«بعد تغريدة ترامب بأنّ له الفضل في الحصار على قطر لتمويلها الإرهابيين، وقّع وزير الدفاع الأميركي عقودًا مع نظيره القطري لبيع مقاتلات إف 16؛ ما يلفت إلى أن القيادة الأميركية لم تنحز إلى الجانب السعودي كما توقّع كثيرون».
هكذا وصف المحلل السياسي «عمير أنس»، في تحليله لصحيفة «فرست بوست»، التضارب الذي حدث في القيادة الأميركية بشأن الأزمة الخليجية؛ قائلًا إنها لم تشترك في الحصار الخليجي بقيادة السعودية والإمارات المفروض على قطر.
وأضاف أنس: وجد صُنّاع القرار السعوديون والإماراتيون صعوبة في إقناع حلفائهم وعملائهم والدول التي تعيش على المعونات بهذه الخطوة. هكذا أصبح الحظر عبئًا من دون وجود أيّ مَخْرَجِ آمن ومُشرّف، وتلفت كلّ ردود الفعل من أبو ظبي والرياض والقاهرة إلى أن هناك شيئًا خاطئًا.
بعد قرار الدول المُقاطِعة بتقويض إمكانيات وسائل الإعلام القطرية التي رؤوا أنها داعمة للإرهاب، تمكّنت قطر من دعم مهنية قنواتها؛ على عكس وسائل الإعلام السعودية. بمقارنة بسيطة بين قناتي الجزيرة والعربية بعد هذه الأزمة سنجد أن الأولى استمرت في نهجها المهني بينما تحولت الأخرى إلى أداة لمهاجمة قطر.
حتى الآن، أثبتت تركيا أنها يمكنها لعب دور الحليف لقطر ووسيط في الأزمة، وتدعمها إيران. ولم تُبدِ معظم الدول الأوروبية دعمها للحظر، بينما يبحث من دعموها عن مخرج؛ حيث قلّل الأردن والمغرب من العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة، لكنهما الآن يعرضان عليها المساعدة، واستمرت عمان والكويت في محاولة التوصّل إلى حل، واختارت القوى العالمية مثل الصين وروسيا وألمانيا وبريطانيا ألا تتعاون مع السعودية في هذا الصراع.
ثلاثة أسباب أدّت إلى فشل الحظر
يضيف «أنس» أن هناك ثلاثة أسباب أدّت إلى فشل الحظر على قطر؛ يكمن السبب الأول في تركيز مصر والسعودية والإمارات على ضرورة قطع قطر علاقتها مع جماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس، وهو ما لفت إلى أن هذا التحرّك سياسيٌّ بحتٌ بغرض إرضاء السلطة المصرية.
تتمتع حماس بالحصانة في الدول العربية بسبب قتالها «إسرائيل» وإدارتها الأمور في قطاع غزة؛ لذا بعد الإعلان عن الرغبة في تصنيفها كجماعة إرهابية من دون إيجاد حلٍّ للصراع العربي الإسرائيلي ومن دون تقديم بديل في غزة والضفة الغربية، بدأ عديدون الربط بين هذا الموقف وخطابات «إسرائيل» ضد حماس.
أما بشأن الإخوان المسلمين، فإن الاتّهام لها تجاهل التاريخ الطويل من قمع الجماعة في مصر وتقديم دول الخليج، خاصة السعودية، الملاذ الآمن لهم في عهد ناصر. هناك ثلاثة أجيال تعلّموا على أيدي مدرسين مصريين، أغلبهم من جماعة الإخوان؛ وربما يحظى يوسف القرضاوي بدعم واحترام أكثر من أيّ مملكة في مجلس التعاون الخليجي. وما زال كثيرون يرون الإخوان ضحايا قمع الدولة المصرية؛ وربما هذا ما قصده وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون عندما قال إن وضع الجماعة بأكملها على قائمة الإرهاب سيمثّل أزمة.
يقول «أنس» إن السبب الثاني لفشل الحظر هو غياب أسباب مناسبة إليه مقارنة مع القيود الدبلوماسية التي فُرضت على قطر في 2002 و2014، ولا تعتبر علاقات الدوحة مع الإخوان المسلمين وحماس وإيران جديدة؛ لذا فإنه لا يوجد سببٌ كافٍ لهذه القيود. أما بشأن التصريحات المثيرة للجدل المنسوبة إلى الأمير القطري، التي نفاها؛ فإنها تخضع إلى تحقيقات داخلية.
والسبب الأخير يتعلّق بالاختلافات القوية بشأن قضايا المنطقة بين قطر من ناحية ومصر والإمارات من ناحية أخرى، بعد دعم قطر تظاهرات الربيع العربي وتبني الإمارات سياسة خارجية تعمل على إعادة الأنظمة القديمة؛ ابتداءً من مصر حيث دعّمت السيسي في الإطاحة بمحمد مرسي، وفي ليبيا دعّمت قطر والإمارات جماعات مختلفة، بجانب تعاون أبو ظبي والقاهرة لوقف الجماعات الإسلامية بالقوة.
القرار مصري إماراتي
يضيف «أنس» أن تركيا شعرت أن الحظر ضد قطر من تصميمٍ مصريٍّ إماراتي وحظي بموافقة السعودية، وركّزت تصريحات أردوغان على مصر والإمارات، وسعت دبلوماسية قطر وتركيا إلى تهميش مصر والإمارات؛ بينما تحاول إصلاح علاقات قطر والسعودية، وأجروا حوارًا مع قادة المنطقة ما عدا مصر والإمارات.
جاءت سياسات الملك السعودي والحل الوسط الذي توصلوا إليه في 2014 في صالح قطر، واستغلت مصر والإمارات انشغال الملك السعودي في اليمن لمحاولة حثّه على تغيير نهجه تجاه قطر.
في الوقت الذي عارضت فيه تركيا وروسيا وأوروبا وإيران الحظر ضد قطر، سلّمت مصر والإمارات مفاتيح الأزمة للملك السعودي لاتخاذ القرار النهائي، وبدأت تهدئة الأجواء عن ما كانت عليه في بداية الأزمة.
رغم ذلك؛ إلا أن هذه المغامرة شكّكت في قيادة الأمير السعودي الطموح محمد بن سلمان، ولا يُفضّل السعوديون أن يتركوا أزماته تمنح إيران الفرصة في التحالف مع حلفاء السعودية مثل تركيا وباكستان وغيرهما من الدول العربية والأوروبية التي تعارض الآن الحصار السعودي الإماراتي على قطر.