كشفت صحيفة «ذا تايمز» البريطانية عن محادثات أجريت بين المملكة العربية السعودية و«إسرائيل» لإقامة علاقات اقتصادية، مشيرة إلى أنّ ذلك أحد الأسباب وراء الحملة على قطر.
وأوضحت الصحيفة، في تقرير، اليوم السبت، إنّ إمكانية توثيق العلاقات مع «إسرائيل» تفسّر، بشكل جزئي، أسباب فرض السعودية وحلفائها حصاراً شاملاً على قطر، في محاولة لإجبار الدولة الخليجية على إسقاط دعمها لحركة حماس.
وبحسب الصحيفة فإن المحادثات السعودية الإسرائيلية تعد «خطوة دراماتيكية تضع الدولة اليهودية على طريق العلاقات الطبيعية، مع معقل الإسلام السني، وحارس المدن الإسلامية المقدسة» .
تطبيع مع الكيان الصهيوني
ونقلت «ذا تايمز» عن مصادر عربية وأميركية قولها: إنّ «العلاقات ستبدأ وفق خطوات صغيرة؛ مثل السماح للشركات الإسرائيلية بالعمل في الخليج، والسماح لأكبر شركة طيران إسرائيلية (إل عال)، بالتحليق فوق المجال الجوي السعودي».
وأرت الصحيفة، أن أيّ تقدم من هذا القبيل في العلاقات بين السعودية و«إسرائيل» من شأنه أن يعزّز التحالف بين اثنين من ألدّ أعداء إيران، وتغيير ديناميات الصراعات العديدة التي تزعزع الاستقرار في الشرق الأوسط.
وذكرت الصحيفة إنّ العلاقات الاقتصادية لن تكون غير مسبوقة تماماً، مذكّرة بأنّه كان لدى إسرائيل مكتب تجاري في الدوحة، حتى أوائل عام 2009، لكنّه أُقفل من قبل قطر، في ذروة العدوان الإسرائيلي على غزة، إلا أنّ مثل هذا التحوّل سيكون “أكبر تحالف عام” بين «إسرائيل» والخليج، خلال نحو عقد من الزمن.
تمهيد للسلام
وأشارت الصحيفة إلى أنّ ترامب تفاخر بأنّ إدارته يمكن أن تنتج تسوية في الشرق الأوسط، فشل جميع أسلافه بتحقيقها.
وأكدت أن ذلك أصبح مصدراً للجدل فى البيت الأبيض، إذ اتخذ جايسون غرينبلات، مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، نهجاً تقليدياً تجاه عملية السلام، في محاولة لجذب الإسرائيليين والفلسطينيين إلى المحادثات، لكنّه اشتبك مع جاريد كوشنر، صهر ترامب، والذي أصبح مقرّباً من محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي.
ولفتت الصحيفة إلى أنّ النقاش داخل البيت الأبيض دار حول مقاربة جديدة للتسوية في الشرق الأوسط، تقوم على استراتيجية «من الخارج إلى الداخل»، بمعنى أن تعمل الدول الخليجية على تحسين علاقاتها مع إسرائيل، تمهيداً لاتفاق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، والاعتراف الكامل بإسرائيل من قبل دول الخليج والدول العربية، لا سيما أنّ مصر والأردن فقط من تقيمان حالياً علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
مخاوف فلسطينية
وأكدت الصحيفة أنّ الفلسطينيين يخشون بشكل خاص هذه المقاربة، خوفاً من أنّها قد تؤدي إلى جعل تطبيع العلاقات مع إسرائيل أمراً طبيعياً، بينما لا يتم منحهم في المقابل سوى “وعد غامض” بدولة مستقبلية.
وفي هذا الإطار، ذكّرت الصحيفة بأنّ الجامعة العربية تبنّت في عام 2002 اقتراحاً سعودياً بات يُعرف بــ”مباردة السلام العربية”، وهو مقترح يسمح باعتراف عام بإسرائيل، مقابل اتفاق سلام مع الفلسطينيين والانسحاب من الأراضي المحتلة، ولم يستجب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رسمياً، حتى الآن، لهذا العرض.
الخوف المتبادل من إيران
وأوضحت الصحيفة أن الدافع وراء قيام إسرائيل ودول الخليج، وبهدوء تام، بناء علاقات أمنية، هو الخوف المتبادل من إيران.
وكشفت أنّ وفداً سعودياً برئاسة جنرال متقاعد، كان قد قام، العام الماضي، برحلة إلى إسرائيل، بينما يحرص مسؤولون إسرائيليون رفيعو المستوى على توسيع التحالف.
ونقلت «ذا تايمز» إشادة وزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان بـ«الجهود المبذولة لعزل قطر»، قائلاً «أعتقد أنّه من الأفضل بكثير التعاون في القضايا الاقتصادية، أكثر من مكافحة الإرهاب».
لماذا يخشون قطر؟
وقالت الصحيفة، إنّ الرياض وحلفاءها يخشون قطر «جارتهم الصغيرة»، بسبب تحدياتها المتكررة للسلطة السعودية، وموقفها المتردد تجاه إيران، وترويجها للبرامج المعارضة للمملكة، على قناة الجزيرة الممولة من قبل الدولة، فضلاً عن دعمها المتواصل لجماعة الإخوان المسلمين، المبغوضة من قبل كل من السعودية ومصر.
وأضافت الصحيفة أنّ «الرياض طلبت من قطر وقف دعمها لحركة حماس، وطرد عدد من قادة الجماعة، ومن بينهم صلاح العاروري الذي تتهمه إسرائيل بتنظيم هجمات في الضفة الغربية المحتلة».
وترى الصحيفة أنه على غير المرجح أن تقطع قطر الروابط بشكل تام، وإن كان ذلك قد يؤدي إلى نتائج عكسية على «إسرائيل»، إذ إنّ المساعدات القطرية كانت حاسمة في إعادة بناء غزة، والتي دمّرت أجزاء منها حرب عام 2014.
ويوجد اختلاف جوهري في مقاربة مكافحة الإرهاب التي تتخذها قطر، والتي تريد الحفاظ على الحوار مع جميع المجموعات بما فيها إيران والسعودية، وبين المملكة التي تحرص على الحفاظ على علاقاتها مع الولايات المتحدة، من خلال اتخاذ «خط صارم» ضدّ جميع الجماعات الإسلامية، وفقاً للصحيفة.
وتشير «ذا تايمز» إلى أنّ قطر حافظت على برودة أعصابها، خلال الأزمة، رغم الحصار المفروض عليها، إذ إنّها تعترض وتدافع عن براءتها، وترفض في الوقت عينه الانغماس في الهجمات الشخصية على القيادة السعودية.
وفي حال استمرت المواجهة، بحسب الصحيفة، فإنّ قطر قد تلجأ إلى اقتراح أنّ محمد بن سلمان، يقود السياسة السعودية نحو إقامة علاقات مع «إسرائيل»، وربما يؤدي ذلك إلى تقويض وإضعاف مكانة “الخلف المحتمل” للملك سلمان، وحشد المعارضة الإسلامية في المملكة.
أما «إسرائيل»، بحسب الصحيفة، فيبدو أنّها تنتظر انكشاف المشهد بعد هدوء غبار الأزمة الخليجية، في وقت ترفض تقديم تنازلات بشأن خطة السلام مع الفلسطينيين.
واختتمت الصحيفة تقريرها بالقول، إنّ «المملكة العربية السعودية قد تكون مستعدة لفتح مكتب اتصال غير رسمي لتنسيق مصالحها مع «إسرائيل»، إلا أنّ الاعتراف الدبلوماسي يبدو أنّه دونه سنوات عديدة».