا ما تكون إسلامية. عندما خرج الثوار العرب للهتاف في عام 2011 كانت دول الخليج تعيش في ذعر كبير.
وفي الوقت نفسه، تموّل السعودية والإمارات اليوم رجالًا من النظام القديم؛ مثل عبدالفتاح السيسي في مصر. وقال إبراهيم فريحات، من معهد الدوحة للدراسات العليا، إن النزاع الحالي «معركة أخرى ضمن الربيع العربي».
وحتى الآن، حافظت قطر على هدوئها؛ بينما تحاول حشد الدعم الدولي. ولم تستجب الدوحة إلى الاستفزازات من عيّنة طرد المواطنين القطريين من السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة. وأبلغت وسائل الإعلام القطرية بألا تردّ بالمثل. كما استأجرت الحكومة مكتب المحاماة جون أشكروفت، النائب العام الأميركي السابق، لمراجعة جهودها في وقف تمويل المتشددين.
تبقى جذور الصراع عميقة، وفي حين لا يشعر الطرفان بضغط كبير؛ فإن هناك حالة من الجمود. لا يتوقع أحد أن يُحلَّ ذلك قريبًا؛ ولكن، في نهاية المطاف، لا يزال لدى القطريين ما يخسرونه.